المغرب: «الجيش الأبيض» بين مواجهة كوفيد ـ 19 ومرارة تجاهل مطالبه وتضحياته

ماجدة أردان

دعت نقابة الصحة العمومية في المغرب التابعة “للفيدرالية الديمقراطية للشغل” ناقوس الخطر بخصوص تفاقم أوضاع العاملات والعاملين في الصحة بسبب استنزافهم، وطالبت بحوار اجتماعي قطاعي حكومي جدي وحقيقي حول كافة ملفات الشغيلة الصحية.
وجاء في بيان أن المكتب الوطني لنقابة الصحة العمومية عقد سلسلة اجتماعات مفتوحة عبر تقنية التناظر المرئي، فلاحظ أن اليوم العالمي للصحة لهذه السنة يأتي في ظروف خاصة، إذ مرت أكثر من سنة على ظهور وباء “كورونا” الذي خلق أزمة صحية عالمية ستبقى خالدة في تاريخ البشرية لما لها من انعكاسات على جميع مجالات الحياة والمغرب كباقي دول العالم يعيش الأزمة، ويحاول التصدي لها بكل وسائله المتاحة وإمكانياته المتواضعة التي استطاع بها أن يحقق نجاحات مهمة، جعلته في مصاف الدول الأقل تضررا من الوباء، وهذا تم بفضل جهود كل القطاعات وعلى رأسها الأطقم الصحية بكل فئاتها التي ابانت عن حس وطني عال، رغم أنها تعمل في ضوء منظومة الصحية متهالكة، ظهرت عيوبها يشكل جلي في زمن الجائحة، ما يفرض تضافر الجهود بين جميع المتدخلين، من أجل إعادة بنائها وتطويرها لتقدم الخدمات المنوطة بها على أكمل وجه.

*تفاقم أوضاع الجهاز الصحي

ولفتت النقابة الانتباه إلى “تفاقم أوضاع الشغيلة الصحية حاليا، وارتفاع منسوب السخط والتذمر في صفوفها، وذلك راجع لمعاناتها الكثيرة حيث ما زالت تواصل عملها بكل تفان ونكران للذات وبحس وطني مثالي، رغم ظروف العمل غير الجيدة وعدم الاستفادة من العطل السنوية منذ بداية الجائحة وضعف التحفيز، مما جعلها تصل إلى مرحلة الإرهاق الشديد، جراء المتاعب التي تحملها لسنة كاملة خاصة عندما بلغ الوباء أوجه وارتفعت حصيلة الإصابات والوفيات في “الجيش الأبيض” الذي واصل الليل بالنهار في غياب البديل حتى في الاستفادة من الراحة البيولوجية الواجبة في ظل تقييد الحق في التنقل الموازي للحجر الصحي الذي تعرفه المملكة المغربية.
وسجل البيان “بكل أسف غياب تفاعل جدي مع الملفات المطلبية للشغيلة الصحية”، ملاحظا وجود مفارقة كبيرة بين الخطاب والممارسة. فالحكومة تؤكد أن قطاع الصحة يعد من أولوياتها، لكنها في المقابل لا تستجيب للحد الأدنى من المطالب وهذا ما يتضح جليا في جولات الحوار القطاعي الذي يعرف تعثرا كبيرا بسبب رفض الحكومة ووزارة المالية تحديدا الاستجابة لهذه المطالب، بحجة عدم توفر الموارد المالية.
وطالبت نقابة الصحة العمومية بضرورة عقد اجتماع “لجنة القيادة” وتوقيع كل الالتزامات بين وزير الصحة والأمناء العامين للنقابات الصحية، وكذلك بالحضور في المفاوضات مع وزارة المالية، كما جرت العادة في الحوارات الاجتماعية السالفة قبل السنة الجارية.
وأكدت رفضها التام لأي تسويات عرجاء أو جزئية لا تهم حل كل ملفات الشغيلة الصحية، من أطباء وصيادلة وجراحي الأسنان وممرضين وتقنيي الصحة ومتصرفين وتقنيين ومهندسين ومساعدين طبيين ومساعدي التقنيين ومحررين ومدرسين وموظفين في معاهد التدريب.
كما شددت على ضرورة فتح ورش حقيقية ونقاش جماعي داخل القطاع حول الملفات ذات الأبعاد الاستراتيجية، وفي مقدمتها مشروع الوظيفة العمومية الصحية وذلك لمعالجة هدفين أساسيين: الأول ضرورة إصلاح المنظومة الصحية، والثاني تحفيز وتأهيل الموارد البشرية بكل فئاتها من منظور خصوصية القطاع.
أما فيما يخص المنحة المالية المتعلقة بوباء “كوفيد” فإن نقابة الصحة العمومية جددت رفضها للقيمة التي خصصت لهذا الغرض، واعتبرتها غير منصفة، بالنظر لحجم عطاء ومعاناة هذه الفئة، كما أنها لا تتلاءم وحجم الإصابات المسجلة بالفيروس في صفوفها.
لذلك، طالبت يرد الاعتبار لكل الفئات العاملة في المجال الصحي وتشجيعها، بهدف إعادة الثقة والصلح بينها وبين المنظومة جراء التجاهل والتغاضي عما تنادي به من مطالب مستعجلة، تستدعي التسريع بالتجاوب معها لتقليص الإكراهات المطروحة التي تزيد الأمر تعقيدا. واستنكرت النقابة إقصاء العاملين في المراكز الاستشفائية الجامعية، باستثناء موظفي المركز الاستشفائي الجامعي ابن سينا في الرباط، من صرف المنح رغم تعرضهم للعدوى بدرجات متفاوتة الخطورة، ومن منهم فارق الحياة على إثر ذلك.
وطالبت وزارتي الصحة والمالية بتدارك الاختلالات التي شابت عملية صرف منح الشطر الأول، والإسراع برفع قيمتها وتعميمها على جميع الكوادر الصحية بكل فئاتها، وكذا التعجيل بصرف منح الشطر الثاني عاجلا.
وقالت النقابة في بيانها إنه ترفض “المقاربة الأحادية”، وتستنكر فرض سياسة الأمر الواقع التي تتخذها الوزارة الوصية في حل عدد من الملفات ذات الأولوية، واعتبرت ذلك ضربا وإجهازا على تراكمات الحوار الاجتماعي القطاعي الذي يجب أن تخضع لألياته التفاوضية والتشاركية والتقريرية جميع الملفات التي لها علاقة مباشرة وغير مباشرة بالمواد البشرية الصحية وتنفيذ السياسات الصحية. على صعيد آخر، حذّر الخبير المغربي في السياسات والأنظمة الصحية البروفيسور الطيب حمضي من موجة ثالثة من “كوفيد – 19” تتميز بسرعتها وقوتها وضراوتها وطابعا الأكثر فتكًا، والتي تجتاح حاليًا أوروبا وأجزاء أخرى من العالم.
وقال في تحليل حول تطور الوباء أوردته أمس وكالة الأنباء المغربية “هذا ما يفسر عودة مجموعة من الدول إلى تشديد الإجراءات التقييدية، بما في ذلك العزل الشامل وإغلاق المدارس”، داعيا إلى تعزيز الالتزام بالتدابير الاحترازية في المغرب، وتعديلها في ضوء تطور الوضع، دعما لتحصين السكان على نطاق أوسع.
وأضاف أن الموجة الثالثة الحالية في أوروبا سريعة مع انتشار العديد من الحالات الجديدة والحرجة والوفيات بسبب السلالات المتحورة، خاصة البريطانية، في أوروبا، مشيرًا أيضًا إلى سرعة هذه السلالة تتجاوز السلالة الكلاسيكية بنسبة 70 في المئة، كما تفوقها في نسبة الفتك بـ 60 في المئة. ولاحظ أن استراتيجية تطبيق منحنى الوباء ا لمستخدمة في الموجات السابقة لا تصمد أمام حجم الموجة الثالثة. ومع ذلك، يصر على أن استراتيجية “صفر كوفيد” أو على الأقل كسر المنحنى، قد أثبتت أنها ضرورية في البلدان الأوروبية، مع تعميم تدابير الإغلاق الجذرية، إذ تسهم في مقاومة الموجة وتبطيء انتقال الفيروس المتحول من خلال تسريع التطعيم.
وشدد على تعزيز التدابير التقييدية الصارمة وعزل الأشخاص الذين ظهرت عليهم حالات إيجابية، مبينًا أن الفيروسات الجديدة الجنوب أفريقية والبرازيلية تتمتع بمظهر أكثر وضوحًا من السلالة البريطانية.

*الإغلاق الليلي

وكتب البروفيسور عز الدين الإبراهيمي تدوينة جديدة على “فيسبوك” شرح فيها أهمية الإغلاق الليلي خلال رمضان، قائلا: “إذا اعتبرنا أن الحركية خلال النهار، وفي إطار الإغلاق الليلي الحالي من الثامنة مساء إلى السادسة صباحا هي 100 في المئة، فإن رفع وحذف هذا الإغلاق لـ12 ساعة إضافية سيؤدي إلى رفع الحركية على الأقل إلى 200 في المئة، لا سيما مع عاداتنا في شهر رمضان (100 في المئة الخاصة بالليل زائد 100 الخاصة بالنهار). هل يمكن لأي أحد منا وبمنطق علمي أن يثبت أن هذا الارتفاع لن يؤدي إلى تفشي الفيروس وانتشار المرض؟” وبخصوص تأثير الإغلاق على عمل المقاهي ليلا، قال: “كمواطن أظن أنه بجانب الدعم المؤسساتي يجب أن نتضامن ونتأزر كأشخاص مع مغاربة هذه القطاعات. لا أتفهم كيف أن رواد المقاهي الذين نسجوا علاقات إنسانية مع النادلين وأرباب المقاهي والمطاعم لا يتضامنون معهم ماديا ولشهر واحد”.
وأوضح أنه “إذا استمرت الحالة الوبائية في شبه استقرار للأرقام والبيانات وتمكنّا من تطعيم أكبر عدد ممكن من المغاربة، فسنكون قد وطدنا مكاسبنا من الناحية العملية، ويمكن أن نبدأ بتخفيف كثير من القيود”، على حد قوله. أما في ما يخص عملية التطعيم في المغرب فقد بلغ عدد المستفيدين من الحقنة الأولى 4 ملايين و471 ألف و831 شخص، فيما استفاد 4 ملايين و134 ألف و740 شخص من الحقنة الثانية. وعلى صعيد مستجدات الحالة الوبائية، أعلن مساء أول أمس السبت، عن تسجيل 740 حالة إصابة جديدة بفيروس كورونا المستجد، و601 حالة شفاء، وست حالات وفاة خلال 24 ساعة.
الحصيلة الجديدة للإصابات بالفيروس رفعت العدد الإجمالي لحالات الإصابة المؤكدة في المغرب إلى 501 ألف و688 حالة منذ الإعلان عن أول حالة العام الماضي، أما مجموع حالات الشفاء التام فقد بلغ 488 ألفا و15 حالة، بينما ارتفع عدد الوفيات إلى 8891 حالة، فيما وصل مجموع الحالات النشطة التي تتلقى العلاج حاليا إلى 4782 حالة.
وبلغ عدد الحالات الخطيرة أو الحرجة الجديدة بأقسام الإنعاش والعناية المركزة المسجلة خلال 24 ساعة 40 حالة، ليصل العدد الإجمالي لهذه الحالات إلى 449 حالة. أما معدل ملء أسرة الإنعاش المخصصة لـ(كوفيد-19)، فقد بلغ 14,2 في المئة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: