مع عودة المطالبات بضرورة بدء مفاوضات بين المغرب وجبهة البوليساريو الانفصالية يطرح متابعون للنزاع بشأن الصحراء المغربية إعادة النظر أولا في مصير السكان الصحراويين المحاصرين في مخيمات تندوف بالجزائر كأولوية، حيث يشدد هؤلاء على أن واقع الصحراويين يدحض كل أطروحات البوليساريو والجزائر الداعمة لها.
تُعيد الدعوات المكثفة إلى إجراء مفاوضات مباشرة بين المغرب وجبهة البوليساريو الانفصالية إلى الواجهة التساؤلات حول مشروعية مطالب البوليساريو، لاسيما على ضوء ممارسات الجبهة الانفصالية وتحركاتها المثيرة والتي غالبا ما تتصدى لها الرباط.
ويرى مراقبون أنه ينبغي طرح تلك الممارسات على الطاولة أولا وفي مقدمتها الظروف التي يرزح تحت وطأتها السكان الصحراويون في مخيمات تندوف بالجزائر.
وقال المحلل السياسي عبدالواحد ورزازي إن “السكان الصحراويين المحاصرين في مخيمات لحمادة الجزائرية جنوب تندوف يجسدون مأساة إنسانية، حيث استُنفد السرد السياسي والدعائي الذي بنوه لصالح الحكم الذاتي للصحراء تحت السيادة الكاملة للمملكة المغربية”.
وتابع ورزازي في مقال له بمجلة “أتلايار” الإسبانية أنه “بالمثل، فإن المشروع الشيوعي الوطني للبوليساريو الذي تم تخفيفه في البرنامج الجزائري التوسعي والمناهض للرأسمالية وللملكية وخاصة المناهض للمغرب، قد تلاشى دون أي عوائق، مما أبقى السكان المحتجزين في تندوف ضحية لجبهة البوليساريو التي ترسم خططها الخاصة، وهي غريبة عن مصالح الصحراويين الذين تدعي أنها تمثلهم من خلال الجزائر”.
وأوضح “نشطت العديد من مجموعات التحرير الصحراوية منها حركة تحرير الصحراء (1968)، الحركة الثورية للرجال الزرق المعروفة اختصارا بـ’الموريهوب’ (1969)، حزب الاتحاد الوطني الصحراوي المعروف اختصارا ببونس (1974) وجبهة التحرير والوحدة (1975). وقد تشكلت جبهة البوليساريو (الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب 1973) في المغرب على يد طلاب يساريين مغاربة في الغالب”.
وكانت كل هذه المجموعات قد انضمت إلى المغرب باستثناء جبهة البوليساريو الانفصالية التي كانت منظمة موازية، وموّهت الجزائر ادعاءاتها وراءها.
دعم جزائري
استند مشروع البوليساريو إلى نص مستوحى من الشيوعية سلط الضوء على أيديولوجيتها وتغريبها على النحو التالي “ستتعاون البوليساريو مع الثورة الجزائرية لهزيمة المناورات المخططة ضد العالم الثالث (…) الحرية تتحقق بالسلاح”.
وهكذا ألقت البوليساريو بنفسها في حضن الجزائر التي تزعم أنها ملاذ حركات تحرير الشعوب، لكنها غير قادرة على تحرير منطقة القبائل التي يقمعها الجيش الجزائري.
واستضافت الجزائر وليبيا وكوبا وفنزويلا والاتحاد السوفييتي جبهة البوليساريو ومولتها ودربتها. لذا فإن المغرب قاتل منذ 16 عاما (1975 – 1991) ضد التكتل الشيوعي منذ كان في أوجه حسب ما رأى عبدالواحد ورزازي.
وقدمت الجزائر دعما لا محدود للعديد من المنظمات الانفصالية وقادتها على غرار أنطونيو كوبيلو الذي أسس حركة استقلال جزر الكناري حيث سُمح له ببث دعايته من محطة إذاعية جزائرية.
ووصفت جبهة البوليساريو في “البيان السياسي” لمؤتمرها الثالث سنة 1976 جزر الكناري بأنها “قاعدة عسكرية للإمبريالية”.
وصرح كوبيلو من منفاه في الجزائر أنه “سيستخدم أراضي الصحراء في كفاحه المسلح”.
وبدورها طرحت الجزائر مسألة “إنهاء استعمار” جزر الكناري إلى منظمة الوحدة الأفريقية (الاتحاد الأفريقي حاليا). وهو ما صوت المغرب ضده، معلنا في 1978 أن “جزر الكناري جزء لا يتجزأ من الأراضي الإسبانية (…) وأنه لا يعترف بكوبيلو أو منظمته الانفصالية”، في حين وصلت وفود من الأحزاب الإسبانية اليسارية إلى الجزائر العاصمة للاحتفال بالذكرى الثانية لجمهورية البوليساريو.
ومن الجزائر نظّمت البوليساريو نشاطاتها من خلال مهاجمة المدنيين وجرائم القتل وخطف الصيادين والعاملين في جزر الكناري في منجم فوسبوكراع.
وتقدر الجمعية الكنارية لضحايا الإرهاب المعروفة باسم “أكافيت” عدد ضحايا البوليساريو الإسبان بـ300، وتقول إن الجناة ما زالوا يتجولون بحرية دون محاكمة.
استفتاء حول عودة الصحراويين
اتهم عبدالواحد ورزازي البوليساريو باختطاف السكان قائلا “كانت جبهة البوليساريو في أيامها الأولى مهتمة بالجنود الصحراويين المُسرحين من الجيش الإسباني بسبب انتهاكاتهم، وكانت نشطة جدا في اختطاف السكان. حيث سجنت أي شاب لم ينضم للجبهة”، مشددا على أن “عائلات المختطفين اضطرت إلى مغادرة منازلها للانضمام إلى الرهائن في تندوف (…) وفي المناوشات داخل الصحراء المغربية أخذت البوليساريو عائلات صحراوية بأكملها أسرى في المخيمات”.
وجسّد السكان وفقا لورزازي الورقة الرابحة للحفاظ على الرواية القائلة إن “المغرب بلد مستعمر” حسب قول آنا دي بالاسيو وزيرة الخارجية الإسبانية السابقة لـ”أتالايار” في 19 مارس الماضي.
وتواجه البوليساريو انتقادات بشأن طريقة تعاطيها مع الواقع المعاش للسكان الصحراويين في تندوف في الوقت الذي تجد فيه الجبهة دعما سخيا بالمال والسلاح.
وقال عبدالواحد ورزازي إنه “في حين تمتعت البوليساريو بالأموال والأسلحة الروسية التي وجدتها تحت تصرفها، كان السكان الصحراويون يعيشون في فقر مدقع منذ أكثر من 45 سنة. ويُمنع عليهم الانخراط في أي نشاط اقتصادي يحسن أوضاعهم، لأن ذلك من شأنه أن يحرّر الأفراد”.
وأضاف “يبدو شعار البوليساريو التي تدعي أنها تمثل الصحراويين هو ‘كلما كان حال السكان أسوأ، كلما كان ذلك أفضل’، مما يبقي الصحراويين محرومين من أساسيات العيش في منطقة قاحلة، ويواجهون سوء التغذية. ويتفاقم كل هذا مع استمرار قمع المتمردين داخل المخيمات”.
وخصصت الأمم المتحدة والمفوضية الأوروبية والوكالة الإسبانية للتعاون الدولي من أجل التنمية والعديد من مجالس المدن والجمعيات الموالية للصحراويين والمجتمعات المستقلة في جميع أنحاء إسبانيا مساعدات كبيرة، لكن ظروف الصحراويين المعيشية لم تتحسن.
وتزعم الجزائر وجبهة البوليساريو أن هناك ما بين 150 و170 ألف صحراوي محتجزين، بينما ترفضان إجراء إحصاء سكاني مستقل ونهائي. ولا تتوقع المنظمات المحايدة أن يتجاوز العدد 90 ألفا.
عبدالواحد ورزازي يرى أن السكان الصحراويين في مخيمات لحمادة الجزائرية جنوب تندوف يجسدون مأساة إنسانية
وتحث الأمم المتحدة على إجراء تعداد حقيقي وجعل المساعدات الإنسانية مشروطة في وقت تتأكد فيه شكوك الاحتيال. وقد أظهرت تقارير المكتب الأوروبي لمكافحة الاحتيال وجود عمليات اختلاس ضخمة للمساعدات الممنوحة. وتتهم بروكسل الجزائر مباشرة بالاختلاس.
ويقول عبدالواحد ورزازي إنه “لا يمكن إنكار أن هذه المعسكرات ولّدت مزايا سياسية، حيث تمكنت من التلاعب بالرأي العام اليساري في خضم الحرب الباردة.
وأصبحت اليوم أداة للابتزاز السياسي ومصدرا للدخل”، مبينا أن “البوليساريو حولت البدو الصحراويين الأحرار إلى محتجزين يطلبون المساعدات، في حين تبقى المقاطعات الجنوبية في المملكة تتمتع بتنمية اقتصادية. وجرى تجهيز المقاطعات بالبنى التحتية الحديثة بفضل مشاركة العاهل المغربي الملك محمد السادس مع الصحراويين أنفسهم حيث أن حكام الصحراء ورؤساء البلديات وحكام المقاطعات والأقاليم جميعهم صحراويون. والعديد منهم عائدون بمن فيهم مؤسسو البوليساريو وزعماء سابقون”.
ويرى ورزازي أنه تمت تسوية قضية الصحراء وزالت شكوك سكان تندوف وذلك بالاستناد إلى العديد من المعطيات.
فديناميكيات المغرب الجيوستراتيجية الجديدة في القارة الأفريقية حققت تفوقا على مزاعم البوليساريو والجزائر. كما أن المعركة الجيوسياسية تجري على مستوى تقدم الدول الأفريقية، والتنمية البشرية كعنصر أمام الهجرة والأمن في مواجهة الإرهاب بعيدا عن مفارقة جبهة البوليساريو الرجعية ومرشدها الجزائر التي تسعى إلى زعزعة استقرار المنطقة.
وتقع على عاتق المجتمع الدولي مسؤولية أخلاقية لوضع حد لهذه المحنة من خلال حث الجزائر وجبهة البوليساريو على السماح للصحراويين بالعودة من تندوف بفتح ممر إنساني.
وكانت هيومن رايتس ووتش قد حذرت بالفعل من أن السكان المحتجزين في تندوف لا يتمتعون بحرية الحركة الكاملة ولا يُسمح لهم بمغادرة المخيمات.
وتساءل عبدالواحد ورزازي “هل يمكن للأمم المتحدة أن تفوض بعثة لإجراء استفتاء على عودة رهائن تندوف؟ يجب إحصاء عدد السكان الموجودين هناك وإجراء استفتاء على عودتهم إلى الوطن”.