اِلْتقط الأمين العام لاتحاد المغرب العربي الطيب البكوش تصريحات رئيس المجلس الانتقالي الليبي محمد المنفي حول اتحاد المغرب العربي التي أكد فيها أنه سيعمل على تفعيل مؤسسات هذا التكتل المغاربي، ليتحرك بسرعة باتجاه محاولة الدفع بهذا الأمر إلى الواجهة، في مسعى لإعادته إلى دائرة الضوء وجعله العنوان الأبرز خلال هذه المرحلة.
وأعلن المكتب الإعلامي لرئيس المجلس الرئاسي الليبي أن الطيب البكوش أجرى في الخامس من الشهر الجاري اتصالا هاتفيا مع محمد المنفي، قدم له خلاله التهاني على توليه رئاسة المجلس الرئاسي في ليبيا، كما أعرب له عن نيته زيارة ليبيا في أقرب وقت ممكن لبحث أهمية تفعيل اتحاد دول المغرب العربي.
وشكل هذا الاتصال الهاتفي بالعنوان الذي تناوله مقدمة لعودة الحديث عن اتحاد المغرب العربي، لجهة وجود محاولات لكسر الجليد الذي تراكم على طريق العمل المغاربي المشترك طيلة السنوات الماضية، خاصة وأنه جاء بعد إعلان محمد المنفي أن ليبيا “ستبذل ما في وسعها لتفعيل الاتحاد المغاربي، وأنها ستوجه قريبا دعوة لبدء اِلْتئام اجتماعات اتحاد دول المغرب العربي”.
وأكد المنفي خلال مؤتمر صحفي مشترك عقده في العاصمة الليبية طرابلس مع وزير الخارجية الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد “على أهمية تفعيل اتحاد المغرب العربي ودعم مؤسساته، وأن ليبيا ستسعى خلال الفترة الحالية لتفعيل الاتحاد بالتعاون مع الدول الأخرى بصفتها الرئيس الحالي للاتحاد المغاربي”، وذلك في خطوة أشاعت في حينها أجواء من التفاؤل الحذر بإمكانية تحريك هذا الملف.
وتعززت تلك الأجواء بتصريحات سبقت ذلك، وتضمنت مؤشرات حول وجود اتصالات من أجل تهيئة مناخ جديد للتعاطي مع التحديات التي تواجه المنطقة تحت غطاء مغاربي، خاصة وأنها ترافقت مع تحرك دبلوماسي وسياسي لافت بدا أن له صلة بشكل أو بآخر بهذا الموضوع، وعكسته الرسائل التي تلقاها الرئيس التونسي قيس سعيد من نظيريه الجزائري عبدالمجيد تبون والموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني.
ولم تشهد المنطقة طيلة السنوات الماضية مثل هذا الحراك الدبلوماسي، الأمر الذي دفع من جديد بملف اتحاد المغرب العربي إلى الواجهة لعدة اعتبارات مُرتبطة في مُجملها بمُحاولات تفعيل هذا التكتل الذي جعلته خلافات الدول الأعضاء التي تعددت عناوينها وتراكمت مفاعيلها مشلولا رغم الجهود المبذولة بين الحين والآخر لإنعاشه.
وبدأت هذه الجهود بتصريحات الرئيس التونسي قيس سعيد على هامش زيارته إلى ليبيا في السابع عشر من الشهر الماضي، والتي دعا فيها إلى ضرورة العمل من أجل إحياء اتحاد المغرب العربي، حيث قال بحضور رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي “سنعمل على إعادة نشاط الاتحاد المغربي إلى سابق عهده باجتماع جديد على مستوى القمة”.
وأكد أنه سيبذل ما في وسعه في هذا الاتجاه، لكنه استدرك قائلا “لا أخفي عنك أن هذا يقتضي اقتناعا من جميع الدول المغاربية لأن النصوص المؤسسة لاتحاد المغرب العربي فيها خلل تأسيسي، هو أن القرارات لا تتخذ رسميا إلا من القمة وبالإجماع، وهو ما يجعل لكل دولة حق الفيتو وهذا لم يعد صالحا اليوم في نظري”.
ويعكس هذا الاستدراك نوعا من الواقعية السياسية التي تجعل من أجواء التفاؤل بإمكانية إخراج هذا التكتل المغاربي من مربع الجمود الذي شل نشاطه منذ عام 1994 مُتسرعة ومجرد نوايا حسنة لا تأخذ بعين الاعتبار حجم الخلافات والعراقيل التي أوقفت مسيرة هذا الاتحاد الذي تأسس في 17 فبراير من عام 1989 على قاعدة تشابك المصالح وتداخل الرهانات الإستراتيجية.
وتستمد تلك العراقيل قوة بقائها لغاية الآن من ملفات عالقة، كثيرة ومتنوعة تبدأ بالسياسة ولا تتوقف عند الأمن، وأخرى مُستجدة ومُتحركة، لها صلة بالتوازنات الجديدة التي برزت في أعقاب التطورات التي أفرزها ما سُمي بـ”الربيع العربي”، إلى جانب ملف الصحراء المغربية الذي يبقى واحدا من أبرز تلك الملفات العالقة التي ساهمت بشكل كبير في تعطيل مسيرة هذا الاتحاد.
وتؤكد غالبية القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية المغاربية على أن ما يُجمع أكبر بكثير من تلك العقبات، وأن المكاسب التي يُمكن تحقيقها من تفعيل هذا الاتحاد كثيرة ومُتنوعة، وأن تكلفة عدم تحقيق الاندماج المغاربي تُكبد مجمل المنطقة خسائر باهظة اقتصاديا (فقدان نحو 3 نقاط نمو سنويا) واجتماعيا (ارتفاع البطالة في صفوف فئة الشباب التي تُشكل العمود الفقري للتركيبة السكانية في الدول المغاربية).
لكنها تُدرك أيضا أنه يصعب في الوقت الحالي تجاوز تلك الملفات التي مازالت تتفاعل في اتجاهات متضاربة، الأمر الذي أبقى على حالة التذبذب والارتباك التي تتسم بها العلاقات بين دول الاتحاد المغاربي، وهي تونس والجزائر والمغرب وموريتانيا وليبيا، التي تُشكل مُجتمعة تكتلا بمساحة جغرافية تتجاوز مساحة دول الاتحاد الأوروبي، وبعدد سكان في حدود 100 مليون نسمة.
وعلى هذه القاعدة تُصبح التصريحات حول جهود تُبذل لتحريك الاتحاد المغاربي مُجرد مُحاولات لا تخرج عن دائرة النفخ في رماد جسد متهالك، أنهكته الخلافات التي حرمت شعوب المنطقة وقواها الحية من فرصة تشكيل تكتل إقليمي كبير بأبعاد إستراتيجية واقتصادية هائلة في هذا العالم الذي يتسم بتعدد التكتلات.