عبدالمجيد تبون.. رئيس لم يتحرر من قيود الماكينة التقليدية

بليدي

المتابع لحضور الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون عبر وسائل الإعلام لا يجد صعوبة في ملامسة قواسم مشتركة مع سلفه الراحل الشاذلي بن جديد، حيث خانهما التواصل والكاريزما، ويشترك الاثنان في ظروف ومعطيات كثيرة متشابهة.

استبدل تبون منذ تنصيبه في قصر المرادية النشاط الميداني بظهور إعلامي من خلال وسائل إعلام محلية تُختارُ له بعناية لتمرير رسائله للداخل والخارج، لكن الرجل، ومعه الفريق الإعلامي العامل في رئاسة الجمهورية، أخفقا في تسويق الصورة والخطاب المأمولين من طرف الجزائريين.

ورغم أن جائحة كورونا رفعت اللوم عن الرئيس الذي لم ينزل إلى الميدان منذ انتخابه في ديسمبر 2019، إلا أن الصورة المسوقة في تلك اللقاءات لم تملأ الفراغ الذي يخيم على الرئاسة الجزائرية منذ أن توارى الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة عن الأنظار، أي منذ عام 2013 وحتى يومنا هذا.

لا يختلف اثنان على أن البلاد التي عجز فيها رئيس مخضرم ودبلوماسي محنك مثل بوتفليقة، رغم النهاية التي انتهت إليها حقبته، عن النهوض بها لا يمكن لأي رئيس آخر أن يحقق ذلك

ويبدو أن الرئيس الذي قضى مشوارا طويلا من حياته المهنية متنقلا بين مختلف المناصب التنفيذية، وشغل منصب رئيس الوزراء عام 2017، لا يزال رهين عباءة البيروقراطية ولم يرتد بعد ثوب الرئيس. فهو لا يزال غارقا في التفاصيل التي تقع في صلب مهام مسؤولين محليين وليست من اختصاص رئيس الدولة، كأن يخوض في مشاكل التموين والاستهلاك في شهر رمضان، وندرة مادة الزيت، بينما يغيب الخطاب الإستراتيجي عن الأزمة السياسية، ووضعية حقوق الإنسان، والنهوض بالاقتصاد وتفعيل الدبلوماسية.

والملاحظ أن الرئيس الذي قدم 54 تعهدا خلال حملته الدعائية لا يزال يكرر أفكارا يتم تداولها في مستويات أخرى، الأمر الذي يدفع إلى الاستنتاج أن المصدر الذي يوزع تلك الأفكار على الوزراء وعلى المسؤولين وحتى على رئيس الجمهورية هو مصدر واحد، وهذا يحيل إلى التساؤل حول صلاحيات الرئيس ومدى استقلاليته عن الدوائر النافذة.

تكرار تبون لمفردات صرح بها وزير التجارة يجدد طرح فرضية إملاءات مراكز النفوذ في تسيير شؤون البلاد بداية من ندرة مادة الزيت إلى الدور الإقليمي للجيش الجزائري. ويعكس تخبط تصريحات الرئيس ضيق هامش المبادرة وصلاحية القرار لدى الرجل، ويظهره في موقف مرتبك أمام الرأي العام، فهو لا يدري أن الـ25 مليار دولار التي يكررها دوما حول مداخيل القطاع الزراعي هي مساهمة القطاع في الناتج الداخلي الخام وليست عائدات، وأن التراجع عن مشروع تعديل قانون الجنسية، والمصير الغامض لقطاع تركيب السيارات والمركبات، ليست ملفات موضوعة بين أيدي الرئيس.

تبون مثل غيره من رؤساء الجزائر لا يشذ عن مقاربة صناعة الجيش للرؤساء، ولو حاول البعض لجم نفوذ كبار الضباط على غرار الرئيس السابق بوتفليقة. وضع الرئيس تبون في هذا السياق يتشابه كثيرا مع وضع الرئيس بن جديد، فكلاهما نصب من قبل العسكر على رأس الدولة.

وفوق ذلك تعثر الرجلان في بداية مشوارهما الرئاسي في التواصل مع الرأي العام، غير أن المحيط هو الذي صنع الفارق، وأخرج بن جديد من عباءة العسكر، ومن صعوبة تكوين جملة مفيدة والتمييز بين المذكر والمؤنث، ومنحه كاريزما رئاسية، بينما لا يزال الرئيس تبون مدثرا برداء المسؤول الإداري البيروقراطي.

لا يختلف اثنان على أن البلاد التي عجز فيها رئيس مخضرم ودبلوماسي محنك مثل بوتفليقة، رغم النهاية التي انتهت إليها حقبته، عن النهوض بها لا يمكن لأي رئيس آخر أن يحقق ذلك إلا إذا كان يفوقه في كل شيء.

وفيما قاد أحمد بن بلّة البلاد مزهوّا بوهج الثورة التحريرية، وهواري بومدين الذي انقلب على نفسه لنفسه، وبوتفليقة الذي روض أباطرة الجيش، فإن البقية الباقية كانت واجهة مدنية لحكم عسكري من خلف الستار، خاصة بالنسبة إلى الشاذلي بن جديد، وتخيم نفس الملامح على حقبة تبون في ظل تنامي دور العسكر منذ تنحي بوتفليقة في أبريل 2019.

استبدل تبون منذ تنصيبه في قصر المرادية النشاط الميداني بظهور إعلامي من خلال وسائل إعلام محلية تُختارُ له بعناية لتمرير رسائله للداخل والخارج

وإذا كان الرجل قد قدم لأنصاره 54 تعهدا في انتخابات رئاسية شابها الكثير من اللغط، فإن مرور أكثر من عام على تنصيبه في قصر المرادية دون تقديم أي حصيلة للجزائريين (لا يتوجب إغفال الحظ العاثر، فقد حاصره وباء كورونا بعد شهرين من انتخابه، وقضى فترة علاجية قاربت الثلاثة أشهر) فإن اكتفاء الرجل بظهور إعلامي يخضع للتسجيل والتركيب وضيوف يختارون بعناية، لا يمكن أن يعوض حاجة البلاد إلى ديناميكية رئيس مستعد للنزول إلى الميدان.

سيتذكر الجزائريون بوتفليقة على أنه الرئيس الذي لم يخاطب شعبه إلا مرات نادرة، ولم يوفق في اختراق جدار الحراك الشعبي، ولم يلامس انتظارات الجزائريين بعد سنوات من التطلع إلى رئيس باستطاعته العمل ستة عشر ساعة يوميا والخروج من معادلة “البلاد المريضة بمرض رؤسائها”.

توارى بوتفليقة عن الأنظار لست سنوات (2013 – 2019) بسبب وضعه الصحي، فأصيبت الجزائر بالشلل. ومرض تبون وغاب عن البلاد، وتكرر نفس السيناريو. حتى الذين انتخبوه رئيسا للبلاد لم يعد بعضهم مقتنعا بصواب خياره، لأن التغيير المأمول تحطم على صلابة الحرس القديم، ولا يزال رموز العهد البائد يديرون شؤون الدولة، بموافقة من تبون أو رغما عنه.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: