عمّق انصهار التحركات الاحتجاجية المدفوعة بتفاقم القلق الاجتماعي والنشاط السياسي متاعب الحكومة الجزائرية أثناء محاولتها احتواء الأزمة، ما يدعم سيناريو فشل السلطة القائمة في إدارة شؤون البلاد ويزجّ بها في دائرة من عدم الاستقرار، بالموازاة مع تنظيم انتخابات تشريعية مبكرة.
تتجه الاحتجاجات الاجتماعية والسياسية في الجزائر نحو الانصهار، بشكل يعقد من وضع السلطة ويضعها أمام عدم استقرار متفاقم عشية تنظيم انتخابات تشريعية مبكرة في البلاد، الأمر الذي يدفع بالشارع إلى الاهتمام بالواقع السياسي والاجتماعي أكثر من الانخراط في المسار السياسي للسلطة.
وتفاقمت الاحتجاجات الاجتماعية والسياسية بشكل لافت في الجزائر خلال الأيام الأخيرة، فمع موجة السخط التي عمت بعض المدن والمناطق احتجاجا على مشاكل السكن والبطالة كما حدث في مدينة البويرة (120 كلم شرقي العاصمة) شن الأطباء إضرابا وطنيا، ونظم مئات الشباب في مدينة ورقلة بأقصى الجنوب الشرقي للبلاد تحركا احتجاجيا للتضامن مع الناشط المسجون عامر قراش.
وجاء اهتزاز الطبقة الاجتماعية بالموازاة مع موجة احتجاجات سياسية متواصلة في البلاد منذ أكثر من عامين، حيث انضم إليها أساتذة تعليم وموظفون في قطاعات مختلفة على غرار الجباية والعمل والشؤون الاجتماعية، الأمر الذي يضع الاستقرار الاجتماعي بالبلاد على صفيح ساخن قبل أسابيع قليلة من موعد الانتخابات التشريعية.
ونظم أمس الخميس مئات الشباب من سكان مدينة ورقلة في أقصى الجنوب الشرقي للبلاد وقفة تضامنية مع الناشط المسجون عامر قراش، أمام مجلس قضاء المدينة، للتنديد بما وصفوه بـ”الحكم القاسي على شاب لم يقترف جرما إلا الدفاع عن مطالب المهمشين والشباب البطالين”، فيما يعرف بـ”عاصمة النفط الجزائري”.
اهتزاز الطبقة الاجتماعية يأتي بالموازاة مع احتجاجات سياسية، ما يضع الاستقرار الاجتماعي في الجزائر على صفيح ساخن
وتتجه الاحتجاجات الاجتماعية والسياسية إلى الانصهار، في ظل انطباع سائد لدى الكثير من الجزائريين بأن المسألة لم تعد مماطلة حكومية معزولة في التكفل بمشاغلهم وحاجياتهم الأساسية، وإنما تتعلق بفشل حكومي جزائري عام يستوجب مراجعة عميقة لمنظومة تسيير شؤون البلاد، وهو ما يتوافق مع رؤية القائلين برحيل النظام وإحداث تغيير سياسي شامل.وطالب المحتجون بإطلاق سراح عامر قراش ووصفوه بـ”المناضل الذي لم يقترف أي جرم يستحق السجن سوى الدفاع عن الحقوق المهضومة لولاية (محافظة) ورڤلة”، ونادوا بـضرورة الإسراع في برمجة محاكمته لاسيما عقب دخول المعني في إضراب عن الطعام من داخل سجنه احتجاجا على “المماطلة الحاصلة في معالجة ملفه”.
وفي هذا الشأن يبدو أن السلطة التي لوحت بتشديد القبضة الأمنية تجاه الفاعلين والناشطين في الحراك الشعبي لن يكون بوسعها تبني نفس الإجراءات إزاء الاحتجاجات الاجتماعية، الأمر الذي سيبقي الوضع على رمال متحركة.
ومثُل أمس خمسة شبان أمام قضاء العاصمة بتهم مختلفة، وفيهم من تم العفو عنه بقرار رئاسي سابق، وذلك لصلتهم بما أسمته تقارير أمنية “قضية الشاب القاصر شتون سعيد” الذي تتضارب الروايات بشأن تعرضه للتحرش الجنسي في مخفر للشرطة بين ناشطين معارضين يؤكدون ذلك وإفادات رسمية وشبه رسمية تنفيه.
كما قضت محكمة باب الواد بسجن 24 شابا تم توقيفهم من طرف عناصر الأمن خلال المظاهرات الأسبوعية المنتظمة الجمعة الماضي بالعاصمة للمطالبة برحيل السلطة القائمة والتغيير السياسي الشامل في البلاد.
ونظم الأطباء العاملون في المستشفيات والمؤسسات الصحية الحكومية أول أمس إضرابا وطنيا للتنديد بـ”مماطلة الحكومة” في الوفاء بالالتزامات التي قطعتها تجاههم بخصوص العديد من الملفات المهنية والاجتماعية.
وأعرب الأطباء الحكوميون في الجزائر عن غضبهم الكبير من أداء الوزارة الوصية إزاء ما وصفوه بـ”التضحيات التي قدموها خلال مواجهتهم لوباء كورونا خلال الأشهر الماضية، وعدم وفائها بالالتزامات الاجتماعية والمهنية التي قطعتها معهم، خاصة وأن القطاع فقد نحو 200 طبيب وممرض وموظف صحي بسبب جائحة كورونا”.
وظل القلق يخيم على الجبهة الاجتماعية بالتزامن مع حلول شهر رمضان، بسبب ندرة بعض المواد الاستهلاكية والارتفاع اللافت في الأسعار.
وستعكف كنفيدرالية النقابات الجزائرية خلال الأيام القليلة المقبلة على عقد لقاء لتقييم الوضع الاجتماعي، خاصة في ظل الانهيار الرهيب الذي تشهده القدرة الشرائية للطبقة العمالية والفئات الاجتماعية الهشة.
وينتظر أن يبحث ممثلو 14 تنظيما نقابيا منضويا تحت لواء التكتل المذكور في طبيعة وموعد الحركات الاحتجاجية على الوضع الاجتماعي، بعدما تم تأجيلها بسبب الوضع الصحي والاقتصادي الذي عرفته البلاد.
ولم يعد بإمكان الحكومة الفصل بين الاحتجاجات الاجتماعية والسياسية، وحتى الأذرع السياسية والإعلامية فشلت في الفصل بين الاثنين، الأمر الذي عزز ذرائع المناوئين للسلطة في التمسك بالمطالب المرفوعة منذ شهر فبراير من عام 2019.
وتحولت الإضرابات والوقفات الاحتجاجية العمالية إلى ورقة في يد المعارضة الراديكالية والحراك الشعبي، لدعم حالة اللااستقرار السياسي والضغط على السلطة للتجاوب مع مطالبهما، فالأمر حسب رأيهما هو ” فشل معمم في إدارة شؤون البلاد من طرف السلطة القائمة “، ويذهب المعارضون الراديكاليون ومكونات الحراك الشعبي إلى أن “أزمة البلاد هي أزمة سياسية وليست أزمة اجتماعية”.