البوليساريو دمية الجزائر التي لا تريد تحمل مسؤوليتها في قضية الصحراء المغربية
عندما أطلقت جبهة البوليساريو قبل ما يقرب من خمسين عاما شعارها «بالبندقية ننال الحرية» لم يكن ليدور بخلد جزء كبير من قادتها، أن مياها كثيرة ستجري بعدها، وستقلب تماما معادلات الشرق والغرب، وستبقي السلاح تركة ثقيلة على النزاع في الصحراء.
لكن من وضع العوائق والحواجز، التي حالت طوال تلك السنوات دون إخماد أصوات البنادق؟ ومن منع التوصل لاتفاق يضع حدا جذريا للمشكل؟ ثم هل أن إسقاطها، أو تفكيكها يحتاج اليوم لجهد خرافي، أو حتى لعصا سحرية؟ مهما قيل أو يقال عن مسؤولية هذا الطرف، أو ذاك، أو عن صعوبة، أو حتى استحالة تحقيق ذلك الهدف، فإن المتنازعين لا يستبعدون فرضية العودة في تاريخ لم يحدد بعد للجلوس مجددا إلى طاولة حوار، قد يفرز اتفاقا ما على حل واقعي ونهائي للقضية. لكن السؤال هو ما الذي سيعجل بتحقيق ذلك؟ وهل هناك في الأفق بوادر على حدوثه؟
حتى الآن يكتفي البيت الأبيض بإرسال إشارة مبتورة تدل وبشكل ملتبس على أن واشنطن تتطلع لأن يحصل الأمر في غضون الشهور القليلة المقبلة. وليس عبثا أن تصدر تلك الإشارة من مكتب وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، عبر بيان أعلن مساء الاثنين قبل الماضي في أعقاب اجتماع مغلق عقده عبر دائرة تلفزيونية مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وأكد من خلاله بلينكن «دعم بلاده للمفاوضات السياسية بين المغرب وجبهة البوليساريو، وحثه على الإسراع بتعيين مبعوث شخصي جديد للصحراء» حسب ما أوردته وكالات الأنباء. والغرض من ذلك هو إعطاء انطباع قوي بأن اهتمام الأمريكيين، في هذا الوقت، بالمشكل يعني أنهم يعملون على تحريك المياه الراكدة، وإطلاق المسار المتعطل في المنطقة، لكن الطرفين الأساسيين فيه، لا ينظران لتلك الإشارة بالعين نفسها. فبالنسبة للجزائر ومن ورائها البوليساريو، فإن النبرة المعتدلة نسبيا للأمريكيين تدعم ثقتها في حسن نوايا الإدارة الجديدة، لكنها لا تلبي تماما تطلعها في أن تقدم القوة العظمى على مراجعة قريبة للقرار، الذي أخذه الرئيس ترامب في آخر عهده بالاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء. أما على الجانب المقابل فإن المغرب الذي لا يعارض من حيث المبدأ فكرة التفاوض على الملف الصحراوي، غالبا ما يفضل أن يحصل ذلك مع من يراه خصمه الحقيقي في النزاع، أي الجزائر بدلا من أن يتم الامر مع من يعتبرها الدمية التي يحركها الجزائريون عن بعد، والمقصود بذلك جبهة البوليساريو. لكن ما المجال الذي قد تنشط من خلاله العملية التفاوضية من جديد؟ منذ نحو شهر تقريبا طفا على السطح جدل بين الجانبين حول ما إذا كان من المناسب تحويل الملف إلى أديس أبابا، أم تركه في نيويورك، وبمعنى آخر ترحيله للاتحاد الافريقي، أم إبقاءه في العهدة الحصرية للأمم المتحدة؟ وليس جديدا أن اختلاف وجهات نظر العاصمتين حول الجهة الأولى، بالنظر في الملف الصحراوي كان واحدا من أوجه الخلاف الدائم بينهما، وظل أحيانا محرارا لقياس حدة التوتر بين الدولتين. ففيما علّق الجزائريون آمالا عريضة في أن يتوصل الافارقة للحسم في الخلاف، في الاتجاه الذي يحقق هدفهم بالطبع، وهو إقرار انفصال الصحراء عن المغرب، تحت أي صيغة كانت، ظلت الرباط تتمسك بفكرة أن الرأي الاستشاري للمنظمة الافريقية في القضية لم يعد ضروريا، أو ملزما بعد أن أحيلت أوراق النزاع بالكامل إلى المنتظم الأممي.
مستبعد جدا أن تقبل الرباط حضور مفاوضات مباشرة مع البوليساريو، بدون أن تحضرها الجزائر، ولو كمراقب
ومن المفارقات أنه وفي اليوم الذي صدر فيه ذلك البيان الأمريكي، كان وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم في زيارة رسمية لمدريد، استغلها لحث الإسبان، من خلال حديث أدلى به لصحيفة «الباييس» الإيبيرية على الانخراط أكثر في مسار تسوية النزاع في الصحراء، والإشارة وبوضوح إلى أنه «لا يمكن لإسبانيا أن تستمر في التستر خلف الأمم المتحدة» قبل أن يضيف: «أعلم أن الأمر معقد، لكن لا يمكننا ترك الوضع على حاله أربعين سنة اخرى» ويشدد بعدها على انه لا يمكن لإسبانيا أن تتحرر من مسؤوليتها التاريخية، وأن موقفها يجب أن يكون واضحا، ثم ينتقل لاحقا للحديث عن أن «الأمر مأساوي، لأن جميع الصحراويين لديهم جذور في إسبانيا، فلم التق كما قال الوزير الجزائري يوما بشخص لا تربطه علاقات بمن في ذلك الشباب. فالجميع يتقنون اللغة الإسبانية والأمر يتعلق بمسألة يجب أن نتناولها بشكل جدي. فهناك لوائح اتخذت بدون أن تتحسن الأمور، بل أدت فقط إلى الانسداد ونحن نعرف من وراءه». لكن ما الرابط بين الحدثين؟ وهل أن تصريح بوقادوم كان معاكسا بالفعل لمضمون دعوة بلينكن؟ ثم ما الذي كان مطلوبا من إسبانيا بنظر المسؤوليين الجزائريين فعله؟ وما الغرض من الإشارة إلى دورها التاريخي، ثم التلميح لدورها المستقبلي، من خلال الحديث عن الروابط اللغوية والثقافية التي تجمعها بالصحراويين؟ إن السياق العام للأمرين، أي للبيان الأمريكي والتصريح الجزائري، ليس مناقضا، أو مخالفا في العمق لبعضه بعضا. فجلوس الطرفين المتنازعين إلى طاولة الحوار، لن يتم بشكل عفوي، وبدون أن يقدم هذا الطرف أو ذاك بعض التنازلات، وبدون أن يمارس أيضا كل واحد منهما جهودا علنية، ومن وراء الستار لكسب الدعم لموقف على حساب الآخر. ولعل دعوة الوزير الجزائري السبت الماضي إلى «إجراء مفاوضات مباشرة وجدية» حول ملف الصحراء بين طرفي النزاع، وهما في نظره المغرب والبوليساريو، تؤكد جانبا من ذلك وتدل على قناعة الجزائريين بأن الإدارة الأمريكية لن تبقى مكتوفة الأيدي وستعمل على جمع الأطراف المعنية بالملف الصحراوي إلى طاولة الحوار. والمشكل بالنسبة للجزائريين هنا، أن الجانب المغربي لا يرغب بالدخول في مفاوضات مباشرة مع البوليساريو، رغم أن الأخيرة تراجعت عن موقفها المتشدد بعد العملية المغربية في معبر الكركرات والرافض لأي مسار تفاوضي، أو سياسي مع الرباط، وأكدت وعلى لسان أحد قادتها، وهو محمد سالم ولد السالك، قبل أكثر من شهرين إنها على استعداد لإجراء مفاوضات مباشرة مع المغرب. ولعل ما تفعله الجزائر هنا هو أنها تحاول حشد الدعم الإسباني والأوروبي لتلك الفكرة، حتى تفند أي اعتقاد بأنها طرف مباشر في النزاع. ومع انه سيكون مستبعدا جدا أن تقبل الرباط بحضور مفاوضات مباشرة مع البوليساريو، بدون أن تحضرها الجزائر، ولو كمراقب كما كان الأمر في جولات الطاولة المستديرة، التي نظمت سابقا في جنيف، إلا أن السؤال الأهم هو، هل سيكون ممكنا حينها إقناع الحاضرين بأي حل من الحلول؟ أم أن ذلك لن يحتاج حقا لعصا سحرية؟ ربما سيرتبط الأمر وبدرجة كبيرة بشكل التسوية التي ستعرض على الأطراف المتفاوضة، وبقدرتها على النظر لها من أكثر من زاوية واحدة، ورغبتها الحقيقية في الحل. لكن هل سيبقى الوصول لذلك معلقا بإرادتها فقط؟ أم بما ستقرره الإرادات الدولية بالأساس؟ هنا بالضبط مربط الفرس.