طرقت الحكومة الجزائرية باب اقتصاد المعرفة للخروج من كبوة النفط وزيادة الإيرادات، حيث تسعى السلطات للاستفادة من هذا القطاع خصوصا بعد تقديم بعض الحوافز والتسهيلات على غرار الإعفاء من الرسوم الضريبية غير أن المخاوف والشكوك استقبلت هذه الخطط نظرا لما اعتبره خبراء تناقضا يلف البرنامج مع المؤشرات الميدانية.
تراهن الحكومة الجزائرية على اقتصاد المعرفة والمؤسسات التكنولوجية الناشئة لتكون بديلا للريع النفطي خاصة في ظل تقلص إنتاجها من النفط والغاز وتذبذب أسعارهما في الأسواق الدولية، ووضعت في هذا الشأن عدة محفزات لتشجيع القطاع كان آخرها إعفاء صادراته من الرسوم واستلام عائداته كليا بالعملة الصعبة.
ويدخل اقتصاد المعرفة في صلب المخطط الاقتصادي للرئيس عبدالمجيد تبون في اطار ما أسماه بـ”النموذج الاقتصادي الجديد”، حيث تم استحداث حقائب وزارية وهيئات حكومية لتأطير وهيكلة القطاع بداية من تسهيل ومراجعة إطلاق المؤسسات الناشئة.
وذكر الرئيس تبون في آخر اجتماع لمجلس الوزراء، أين كان اقتصاد المعرفة أحد الملفات التي طرحت، بأن “تغيير نموذج التنمية يكون برؤية استشرافية وآليات ملموسة، مع اغتنام فرصة الإرادة القوية للدولة واستعداد جميع الفاعلين للانخراط في تحقيق تحول مجتمعي شامل”.
وقدم تبون الخطوط العريضة للنموذج الاقتصادي الجديد بشكل أثار مفارقة حول التوفيق بين تصورات الحكومة وبين واقع المنظومة التعليمية والجامعية التي تعتبر الخزان الأساسي للأفكار الخلاقة والابتكارات التي يعول عليها لتكوين مشروعات اقتصادية مبدعة وخالقة للثروة.
وهي المفارقة التي كانت زاوية انتقاد خبراء ومختصين في مجال التكنولوجيات الحديثة، حيث عبر الخبير الدولي يوسف بوشريم عن استغرابه مما أسماه بـ”خطاب خيالي لا يتوافق مع أساسيات الاقتصاد المعرفي على غرار تطوير وترقية المنظومة التعليمية والجامعية وتوفير المنصات القاعدية الضرورية لهكذا مشروع”.
وصرح بوشريم بأن “ما تروج له الحكومة لا يستقيم مع العديد من المؤشرات الميدانية التي تنم عن تناقض صريح بين السائد وبين الرغبة في تحقيق عالم الاقتصاد المعرفي، خاصة وأن البلاد لا تزال تتذيل تصنيف المجموعة الدولية في مجال تدفق الإنترنت، ولا تزال الحكومة تحظرها في العديد من المناسبات على غرار شهادة البكالوريا (الثانوية العامة) والاحتجاجات السياسية بدعوى محاربة الغش ومحاصرة الغضب السياسي”.
وتابع “في منظور الاقتصادات المتطورة وحتى العادية باتت الإنترنت تشكل عمودها الفقري، وتعمّد حظرها بين الفينة والأخرى لا يتوافق مع بناء اقتصاد معرفي، وأن البحث عن بدائل اقتصادية ناجعة لا يتم بمنظومات مصرفية واتصالية بدائية، فضلا عن غياب الملكية الفكرية وهيمنة القرصنة على مختلف القطاعات، وحتى مؤسسات سيادية تسير شبكاتها من الكمبيوترات بأنظمة ويندوز مقرصنة”.
وأضاف “تبني نسق اقتصادي متطور يرتكز على المعرفة والابتكار يتطلب جودة التعليم وفعاليته في قلب النظام التربوي، وتشجيع المواد العلمية والتقنية والتكنولوجية وتحديثها وتكييفها مع البيئة الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، وتطوير أقطاب امتياز بالشراكة مع المؤسسات الاقتصادية، وتعزيز البحث العلمي والتكنولوجي ودعم التعاون بين الجامعات ومراكز البحوث والمؤسسات الاقتصادية”.
لكن الرئيس تبون أكد أمام وزرائه على أن “الدولة عازمة على الانتقال إلى اقتصاد المعرفة بشكل مدروس، لذلك قمنا بتنصيب المجلس الوطني للبحث العلمي والتكنولوجيات كهيئة دستورية، وتم وضع نصوص قانونية كاستكمال إعداد القانون التوجيهي للتعليم العالي”.
ولفت إلى أن بلاده تمتلك قدرات حقيقية في مجال اقتصاد المعرفة إذ تم إحصاء أكثر من 1600 مخبر بحث موزعة على 109 مؤسسات جامعية ومركزين للإبداع و12 أرضية تقنية للتحاليل الفيزيائية والكيميائية يشرف عليها أكثر من 62 ألف أستاذ باحث و2200 باحث دائم.
وذكر بأننا “عملنا على بناء منشآت دعم لهذه التكنولوجيات بغية تكثيف شبكة الاتصالات الوطنية مع منح الأولوية لشبكة الألياف البصرية، وأن التنويع الاقتصادي وتغيير نموذج النمو أمر لا رجعة فيه، والمؤسسات الناشئة والصغيرة هي قاطرة التحول”.
المنظومة التعليمية والجامعية تعتبر الخزان الأساسي للأفكار الخلاقة والابتكارات التي يعول عليها الرئيس الجزائري لتكوين مشروعات اقتصادية مبدعة وخالقة للثروة
وأكد على أن إطلاق خدمات التصديق والتوقيع الإلكترونية هو أداة لتأمين المعاملات الإلكترونية وتحسين بيئة الاستثمار، ووضع بيئة مؤسساتية ملائمة، وعلى ضرورة مساهمة المؤسسة الوطنية في تمويل عمليات البحث والتطوير، وانخراط كل مؤسسات الدولة من الآن في مسعى التحول نحو اقتصاد المعرفة وتطوير آليات تقييم ومتابعة المكتسبات في هذا المجال فضلا عن التوجه لاقتناء منتجات المؤسسات الناشئة بدل التوجه للاستيراد.
وكان عرض الوزير المنتدب لدى الوزير الأول المكلف باقتصاد المعرفة قد تضمن خطة العمل 2020 – 2021 التي احتوت خطة تحقيق الانتقال إلى النموذج الاقتصادي الجديد والمتمثلة في تشجيع البحث والتطوير في القطاع الاقتصادي وتمويل الابتكار والـملكية الفكرية وتعزيز الاقتصاد الرقمي والتحول التكنولوجي، حيث سيتم تخفيف القيود الـمفروضة على التجارة الإلكترونية والدفع الإلكتروني، وتمويل المؤسسات الناشئة والشركات الناشطة في السحابة والذكاء الاصطناعي، ورقمنة إجراءات الإيداع على مستوى المعهد الوطني للملكية الصناعية، ووضع الإطار التنظيمي للمهن الرقمية من أجل إنشاء رواق أخضر مخصص لتصدير الخدمات الرقمية، وتشجيع توظيف اليد العاملة عالية التأهيل في الـمؤسسات.
وأكد الخبير الاقتصادي صافي عبدالقادر في تصريح للإذاعة الحكومية أن “المعرفة موجودة في الجزائر، ولكن يتوجب هيكلتها وتنظيمها وربطها بشبكات معلوماتية وتخزينها وإثراؤها حتى نصل في النهاية إلى إنتاج ثروة معرفية، وهو تحدّ يؤرق خطة الحكومة لأن الثروة المعرفية غير ملموسة، وبالتالي فإن نقلها واستنساخها وإعادة إنتاجها مرة أخرى لإيجاد بيئة تسمح لهذه الإمكانيات بالبروز تتطلب هيكلة ونظرة استشرافية”.
وأكد المتحدث على “الدور المهم الذي تلعبه الدولة في بناء اقتصاد معرفة قائم على المنافسة ووجود قطاع خاص قوي، وإعادة تنظيم القطاع العام والقضاء على البيروقراطية الإدارية في أقرب الآجال، لأن الوقت لا يخدمنا فالسرعة سمة التحولات الاقتصادية اليوم”.