لماذا تخشى الدول الأوروبية استعادة جهادييها؟

مجدي فاطمة الزهراء

رغم حملهم لجنسياتها ما يزال ملف استعادة الجهاديين الأجانب يقسم دول الاتحاد الأوروبي، ما يثير تساؤلات بشأن الدواعي التي تمنع استعادتهم.

وحتى الآن تبنت الحكومات الأوروبية سياسات وطنية مختلفة، لكنها تتشارك عمومًا في التردد في ما يتعلق بإعادة مواطنيها إلى وطنهم، مع استثناءاتٍ قليلة جدا.

ويؤكد توما رينار وريك كولسايت الخبيران البلجيكيان بشؤون المتشددين بمعهد “إيغمونت” في بروكسل، أن أكثر من 600 طفل من أبناء متشددين أوروبيين محتجزون حاليا في مخيمَين يخضعان لسيطرة الأكراد شمال شرقي سوريا.

وإذا ما أضيف هؤلاء الأطفال إلى حوالي 400 بالغ بينهم متشددون معتقلون في مدينة الحسكة السورية، يصبح هناك في المجموع حوالي 1000 أوروبي محتجزين بين سوريا والعراق. ويتصدر الفرنسيون قائمة هؤلاء المحتجزين الأوروبيين ويليهم من حيث العدد الألمان ثم الهولنديون ثم السويديون ثم البلجيكيون.

وتحدثت دراسة أعدتها كل من جانين دي روي ودايمون وديفيد من جامعة تشيلسي عن مسيرة المقاتلين الأجانب. وتقول الدراسة إن من نجا منهم من رحلته الأولى سيتجه إلى “جمع مصادره وتطوير قدراته لنقلها إلى معارك أخرى”.

وأشارت إلى كيفية تنقل هؤلاء ليس من معارك إلى معارك، بل من جماعة إلى أخرى قريبة إيديولوجيا بالقول “وبينما بنى الجيل الأول منهم شبكات علاقاته داخل معسكرات التدريب، لجأ الجيل الجديد منهم إلى فكرة الحفاظ على الحركة الجهادية العالمية”.

رفض عودة عناصر تنظيم داعش وعائلاتهم إلى أوروبا موقف مدفوع بمخاوف أمنية ومخاطر سياسية

وتثير إعادة الجهاديين البالغين قلق الدول الأوروبية حول مدى إدانتهم وخطورتهم، حيث تم تحديد إعادة المقاتلين الأجانب على أساس كل حالة على حدة، وإعطاء الأولوية للأطفال المرضى والأيتام الذين يمكن إعادتهم إلى وطنهم دون آبائهم، إلا أن هاته المقاربة متعثرة ويصفها منتقدوها بالمماطلة التي تؤجل المشكلة ولا تعجل بحلّها.

ولم تحسم دول أوروبا بعد موقفها من عودة المقاتلين الأجانب وعائلاتهم رغم الضغوط الدولية، فهي ما زالت تتحجج بأنها تحتاج إلى الحصول على البيانات والفحوصات الجنائية، لكن يبدو أنها اتخذت موقفا سياسيا برفض عودة عناصر داعش وعائلاتهم، ولم تستعد إلا عددا قليلا من النساء والأطفال.

ومنذ الهجمات الإرهابية في أوروبا سنتي 2015 و2016 والتي شملت بعض العائدين، أصبح المقاتلون الأجانب الأوروبيون أشخاصا غير مرغوب فيهم. فمن أجل تجنب إعادة مواطنيها المسجونين نظرت الحكومات الأوروبية في العديد من الخيارات بما في ذلك برامج الترحيل والمحاكم الدولية أو غيرها من آليات الاختصاص المحددة ما عدا الإعادة إلى الوطن.

ولكن هذه الخيارات تواجه عدة تحديات منها أنه من المستحيل التنبؤ بما سيحدث للمخيمات والسجون الكردية ولسكانها، حيث أن المئات من المقاتلين الأوروبيين الذين تم القبض عليهم أو استسلموا خلال الحملات ضد تنظيم داعش، معظمهم موجودون في السجون التي يديرها الأكراد في شمال سوريا ويوجد آخرون في السجون العراقية.

ويجمع مراقبون على عدم وجود إرادة صادقة لاستعادة الجهاديين الأجانب، ويميزون في ذلك بين أربعة أسباب رئيسية لمثل هذا التقاعس ألا وهي القضايا القانونية، المخاطر السياسية المحلية، التكاليف الاقتصادية والمخاوف الأمنية.

وقانونيا يمكن أن تشكل محاكمة الجهاديين العائدين في الداخل تحديا كبيرا، فليس لدى جميع الدول الأوروبية أدوات قانونية مناسبة للتعامل بنجاح مع الإجراءات الجنائية ضد هؤلاء الأفراد. ففي عددٍ قليل من البلدان على سبيل المثال لا يعتبر القتال في دولة أجنبية في حد ذاته جريمة.

وعلاوة على ذلك فإن جمع الأدلة ذات الصلة في سوريا والعراق ليس بالأمر السهل، كذلك فإن الأدلة في ساحة المعركة في مناطق القتال قد لا تعتبر دائمًا مقبولة في الإجراءات القضائية.

وأما المخاطر السياسية المحلية فهي ليست أقل أهمية. ففي العديد من الدول الأوروبية لا تحظى فكرة استعادة الأشخاص الذين يحتمل أن يكونوا خطرين، لاسيما البالغين الذين غادروا بلادهم طوعًا على عكس الأطفال للانضمام إلى الجماعات الجهادية المسلحة في الخارج بشعبيةٍ كبيرة. وتفضل الحكومات أو على الأقل بعض أحزاب الأغلبية تجنب اللوم المحتمل.

إعادة الجهاديين البالغين تثير قلق الدول الأوروبية حول مدى إدانتهم وخطورتهم، حيث تم تحديد إعادة المقاتلين الأجانب على أساس كل حالة على حدة، وإعطاء الأولوية للأطفال المرضى والأيتام

وعلاوة على ذلك وبشكل عام، من الصعب إلقاء اللوم على صناع القرار لعدم القيام بشيء ما بدلا من فعله. ولعل أبلغ حالة في هذا الصدد جاءت من النرويج.

ففي يناير 2020 خسرت رئيسة الوزراء في أوسلو أغلبيتها البرلمانية عندما سحب حزب التقدم اليميني وزراءه لمعارضته استعادة سيدة يشتبه في انتمائها إلى داعش مع طفليها من سوريا لأسبابٍ إنسانية (احتاج طفل واحد إلى علاج طبي).

كما أن تحمل مسؤولية هؤلاء الأفراد قد يتطلب استثمارات اقتصادية كبيرة على الأقل بالنسبة إلى الدول التي لا تزال لديها أعداد كبيرة نسبيًا من المواطنين في سوريا والعراق، مثل فرنسا (من 150 إلى 200 شخص بالغ و200 إلى 250 طفلاً).

وقد لا تكون تكاليف النقل والمحاكمات والمراقبة ومبادرات إعادة تأهيل المتطرفين وإعادة الإدماج المحتملة وغيرها من النفقات هينة، بل والأهم من ذلك أن هذه التكاليف قد تعتبر غير مستدامة عندما تقترن بالأعمال العدائية السياسية.

ويقول دبلوماسيون “علينا أن ننظر في خطر إعادة الأشخاص المحتمل أن يكونوا خطرين، خاصة إذا كان العائدون لا يزالون يتمسكون بالأيديولوجيا الجهادية، ولا يزالون مهتمين باستخدام العنف أو على الأقل الترويج له لتحقيق أهدافهم المتطرفة”.

وترك تنظيم داعش خلفه ضحايا من نوع آخر هم الأطفال الذين حاول تجنيدهم في خدمة أهدافه، وأصبح السؤال الآن حول كيفية إعادة دمجهم من جديد في المجتمعات التي ينتمون إليها. ولا يستبعد مراقبون ظهور جيل جديد بأفكار أكثر تطرفا يسير على نهج آبائه إذا لم يتم إعداد برامج لإعادة تأهيله، لاسيما وقد عاش هؤلاء الأطفال فترة كبيرة من الزمن في ظل دولة داعش التي نسجت لهم حلم قيام دولة الخلافة المزعومة ولقنتهم أفكارا متطرفة لإقناعهم بالقيام بعمليات انتحارية في أوروبا.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: