وباء كورونا يجوّع الحمام في ساحات ألمانيا
أثّر الوباء الذي انتشر في العالم على الإنسان والحيوان، فالحمام الذي يعيش في الساحات في المدن البريطانية يقتات من فتات الطعام الذي يسقط من المارة الذين ألزمهم الحجر ببيوتهم، خاصة وأن القانون يمنع إطعام هذه الطيور من قبل عامة الناس حتى أصبحت تتضور جوعا.
تحلّق طيور الحمام فوق كلاوديا شنايدر، وتهبط الواحدة تلو الأخرى بالقرب منها ثم تنتظر، وهي تركز نظراتها على الأرض في ترقب، بينما تفتح شنايدر حقيبة مليئة بالطعام، وتنثر أول حفنة من الحبوب فوق الثلوج، وسرعان ما تدخل الطيور ذات اللون الرمادي في سباق محموم لتناول الغذاء.
تقول كلوديا روب وهي عضو رابطة محلية للرفق بالحيوان ومتخصصة في رعاية الحمام والحيوانات البرية بمدينة نورمبرغ جنوبي ألمانيا، “عندما تتكالب الطيور بسرعة شديدة على الطعام، تظهر للجميع مدى ما بها من جوع”.
وتتفحص روب حشد الطيور، وتقدّر أن عددها يصل إلى المئة، وأثناء الإغلاق الأول في ألمانيا كان عدد الحمام بالمدينة يبلغ ثلاثة أمثال هذا العدد.
وتضيف روب التي يزعجها هذا التناقص المستمر لعدد الحمام في مدينتها، “يمكن القول بأن عدد الحمام آخذ في التقلص”.
وكانت لتداعيات الجائحة والشتاء شديد البرودة تأثيرات قاسية على الحمام الذي يعيش في نورمبرغ، وأدى الإغلاق الكاسح بسبب كورونا إلى إصابة الحياة العامة في هذه المدينة، وفي ألمانيا بشكل عام، بالشلل لعدة أشهر.
وتم السماح لشنايدر وتسعة من المتطوعين الآخرين بإطعام الحمام في ستة مواقع مختلفة بنورمبرغ مرة واحدة يوميا.
ويحظر بشكل عام إطعام الحمام في هذه المدينة الألمانية، غير أن هذه المدينة أصدرت استثناء لمدة ثلاثة أشهر، تسمح خلاله للمتطوعين وحدهم بإطعام هذه الطيور، وذلك وفقا لما أكدته مسؤولة البيئة، بريتا فالتهيلم.
وتوضح فالتهيلم، “حيث إن جميع المتاجر والمطاعم أغلقت أبوابها بسبب الحجر الصحي حاليا، والذي أدى إلى تقليص أعداد المارة في وسط المدينة، لم تعد أسراب الحمام تجد ما تأكله إلا النذر القليل”.
وحذرت المنظمة الألمانية لحماية الحيوان من أن المراكز التجارية في وسط المدن التي صارت خالية من الناس، يمكن أن تشكل تهديدا للحمام، وعادة ما تتناول مجموعات كثيرة من هذه الطيور بقايا النقانق والبطاطس المقلية والشطائر التي تقع على الأرض من الزبائن، أو بقايا الأطعمة التي لم يكمل الألمان التهامها أثناء عملية التسوق وفي الساحات العامة.
وبعد أن أصبحت مراكز التسوق شاغرة، طلبت المنظمة من المجالس المحلية السماح بإطعام مجموعات الحمام بأغذية مناسبة. وفي هذا الصدد، تقول ليا شميتز، المتحدثة باسم المنظمة، “ليست الفكرة في أن الأفراد يخرجون إلى الشوارع وينثرون قطع الخبز في كل مكان”.
وتشير المنظمة إلى أن بعض المدن، مثل نورمبرغ، تمثل نموذجا إيجابيا، مضيفة “غير أن معظم المدن في ألمانيا تلتزم بحظر إطعام الحمام”.
إطعام الحمام يحظر في نورمبرغ غير أن المدينة أصدرت استثناء لفترة يسمح للمتطوعين وحدهم بإطعام هذه الطيور
وفي مدينة كولونيا بغرب ألمانيا، يقوم المتطوعون حاليا بإطعام الحمام في مواقع معينة بوسط المدينة، ويقول يورغن مولنبرغ، “حيث أن الحمام لا يمكنه العثور على ما يكفيه من فضلات الطعام، فأصبح معرضا للهزال بشكل متزايد، ويعني استمرار الإغلاق تعرضه للتضور جوعا ببطء ويعتمد ذلك على طول الفترة”.
ويضيف مولنبرغ الذي يعمل بمجلس المدينة، إن هذا الحال لا يتوافق مع قانون الرفق بالحيوان.
كما طبقت مدينة كييل التي تقع في الشمال استثناء مرتبطا بفترة دوام الإغلاق. وجاء في بيان لمكتب النظام العام أن الاستثناء نتج عن “الحالة الصحية المتفاقمة للحمام بمدينة كييل، حيث تجد الطيور صعوبة في العثور على أي طعام في الشوارع والميادين، بسبب توقف الحياة العامة”.
وحتى لا تتسبب الأطعمة المقدمة للحمام في جذب الفئران، يقوم المتطوعون بإزالة البقايا جيدا بعد أن يفرغ الحمام من تناول غذائه.
ويعد وجود مجموعات الحمام في المدن مسألة مثيرة للجدل في ألمانيا، فبينما يصفها البعض بأنها فئران طائرة ويستهجن انتشارها، يشعر آخرون بالعطف تجاهها، معتبرين أنها تنحدر من مجموعات هربت من الحظائر التي كانت تعيش فيها.
ورغم أن الكثير من المدن الألمانية تحظر رسميا إطعام الحمام، من الشائع أن يلقي الأفراد إليها ببعض الأطعمة هنا وهناك مثلما يحدث في مدينة ميونخ.
يقول متحدث باسم إدارة الصحة في المدينة، “عادة ما يتم نثر الطعام وسط الظلام وبطريقة خفية”.
بل تم توجيه الاتهام لامرأة في مدينة فورزبرغ، جنوبا، بسبب ما تردد عن أنها “قدمت الطعام مرارا، وعن عمد” للحمام رغم الحظر في هذا الشأن.
وتدافع روب بشدة عن الحمام ضد مقارنته بالفئران، قائلة، “طيور الحمام ليست من الآفات الضارة، بل هي من الحيوانات البرية الأليفة، وقدرتها على التكاثر بسرعة هي خاصية أدخلها البشر الذين يقومون بتربيتها”. وتضيف روب، إنه بالتالي تصبح مسؤولية البشر أو المجالس المحلية رعاية هذه الطيور.
وتدعو منظمة حماية الحيوان إلى إقامة أبراج للحمام يتم الإشراف عليها، كمأوى يتم تقديم الغذاء للحمام فيه، ويتم فيه استبدال بيضه بنماذج مقلدة له بهدف الحد من تكاثره.
وتوجد مثل هذه الأماكن لإيواء الحمام في كل من ميونخ وفورزبرغ، على سبيل المثال، مما يفسر جزئيا استمرار حظر إطعامه في كل من المدينتين برغم حالة الإغلاق.
يذكر أن اللاجئين السوريين من عشاق “كش الحمام” أخذوا معهم هذه الهواية إلى ألمانيا، وذكرت وسائل الإعلام الألمانية أن الشرطة المحلية تتبعت أحد اللاجئين القادمين من حماة بعد أن لوحظ أنه كان ينزل إلى الحدائق والساحات العامة يرش القمح والحبيبات للحمام، وعندما يقترب الطير منه، كان يأخذه ويذهب به إلى بيته.
وداهمت الشرطة منزله، وتفاجأت بالمكان الذي كان مخصصًا من قبل الشاب للحمامات، بحرة، وزينة، ومن تنظيف واعتناء كامل، وهنا اعتبرت الشرطة الشاب صديقًا للبيئة، وعيّن مشرفًا في إحدى حدائق برلين.