راهنت الحكومة المغربية على تفعيل برنامج الحماية الاجتماعية لاستيعاب القطاع غير المهيكل بما يتيح إيرادات للدولة ويوفر صمام أمان اجتماعي للطبقة العاملة، حيث تستهدف الخطة توفير التغطية الصحية والاجتماعية ومكافحة كل أشكال التوظيف الهش التي تسببت في الكثير من حوادث الشغل الفظيعة.
وجهت السلطات المغربية أنظارها نحو تفعيل برامج الحماية الاجتماعية بهدف إدماج القطاع غير الرسمي في منظومة الاقتصاد بما يوفر إيرادات للدولة من خلال الرسوم الضريبية وتوفير تغطية اجتماعية لحماية الطبقات العاملة في هذا القطاع الهش للحد من حوادث الشغل والاستغلال الاقتصادي والتهرب الضريبي.
وتندرج هذه المبادرة في إطار برنامج حدده العاهل المغربي الملك محمد السادس بخمس سنوات لإدماج القطاع غير المهيكل في النسيج الاقتصادي المحلي، بما يوفر حماية للطبقة العاملة ويضمن حقوقها فضلا عن تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية.
وأكد محمد بنشعبون وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة على أهمية مشروع القانون المتعلق بالحماية الاجتماعية في انتظار مصادقة البرلمان عليه، لافتا إلى أن إقراره سيمكن من إطلاق مختلف الإصلاحات الضرورية، وعلى رأسها إصلاح المنظومة الصحية وإصلاح نظام المقاصة (الدفع والتداول) وتفعيل السجل الاجتماعي الموحد.
وسجل بنشعبون خلال جلسة مدارسة مشروع القانون والتصويت عليه بمجلس المستشارين أن “تعميم الحماية الاجتماعية سيكلف حوالي 5.6 مليار دولار سنويا، وسيؤسس لإصلاح مجتمعي سيشكل نقطة تحول مفصلية في مسار الإصلاح الشامل لنظام الحماية الاجتماعية في المغرب، بما يمكن من التقليص من الفقر ومحاربة الهشاشة ودعم القدرة الشرائية للأسر”.
وتأتي هذه التحركات بعد حادث شغل فظيع هز محافظة طنجة بعد غرق ما يقارب 28 ضحية في 8 فبراير الماضي بينما كانوا يشتغلون بمصنع غير قانوني للنسيج، وأثارت الحادثة جدلا حقوقيا واقتصاديا واسعا بخصوص واقع تواجد الوحدات الإنتاجية العاملة في السرية بالمدن الكبرى.
وتعالت حينها الأصوات المنادية بضرورة وضع حد لهذه التجاوزات التي تنتعش في ظل استغلال شركات تعمل خارج إطار القانون حالات الفقر لتشغيل الناس في ظروف متردية والتهرب من دفع ضرائب للدولة.
وأكد إدريس الفينة، أستاذ بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي في الرباط، أن “المغرب يخطو خطوة هامة نحو مصاف الدول التي تبحث عن رفع مستوى الرفاه الاجتماعي لكل المواطنين، بتعميم التغطية الاجتماعية لتشمل كل فئات المجتمع دون استثناء بما فيها الفئات الهشة والفقيرة والفئات ذات المداخيل غير المستقرة أو الفئات المشتغلة بالقطاع غير المهيكل”.
ولفت إدريس الفينة إلى أن “مشروع التغطية الاجتماعية استثمار مجتمعي بمردودية أكيدة على المدى البعيد، كما يشكل هذا المشروع خطوة عملية في إطار تفعيل النموذج التنموي الجديد الذي يهدف إلى إعادة توزيع الثروة بين فئات المجتمع ومجاليًّا”.
وأشار الوزير محمد بنشعبون إلى “أن المشروع موجه بالأساس لحماية الفئات الفقيرة والهشة والأسر ذات الدخل المحدود، ضد مخاطر الطفولة والمرض والشيخوخة وفقدان الوظائف”.
وأوضح وزير الاقتصاد والمالية أن هناك 14 مليون مغربي موظف أو أجير في القطاع المهيكل يستفيد من التغطية. وهو ما يتطلب برمجة لتعميم التغطية الاجتماعية لتشمل 22 مليون مستفيد، ستشمل تكاليف العلاج والعمليات الجراحية والأدوية.
وسيستفيد 11 مليونا من المهنيين والتجار والمزارعين والصناع التقليديين وأصحاب المهن الحرة من التأمين الإجباري الأساسي على المرض بنفس الخدمات وسلة العلاجات التي يستفيد منها الأجراء في القطاع الخاص حاليا.
وبحلول عام 2023 سينطلق تعميم التعويضات العائلية المرتبطة بالأطفال دون سن الـ21 والتعويضات الجزافية للذين دون أطفال، وذلك مع إطلاق عدد من الإصلاحات التي تمهد للأمر من خلال توفير الميزانية اللازمة التي ستتطلب بدورها فتح ورش موازية لإصلاح أنظمة صندوق المقاصة.
كما ستعمل الحكومة على توسيع الانخراط في أنظمة التقاعد لكل المغاربة ذوي الأنشطة في القطاع الخاص في عام 2025 والبالغ عددهم 5 ملايين مغربي، كما سيتم التعويض عن فقدان الشغل ليشمل كل شخص له شغل قار من خلال تبسيط شروط الاستفادة من هذا التعويض وتوسيع الاستفادة منه.
وفي تفصيل التكلفة المالية فإن 1.5 مليار دولار ستخصص للتغطية الصحية، ونحو 2.2 مليار دولار للتعويضات العائلية التي ستهم 7 ملايين طفل و3 ملايين أسرة، بينما سيخصص مبلغ 1.7 مليار دولار لتوسيع قاعدة المنخرطين في نظام التقاعد، وحوالي 111 مليون دولار للتعويض عن فقدان فرص العمل.
وستمتد إجراءات تنفيذ المشروع على مدى خمس سنوات في إطار ثلاث مراحل وسيتم تمويله عبر موارد مالية متعددة المصدر بما فيها المشاركات والمساهمات التضامنية وموارد إصلاح صندوق المقاصة والميزانية العامة.
وفيما يخص آليات التمويل نص مشروع القانون – الإطار على آلية قائمة على الاشتراك بالنسبة للأشخاص القادرين على المساهمة في تمويل هذه الحماية الاجتماعية، وعلى آلية أخرى قائمة على التضامن لفائدة الأشخاص غير القادرين على تحمل واجبات الاشتراك.
وأكد إدريس الفينة أن “هذا المشروع لن يرفع الكلفة الاقتصادية المجتمعية ويثقل الميزانية العامة”، موضحا أن المشروع الذي يعتبر استثمارا في الرأسمال البشري كالتعليم سوف يرفع المردودية والإنتاجية ويخلق استقرارا نفسيا وسوف يساهم في تطوير اقتصاد الصحة والمدخرات المؤسساتية”.
ويعتمد تمويل هذا الإصلاح على آليتين، تهم الأولى الاشتراك (3.1 مليار دولار) بالنسبة إلى الأشخاص الذين تتوفر لديهم القدرة على المساهمة في تمويل التغطية الاجتماعية، فيما تقوم الثانية على التضامن (2.5 مليار دولار) بالنسبة إلى الأشخاص الذين لا تتوفر لديهم القدرة على المساهمة في التمويل.
وأوضح محمد بنشعبون أن الدولة ستأخذ على عاتقها دفع المستحقات للحفاظ على نظام الحكامة، انطلاقا من دفع 6.3 في المئة من المساهمة التي تقدم للصندوق على أساس الحد الأدنى للأجور، عن كل الأشخاص الذين لا تتوفر لهم القدرة على المساهمة، خاصة المستفيدين من راميد (نظام المساعدة الطبية).
كما سيتم توفير الموارد المالية لآلية التضامن من المخصصات المالية من ميزانية الدولة والعائدات الضريبية المخصصة لتمويل الحماية الاجتماعية والموارد المتأتية من إصلاح نظام المقاصة والهبات والوصايا، وسيتم ضبط كل هذه الموارد في حساب مرصد لأمور خصوصية محدث لهذا الغرض.