أثار القرار الجزائري القاضي بطرد مزارعين مغاربة من منطقة العرجة على الحدود مع المغرب موجة استياء وغضب مغربي، حيث وصف رئيس الحكومة سعدالدين العثماني الخطوة بالعمل غير المقبول والتصرّف المدان، فيما عبّرت أوساط سياسية وحقوقية مغربية عن غضبها واستيائها من هذا القرار.
أدان رئيس الحكومة المغربية سعدالدين العثماني ترحيل المزارعين المغاربة من منطقة “العرجة أولاد سليمان” بفكيك شرق المغرب، دون أن يذكر السلطات الجزائرية التي بعثت بقوات من الجيش لإرغام هؤلاء المزارعين على مغادرة المنطقة الحدودية.
وأثارت الخطوة الجزائرية استياء وغضب أوساط سياسية وحقوقية مغربية رأت فيها استفزازا للمملكة، خاصة أن المنطقة التي طُرد منها المزارعون المغاربة يستغلها هؤلاء منذ ستينات القرن الماضي.
وبررت الجزائر اتخاذ هذه الخطوة بأن المنطقة تابعة للتراب الجزائري.
واعتبر رئيس الحكومة المغربية سعدالدين العثماني خلال عرض سياسي قدمه في الجلسة الافتتاحية للدورة الاستثنائية لبرلمان “العدالة والتنمية” في العاصمة الرباط، أن الخطوة التي أقدمت عليها السلطات الجزائرية والتي لم يسمها، “عمل غير مقبول ومدان”، مضيفا أنه “لدينا الثقة في أن السلطات المغربية المعنية، والمتابعة للموضوع، ستعمل بحزم وحكمة على إيجاد حل ناجع له”.
خالد السموني: الجزائر أرادت جر المغرب إلى حرب حدودية بهذا القرار
ويرى مراقبون أن الجزائر حاولت استعمال سكان فكيك ومزارعي منطقة العرجة، كورقة ضغط سياسية ضد الرباط للعديد من الأسباب، في مقدمتها التغطية على إخفاقاتها في ما يخص ملف الصحراء المغربية بعد النجاحات الدبلوماسية التي حققتها الرباط، علاوة على صرف الأنظار عن العديد من الملفات الداخلية التي تؤرق النظام الجزائري.
وتشير الاتفاقية التي وقعت سنة 1972 بين المغرب والجزائر لترسيم الحدود في المنطقة، إلى “الوادي المجهول” باعتباره الحاجز الطبيعي بين حدود البلدين، ويلف اللبس خط الحدود القائمة بين المغرب والجزائر ضمن المعاهدة، لأنها لا توضح بالاسم وضع منطقة “العرجة” عكس مناطق حدودية أخرى جرى ذكرها في الاتفاقية.
واعتبر خالد السموني مدير الرباط للدراسات السياسية والاستراتيجية أن “الجزائر بتصرفها الأحادي المتعسف في قراءة المعاهدة، قد خرقت قواعد القانون الدولي، حيث لا يمكن طرد المزارعين المغاربة الذين يستغلون تلك الأراضي منذ ما يقارب ثمانين عاما بشكل تعسفي وظالم”، مشيرا إلى أن حل هذا الموضوع الإشكالي يتطلب المرور عبر الطرق الدبلوماسية دون المس بحقوق المزارعين.
وأردف السموني أن “ما حصل جريمة ضد الإنسانية وفق اتفاقية روما وكذا انتهاك جسيم لحقوق الإنسان، وفي هذه الحالة لا يمكن الركون لاتفاقية حدود، وكان على السلطات الجزائرية لو كانت تحتكم للمنطق القانوني أن ترفع رسالة للحكومة المغربية ويتم تكوين لجنة ثنائية بين البلدين لحل هذا الإشكال دون تضييع حقوق مواطنين مغاربة”.
وأضاف أن “القرار أرادت من خلاله الجزائر جر المغرب إلى مستنقع حرب حدودية، بعدما خسرت في الكركرات عندما دفعت بالبوليساريو إلى قطع المعبر الفاصل بين المغرب وموريتانيا، وأيضا تريد تصريف أزماتها الداخلية والتغطية على فشلها في الوقت الذي نجح فيه المغرب في ملف الصحراء”.
وتتالت داخل المغرب ردود الفعل التي تعبر عن استياء من الخطوة التي اتخذتها الجزائر بطرد المزارعين المغاربة من منطقة “العرجة أولاد سليمان”، لاسيما في ظل وجود اتفاقية لا توضح تبعية المنطقة للجزائر أو للمغرب.
وأعلن حزب العدالة والتنمية الحاكم في المغرب رفضه “التحرشات” التي تعرفها المنطقة الحدودية فكيك من طرف الجزائر، معلنا التعبئة الشاملة وراء العاهل المغربي الملك محمد السادس للدفاع عن وحدة المغرب الترابية في دائرة حدوده.
اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال دعت إلى التصدي بكل حزم لأي تحرشات من شأنها المساس بالوحدة الترابية للمملكة المغربية
وأكد حزب الاتحاد الاشتراكي المغربي أن “الاتفاقية المبرمة بين السلطتين المغربية والجزائرية لا ندري على أي اتفاقية تستند، علما أن اتفاقية 1972 إن كانت هي المعتمدة في أصلها غير واضحة المعالم الحدودية بتاتا”.
ودعت اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال إلى “التصدي بكل حزم لأي تحرشات من شأنها المساس بالوحدة الترابية للمملكة المغربية، وإعمال الحكمة في نفس الوقت في تدبير ومعالجة بعض المعطيات على الأرض ذات التداعيات المحصورة جدا”.
واستنكرت اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال بـ”شدة الأعمال الاستفزازية التي قامت بها السلطات الجزائرية على الحدود مع المغرب قرب إقليم فجيج”، في إشارة إلى القرار المغربي الذي يقضي بمنع الفلاحين المغاربة من الولوج إلى الأراضي الفلاحية التي يستغلونها شمال وادي العرجة ابتداء من تاريخ 18 مارس الجاري.
واعتبر الحزب أن “هذا القرار الاستعدائي يترجم بوضوح حجم الانكسارات وواقع عدم اليقين والهشاشة السياسية التي تعتري حكام الجزائر في الوقت الحالي، وهو من القرارات غير الأخلاقية التي تأتي في كل مرة كرد فعل على الانتصارات التي يحققها المغرب في ما يتعلق بتوطيد الوحدة الترابية لبلادنا”.
واحتج المزارعون في إقليم فكيك بشرق المغرب على القرار الجزائري، مشددين على أنهم يملكون وثائق تعود إلى ما قبل ترسيم تؤكد أن منطقة العرجة مغربية وليست جزائرية، وأشاروا إلى وثيقة كتبت سنة 1939 إبان الاستعمار الفرنسي، جاء فيها أن الضيعات المعنية “تابعة للدولة المغربية”.