رغم ترحيب قطاع عريض من الطبقة الحزبية في الجزائر بالانتخابات التشريعية المبكرة المقررة في شهر يونيو القادم، إلا أن المسار لا يتجه إلى تحقيق الإجماع لدى الفاعلين في المشهد المحلي، قياسا ببروز مؤشرات مقاطعة بدأت تتكرس بإعلان حزب العمال المعارض عدم مشاركته في الاستحقاق المذكور.
أعلن حزب العمال اليساري المعارض في الجزائر عدم مشاركته في الانتخابات التشريعية المبكرة المقرر لها في الـ12 من يونيو، وبرر موقفه بعدم توفر الشروط الضرورية لإجراء انتخابات شفافة ونزيهة قادرة على إفراز مؤسسات تتمتع بالشرعية، والاستجابة للمطالب الأساسية المرفوعة في الشارع الجزائري منذ أكثر من عامين.
وذكرت رئيسة الحزب لويزة حنون في ندوة صحافية بأن “قرار اللجنة المركزية للحزب بعدم المشاركة في هذا الاستحقاق الانتخابي يستجيب لاعتبارات استراتيجية وليست تكتيكية”، في تلميح إلى عدم تجاوب الاستحقاق مع حقيقة التغيير التي تدخل في صلب الفعل الانتخابي.
وشككت المتحدثة في قدرة السلطة على تنظيم انتخابات شفافة ونزيهة تعبر عن الإرادة الحقيقية للشارع الجزائري، وقدرة المؤسسات الجديدة على ترجمة مطلب التغيير السياسي في البلاد، وعبرت عن ذلك بالقول “الانتخابات التشريعية المقبلة موعد للقضاء على التعددية الحزبية ونتائجها محسومة سلفا”.
ويبدو أن لويزة حنون غير مطمئنة للمسار الانتخابي الذي رسمته السلطة، ولا للمناخ السائد، بما في ذلك قانون الانتخابات الجديد الذي جاء حسب السلطة من أجل “قطع الطريق على المال الفاسد وتحقيق التغيير السياسي في البلاد”.
وأرسلت المتحدثة رسائل مبطنة حول تمهيد السلطة لرسكلة نفسها داخل مؤسسة البرلمان، من خلال إطلاق العنان لتنظيم “نداء الوطن”، الذي يرجح أن يكون الذراع السياسية لها في الانتخابات المذكورة، حيث لم تستبعد العديد من الأوساط الحزبية تحويله من تكتل مدني إلى قوة سياسية تحظى بدعم وتأييد الإدارة والأسلاك الرسمية، ليتكرر بذلك سيناريو 1996، لما أطلقت حينها السلطة حزب التجمع الوطني الديمقراطي، واستحوذ على الانتخابات التشريعية في العام الموالي، بواسطة التزوير والتلاعب بإرادة الناخبين، بشهادة قوى سياسية فاعلة كجبهة التحرير الوطني.
وذكرت رئيسة حزب العمال بأن “الانتخابات النيابية المقبلة لن تكون بداية لتفكيك النظام البالي الموروث من نموذج الحزب الواحد، والذي ثارت وانتفضت ضده غالبية الشعب، بل على العكس، هذه الانتخابات جزء من عملية انتخابية فُرضت في اليوم التالي لاستقالة عبدالعزيز بوتفليقة لإنقاذ النظام وفرض بقائه”.
وانتقدت المتحدثة قانون الانتخابات الجديد ووصفته بـ”الخطير”، لأن “الدستور الجديد يورط البرلمان في قرارات خطيرة كمشاركة الجيش في عمليات عسكرية خارج الحدود تحت مظلات مختلفة، وأن الاستحقاق المنتظر لن يحل المشاكل الاقتصادية ولن يخفف معاناة الشعب ولن يعزز الديمقراطية، ولن يصحح سياسات الحكومة”.
وتعد هذه الانتخابات الأولى من نوعها التي قاطعها حزب العمال اليساري، منذ نشأته في مطلع تسعينات القرن الماضي، الأمر الذي شكل مفاجأة للسلطة وللرأي العام، لأن الحزب الذي تقوده حنون منذ تأسيسه إلى الآن، لم يتخلف عن أي من الاستحقاقات التشريعية، كما شاركت رئيسته في ثلاثة استحقاقات رئاسية بما فيها تلك التي نافست فيها الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، وكانت تدرك مسبقا نتائجها.
ولا يستبعد متابعون للشأن الجزائري أن تنضم قوى سياسية أخرى إلى جبهة المقاطعة خلال الأيام القليلة القادمة، وفي مقدمتها القوى المنضوية تحت لواء تكتل “البديل الديمقراطي” الحامل لمواقف راديكالية تجاه السلطة، والداعم للحراك الشعبي المستمر في البلاد.
وباستثناء استقبال قيادة حزب جبهة القوى الاشتراكية من طرف الرئيس عبدالمجيد تبون، في إطار سلسلة المشاورات السياسية التي باشرها مع الطبقة السياسية، فإنه لم تسجل إلى غاية الآن أي دعوة من طرف الرئاسة لأحزاب المعارضة، الأمر الذي يزيد في تعميق الفجوة بين السلطة والمعارضة ويغيب الإجماع على الاستحقاق الانتخابي.
ولا يزال حزب العمال اليساري يحتفظ بمسافة بينه وبين الحراك الشعبي، لاعتقاد لديه باختراقه من طرف “قوى إسلامية ظلامية”، وعدم تبنيه للمطالب الاجتماعية والاقتصادية، بحسب تصريح رئيسته لويزة حنون.