تزايدت ضغوط الأوساط الاقتصادية الجزائرية مطالبة الحكومة بتسريع الإصلاحات لدفع النمو في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة، حيث قدمت منظمة أرباب العمل خطة لدعم الاقتصاد تتضمن أولويات إصلاح المنظومة الجبائية ومكافحة السوق الموازية لاستعادة دور الشركات في دعم النمو، في وقت تشهد فيه عوائد الطاقة والعملة المحلية هبوطا قياسيا.
قدم رئيس الكونفيدرالية الجزائرية لأرباب العمل خارطة طريق للنهوض بالاقتصاد المحلي وتحسين مناخ الاستثمار في البلاد في ظل الأزمة الخانقة التي يعرفها الاقتصاد الجزائري، حيث تضمنت مطالب الإصلاح مكافحة السوق الموازية التي تستنزف المنظومة الرسمية وإقرار إصلاح جبائي لتحفيز الشركات.
واقترح رئيس أكبر تنظيم عمالي لرجال المال والأعمال في الجزائر محمد سامي عقلي على الحكومة مجموعة من المبادرات والحوافز لدعم الاقتصاد المحلي المتضرر من تهاوي أسعار النفط وتداعيات جائحة كورونا، ومن ضمن هذه الاقتراحات إقرار عفو جبائي لفائدة الشركات الاقتصادية الخاصة.
وكان رئيس الكونفيدرالية الجزائرية لأرباب العمل قد عبّر لوسائل إعلام محلية عن أمل الأعضاء في عفو جبائي لإنقاذ المؤسسات الخاصة ومساعدتها على استعادة دورها في دعم الاقتصاد.
وقال “نأمل أن يتم تعديل قانون المالية بقانون تكميلي يٌترجم الإرادة السياسية والتزامات الرئيس، لاسيما ما تعلق منها بالتخفيض الجبائي والغاء الرسم على النشاط المهني”.
وأضاف “مثل هذه الاجراءات من شأنها السماح باستقطاب السوق الموازية التي تمثل منافسة غير نزيهة وعاملا يهدد استقرار المؤسسة فضلا عن التكفل بانشغال كبير للمؤسسات التي تواجه صعوبات بسبب تباطؤ وتيرة الاقتصاد المحلي”.
ولفت المتحدث إلى أن السوق الموازية تستحوذ على ما يعادل 60 مليار دولار من حجم الاقتصاد، وهو أكبر عائق أمام تحقيق نمط اقتصادي نزيه وشفاف، وأن الحكومة مطالبة بإيجاد آليات حقيقية لاستقطاب تلك الأموال إلى القنوات الرسمية.
ويسعى الرئيس الجديد للمنظمة العمالية محمد سامي عقلي منذ تسميته على رأسها في يونيو 2019 إلى ترميم الصورة القاتمة التي علقت بأكبر تجمع لرجال المال والأعمال في البلاد بعد ثبوت ضلوع عدد من رموزه في قضايا فساد فتحت بشأنها تحقيقات أمنية وقضائية.
وشهد الاقتصاد الجزائري شللا كبيرا خلال السنوات الأخيرة، فإلى جانب تهاوي أسعار النفط التي أثرت على أكبر مصدر لمداخيل البلاد، حيث نزلت المداخيل من 60 مليار دولار في 2013 إلى 27 مليار دولار في 2020، تضرر الاقتصاد من جهة أخرى من تداعيات جائحة كورونا التي عرقلت مخطط حكومة الرئيس عبدالمجيد تبون إلى جانب تدهور مناخ الأعمال بسبب الفساد المالي والإداري الذي انكشف بعد اندلاع أحداث الحراك الشعبي في فبراير 2019.
وتحولت شركات القطاع الخاص إلى عبء حقيقي على كاهل الحكومة بعدما أصبحت بؤر توتر اجتماعي بسبب تسريح اليد العاملة التي كانت تشغلها (100 ألف عامل)، وتوقف الإنتاج الذي كان يزوّد السوق المحلية، الأمر الذي ساهم في تفشي مظاهر الاحتكار والمضاربة وارتفاع الأسعار كما هو الشأن بالنسبة إلى الصناعات الغذائية والتحويلية.
وذكر محمد سامي عقلي بأن “كونفيدرالية أرباب العمل تشجع دوما رؤساء الشركات على احترام القانون الجبائي، لكننا نطالب في المقابل بتكييف النظام الجبائي مع الواقع الاقتصادي”.
وشدد على حصول المؤسسات الخاصة على مقابل ملموس لقاء الضرائب والرسوم التي تدفعها، لاسيما في مجال الخدمات والمنشآت كالرسم على النشاط المهني الذي يمون البلديات، في حين أن العديد من المتعاملين يعانون من نقص في التجهيزات الضرورية للقيام بنشاطهم (الطرقات والربط بشبكتي الغاز والماء وغيرها).
وخلال لقاء نظمه المنتدى بالتعاون مع خبراء ومهتمين بالشأن الاقتصادي دعا متدخلون إلى “ضرورة إصلاح النظام الجبائي الوطني الذي شجّع نمو الاقتصاد الموازي”.
وعبّر المدير العام المساعد لشركة “ساتيراكس” المختصة في صناعة المنتجات الإلكترونية والكهرومنزلية والهواتف النقالة جمال قيدوم عن “أسفه لأن نموذجنا الجبائي غير مشجع للمؤسسات لأن مجموع الرسوم والضرائب يفوق نصف عائداتها، وأن هذا الوضع يخلق نوعا من الإحباط في وسط الأعمال بشأن الضرائب”.
أما رئيس الجمعية الوطنية للمستشارين الجبائيين أبوبكر سلامي فقد شدد بدوره على “ضرورة إصلاح العلاقة بين دافعي الضرائب والادارة الجبائية” وانتقد ما أسماه بـ”عدم استقرار النصوص التشريعية للقطاع الجبائي، والنسب المطبقة على المهن غير التجارية الخاضعة من الآن فصاعدا إلى نظام الفرض الضريبي وفق الربح الحقيقي وهي ثقيلة جدا وغير مشجعة”.
أما الخبير المالي والاقتصادي عبدالرحمن بن خلفة فقد أشاد بـ”الإعفاءات الموجهة للمؤسسات الناشئة وللمؤسسات الصغيرة والمتوسطة”، لكنه في المقابل دعا إلى “إجراءات تحفيزية بالنسبة إلى المؤسسات الكبرى”، معتبرا أن “تشجيع المؤسسات الناشئة أمر مهم، لكن يتوجب معرفة أنها لا يمكن أن تعيش إلا في ظل الشركات الكبرى”.
ولفت إلى أن قانون المالية لسنة 2020 هو قانون انتقالي تم إعداده لتجنب الوقوع في وضعيات مستحيلة التسيير، ولكنه توقع عجزا في الميزانية، لاسيما مع نسبة نمو ضعيفة، واقترح في هذا الشأن اللجوء إلى القرض السندي والإدماج الضريبي مع تسطير إستراتيجية للخروج من التبعية للطلب العمومي.
وتمر الجزائر بأزمة اقتصادية على أكثر من جهة حيث شهدت العملة المحلية “الدينار” مؤخرا تراجعا غير مسبوق ما تسبب في ارتفاع كبير في أسعار العديد من المواد الاستهلاكية ما أثر على القدرة الشرائية للمواطنين. ويتوقع قانون الموازنة العام لسنة 2021 متوسط سعر صرف بـ142 دينارا مقابل الدولار، و149 دينارا في عام 2022.
ويعود تراجع قيمة الدينار الجزائري مقابل العملات الأجنبية حسب متابعين إلى تقلص إيرادات البلاد من النقد الأجنبي جراء الأزمة النفطية المستمرة منذ 2014، إذ يعاني اقتصاد الجزائر تبعية مفرطة لعائدات المحروقات (نفط وغاز) التي تمثل 93 في المئة من مداخيل البلاد من النقد الأجنبي وفق بيانات رسمية.
وكان سعر صرف العملة المحلية في بداية الأزمة النفطية منتصف 2014 يساوى 83 دينارا مقابل الدولار، فيما تبلغ قيمة صرف العملة المحلية حاليا في السوق الموازية 178 دينارا للدولار و210 دنانير مقابل اليورو.