اعتبر محللون سياسيون مختصون في الشأن الجزائري أن مشروع تجريد الجزائريين في الشتات من الجنسية بدعوى ارتكابهم أفعالا من شأنها أن تلحق ضررا جسيما بمصالح الدولة، ليس إلا محاولة للترهيب وإسكات أصوات المعارضين في الخارج.
وأثار إعلان الحكومة عن مشروع القانون جدلا صاخبا في دوائر سياسية وحقوقية معارضة للسلطة، واعتبرته خطوة في مسار متشدد يدفع بالبلاد إلى المزيد من الاحتقان والاستقطاب بين طرفي الأزمة، كونه ينطوي على توظيف حق مشروع في تصفية الحسابات السياسية.
ويواجه النظام الجزائري ضغوطا خارجية على خلفية قمع الاحتجاجات والتضييق على الحريات، في ملف يحركه نشطاء في الخارج من داعمي الحراك الشعبي.
واعتبر الخبير السياسي منصور قديدير أن هدف مشروع قانون حرمان الجزائريين في الشتات من جنسيتهم بسبب تعمدهم ارتكاب أفعال من شأنها أن “تلحق ضررا جسيما بمصالح الدولة”، محاولة لـ”إسكات الأصوات المعارضة في الخارج”.
وعرض هذا التعديل لقانون الجنسية في مطلع مارس، ما أثار موجة من الغضب في وقت استأنف فيه الحراك تظاهراته الأسبوعية بدعم من جزء كبير من جزائريي الشتات. وهذا يدل على بعض “التسرع” من جانب الحكومة، كما أضاف هذا القاضي السابق الذي حذر من “قنبلة موقوتة”.
وأضاف قديدير أن هذه ليست المرة الأولى التي ينص فيها القانون الجزائري على إسقاط الجنسية، لكن هذا التعديل قد تمت صياغته بشكل مخالف عن النصوص السابقة بما أنه ينص على إسقاط الجنسية الأصلية، وهو إجراء صعب العواقب من ناحية حقوق الإنسان ونوع من التخويف ضد المعارضين والمدونين الذين يعيشون في الخارج أكثر من أي شيء آخر.
وأوضح أنه إذا كانت هذه الفرضية صحيحة، فهذا يشير إلى بعض التسرع وعدم وجود استراتيجية في سياسة الحكومة، “فمن الواضح أن المواقع الإلكترونية (الشبكات الاجتماعية والمواقع الإخبارية ووسائل التعبير الرقمية الأخرى) تشن حملة شرسة ضد السلطات الرسمية”.
وقال قديدير “أعتقد أنه لا ينبغي للدولة أن تسمح لنفسها بالانجرار وراء ذلك. وعلى ما يبدو فإن السلطات وجدت في التجريد من الجنسية سلاحا جديدا لإسكات الأصوات المعارضة التي تعيش في الخارج. لذلك يبدو أن المشروع التمهيدي جزء من منطق الردع”.
وردا على سؤال “ما عواقب هذا التعديل؟”، قال الخبير السياسي “يبدو لي أنه لا يوجد ما يبرر هذا التعديل لأن الحرمان من الجنسية الأصلية هو إجراء تدينه الاتفاقيات الدولية، وإذا استمرت السلطات في مشروعها فسيكون لدينا بلا شك أشخاص عديمي الجنسية، وهو انتهاك للقانون الدولي.
وتابع “في هذه الحالة، قد نكون أيضا نصنع قنابل موقوتة لأن الشخص الذي سيفقد جنسيته سيصبح يائسا ولا شيء يمكن أن يوقفه. تخيلوا العدد المتزايد من الحراقة (المهاجرون الذين عبروا البحر المتوسط بشكل غير قانوني) الذين سيقعون في براثن المتطرفين”.
وأوضح المحلل السياسي أن “اللجوء إلى إسقاط الجنسية الأصلية يمر بإجراءات طويلة، فالحكم الصادر غيابيا عن الجنح أو الجرائم لا يسمح بإصدار مرسوم الحرمان من الجنسية”.
ويجادل البعض بأن إسقاط الجنسية قد يمنح السلطات الجزائرية منفذا للتخلص من مشكلة الجهاديين الجزائريين في الخارج، حيث إن حرمانهم من الجنسية يريح الجزائر من ضغوط استعادة جهادييها المحتجزين في بؤر التوتر أو المحكوم عليهم في دول أوروبية.
واستبعد قديدير ذلك، مشيرا إلى أنه لا يمكن للجزائر أن تتملص من مسؤوليتها في هذا الملف، وهي ملزمة بتنفيذ اتفاقيات مع دول أخرى في مجال مكافحة الإرهاب، ومن الصعب أن تتنصل من مسؤوليتها تجاه رعاياها المولودين والمقيمين في الخارج.
وأضاف أنه ربما تستفيد الجزائر من استقبال جهادييها في حال ترحيلهم للحكم عليهم، ثم إنه من الناحية الاستراتيجية فإن استنطاق الجهاديين ومعرفة طريقة عملهم سيعزز قدرات الأجهزة الأمنية.