العصابة.. السياسة المبتكرة تصدع رؤوس قادة العدالة والتنمية

ماموني

اكتشف ثلاثة من المؤثرين في المغرب، إمكانية إعادة استثمار وسائل التواصل الاجتماعي، ومن بينها فيسبوك، لتكون منصات لقيادة الرأي العام بتنظيم الحملات الممنهجة ضد الخصوم، أو بالدفاع عن سياسات وأجندات، واقتراح حلول وتفكيك ظواهر اجتماعية واقتصادية.

جمعهم خط موحد ووحّدتهم قواسم مشتركة قد يتفق الناس حولها أو يختلفون، لكنهم لم يلتفتوا الى الانتقادات القاسية والاتهامات الكثيرة بأنهم يخدمون أجندات  معينة، أو غير ذلك من الأقاويل المثبّطة للهمم، غير أنهم استوعبوا تلك الانتقادات القاسية فصنعوا منها محفّزا لاستمرارهم، لتتفتق ذهنيتهم عن فكرة “العصابة”، البرنامج الذي انطلق أولاً عبر الفضاء الأزرق محمولاً على عقول وأكتاف هؤلاء الثلاثة، يونس دافقير، رضوان الرمضاني، وعمر الشرقاوي.

يقول دافقير، وهو رئيس تحرير صحيفة “الأحداث المغربية”، وعضو العصابة في الوقت ذاته “لقد لفت انتباهنا الانسجام الحاصل بيننا كثلاثي، من هنا قلنا طيب، لماذا لا نحوّل العصابة الى برنامج للنقاش الفيسبوكي، وبدلاً من أن تكون تلك الحوارات مفرقة، نجمعها ونمأسسها ونطرحها في التواصل الاجتماعي وحسب”. لكن الأمر لم يبق محصوراً في إطار فيسبوك فتبنته إذاعة “ميد راديو” بالصوت والصورة.

دافقير الذي يعرف  بأسلوبه القريب من البوليميك السياسي الذي خبره في بداياته الأولى عندما كان منضويا تحت لواء حزب منظمة العمل اليسارية، طالبا وصحافيا متدربا في صحيفة الحزب، كان قد تلقى الكثير من الانتقادات الى جانب مؤيدين عديدين لخطه التحليلي والنقدي.

الثلاثي الساخر

“العصابة” تناقش ملفات ساخنة على الساحة المغربية، ولم ينجُ من انتقاداتها أحد، كما حين طالبت بعمل الأساتذة في المغرب، حضوريا بدل بقائهم في بيوتهم، معتبرة أن نسبة كبيرة منهم تحتاج لإعادة الإدماج

عادةً ما يتقاطع أفراد العصابات في هوية مشتركة، وينخرطون في سلوك إجرامي، وتتميز أنشطتهم بمستوى معين من التنظيم والاستمرارية، كما ترتبط بمنطقة جغرافية معينة، إلا أن ثلاثي “العصابة” المغربية جمعتهم غايات محددة الواحد منهم يكمل الآخر.

تقلب عضو العصابة الثانية، الرمضاني، بين المواقع الصحافية خلال السنوات الماضية، متنقلاً بين السمعي البصري، عبر عدة برامج منها “في قفص الاتهام” الذي استضاف شخصيات من عوالم السياسة والفن والرياضة وغيرها، وهو مكون رئيسي في العصابة، وقد جمع عدداً كبيراً من المعجبين ومعهم ثلة من الخصوم.

أما الشرقاوي، عضو “العصابة” الثالث، فهو أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني بالمحمدية، محلل سياسي انخرط كناشط في فيسبوك قبل خمس سنوات تقريبا، واستطاع أن يجمع حوله متابعين كثرا.

بدأ نشاطه بانتقاد سياسات الحكومة والتعليق على أداء وزرائها، فانغمس في دوره إلى درجة أنه شن حملات فيسبوكية مختلفة كملف تقاعد البرلمانيين، الذي اعتبره ريعا، ورفع سقف انتقاداته للائحة الشباب البرلمانيين كونها لم تولد نخبة قادرة على إغناء المجال التشريعي.

وتلعب مهمة قيادة الرأي، في نشاط “العصابة” دورا رئيسيا في تبني الأفكار الجديدة، ونشر المعطيات والمعلومات، فقبل اتحادهم في إطارها كانت لكل واحد منهم حروبه اليومية مع من يناهضونهم في التفكير والتجربة والسلوك والرؤية والأهداف والأيديولوجيا، لكن مع الإطار الجديد تم فتح جبهات أخرى مع الإبقاء على ما تم تحقيقه من قبل، والأهم أنهم متضامنون معا وأيّ هجوم على أحدهم فهو تهديد للعصابة بأكملها.

المسؤولية

حزب العدالة والتنمية الحاكم وسياساته، على رأس اهتمامات أعضاء ”العصابة“، متبعين أسلوباً يجمع السخرية والإحصاء مع التحليل والصدمة

إذا كانت الحتمية والمسؤولية وارتباطهما بالحرية الإنسانية والأخلاق مادة حيوية في حياتنا وممارساتنا اليومية، فإن هذا سيدفعنا إلى التساؤل حول مدى ما يسمح به المجال لتحمل المسؤولية الأخلاقية والقانونية عما يصدر عن الطرفين، العصابة ومن يناصبها العداء، بعيدا عن روح الاختلاف في الرأي والرؤية وقوانينها.

ورغم أن ذلك الوعي فضفاض، ويكاد يشترك فيه الكل، إلا أن الرمضاني يلخص فلسفته حياله في أن ما يغضبه هو “سوء الفهم كما هو حال العجز عن الفهم أيضاً”. فالعصابة ترى أن المحتوى الذي تقدّمه جذاب ومسؤول، ويعبر عن شريحة واسعة من المغاربة، ويؤثر على بعض اتجاهات التصوّر العام لعدد من القضايا المقترحة لكونهم يعبرون على طيف كبير من سلوك المتابعين وتطلعاتهم، لكن يحيى اليحياوي الأستاذ المتخصص في الإعلام جامعة محمد الخامس بالرباط له رأي آخر.

وجه اليحياوي سهام نقده إلى تجربة “العصابة” ولو بشكل غير مباشر، قائلا “إنك تكاد تجد قادة الرأي العام الجدد كمجموعة من أشباه الصحافيين، بكلّ مكان، لتسفيه خطاب أو للطعن في رأي، أو للمزايدة على كل فعل” وأضاف “إنهم يختارون غريما ما، ولا يرتاحون إلا عندما يجهزون عليه، لا يقيمون وزنا لا لمقام ولا لحرمة حتى المصطلحات التي يستعملونها، يريدونها أن تكون من قاموس ينفر منه الإعلام وتلفظه الثقافة”، واصفاً الثلاثي، الشرقاوي الرمضاني ودافقير، بالعصابة الباهتة.

ردّ الرمضاني على تلك الاتهامات بالقول إنهم يتحدثون في المجموعة عن كل شيء ولكن بنظارات مختلفة، وقد لا تكون محل إجماع أو اتفاق، لكن تبقى وجهة نظر تعبر عنها العصابة. مضيفا “نحن لا نغطي الشمس بالغربال ونشرح الامور كما نتصورها”. تلك اللغة ليست اختياراً عند الشرقاوي، بل هي القاعدة، ولغة الوضوح والشفافية استثناء، ولا نعلم معايير مفردات اللغتين معا وأوقات استعمالها ولا ظروف تحقيقها في تفاعلاته اليومية أثناء عمله الفيسبوكي وفي تعاطيه مع القضايا التي يعالج مع ”العصابة“، أو أي الترجيحين حاضر عندما نراه يرد على اتهام الخصوم بأنه استفاد هو أيضاً من الريع البرلماني، الذي ينتقده، بعدما حصل على وظيفة بعيدا عن مبدأ تكافؤ الفرص، في وزارة العلاقات المكلّفة بالبرلمان، لكنه نفى ذلك مشيرا إلى أن توظيفه كان بشكل قانوني لأنه حاصل على شهادة الدكتوراه في القانون.

“ما هي إذن الجريمة التي اقترفتها أنا والرمضاني والشرقاوي في فيسبوك؟“ يسأل دافقير، ويجيب “إنها جريمة واحدة. حرّرنا معابر فيسبوك من قطاع الطرق الشعبويين غير الديمقراطيين، أولئك الذين يفرضون آراءهم وحماقاتهم على الناس، أولئك الذين يوزعون صكوك الغفران الديمقراطي. أثبتنا تهافتهم، وفضحنا خزعبلاتهم، وبعد أن كانوا أغلبية صاروا أقلية، والناس التي كانت تخاف أن تكتب صارت تكتب دون خوف”، ومع ذلك، لازالت حملات التهكم والسخرية والسباب تشنّ على الثلاثي، دون توقف وهم بدورهم يردون عليها دون كلل.

أما خصوم “العصابة” فيتهمون أعضاءها بأنهم أنصاف متعلمين وأنصاف أذكياء، يعلنون أنفسهم كخبراء في أيّ شيء، ويعملون على تشويه سمعة المعارضين وتعميق أزمة الشائعات بإنشاء حقائق بديلة، وكذا بقيادتهم لحملات التضليل المستهدفة لعدد من القضايا والشخصيات.

مناوشات مع الحزب الحاكم

أداء الشرقاوي والرمضاني ودافقير يبدو عملاً له غاياته المحددة المدروسة جيدا. ولذلك يتهمون بتقاضي أجور خيالية لقاء جهدهم اليومي والدؤوب

ويظهر تضامن العصابة جليا عبر العديد من التفاعلات، كما حصل في أحدث حلقة لبرنامج يبثه الرمضاني على القناة الثانية، استضاف فيه الوزير السابق والبرلماني الحالي محمد أوزين الذي كشف أن أعضاء من البرلمان التركي ساهموا في تغطية صلعته بشعر مزروع، ما خلق جدالا واسعا شارك فيه صديقاه على صفحتيهما، ليتهمهم البرلماني بأنهم يبحثون عن الشهرة على حسابه، بينما رد آخرون أن أوزين كشخصية عمومية وقع في شبهة استغلال منصبه للاستفادة من عملية مجانية لزراعة الشعر بتركيا.

هوجم دافقير بسبب تدوينته المثيرة للجدل التي تحدث فيها عن عيد الأضحى وعلاقته بالوضعيات المادية للفقراء المغاربة. هجوم تزعمه التيار المناهض له، وفي خطوة إلى الوراء وحتى لا يفقد تأثيره على فئات تنساق للخطاب الأيديولوجي والعاطفي، وكي لا يتم تصنيفه من فئة المناهضين لعادات البلد الذي يعيش فيه وتقاليده وقيمه، اعتذر عبر تدوينة فيسبوكية، معترفا أنه لم يكن يتوقع، أن يصل النقاش إلى ذلك المدى الحاد.

كما هاجم الرمضاني مجموعة من الأساتذة بالسباب والشتم، ومعه دافقير، بسبب مطالبتهما بعمل الأساتذة حضوريا، بدل بقائهم في بيوتهم، على غرار باقي القطاعات والأنشطة المهنية في المملكة، وبنوع من الحدة قال الرمضاني إن نسبة كبيرة من هؤلاء تحتاج لإعادة الإدماج، وهذه حقيقة تعرفها الحكومة والنقابات وأسر التعليم، ليتضامن معه زميله في العصابة والمهنة، دافقير، مشيرا إلى أن العديد من الأساتذة يحتاجون لإعادة التربية.

مهمة قيادة الرأي في نشاط “العصابة” تلعب دورا رئيسيا في تبني الأفكار الجديدة

أما حزب العدالة والتنمية بأعضائه وسياساته وسلوكياته، كحزب حاكم فقد كان محط اهتمام أعضاء “العصابة”، ويقود الشرقاوي هذا النشاط بشكل متفرد ويومي. لقد وجد ضالته في مقارعة العدالة والتنمية بشكل خاص مستعملا أساليب تجمع بين السخرية والإحصاء والتحليل والصدمة، بالطبع سيستفز هذا الأمر قيادات الحزب وقواعده والمتعاطفين معه، فيدخلوا معه في جدالات عنيفة.

ويعترف الشرقاوي أنه كان ينتقد حزب العدالة والتنمية، منذ سنوات صباح مساء، دون كلل أو ملل، ويقول “سأظل أمارس قناعتي حتى يتراجع، لا أقول إنني بطل قادر على هزم حزب قوي التنظيم وله تاريخ ومؤسسات ومناضلون، فأنا مجرد مواطن بسيط له حساب فيسبوكي، لكن سأفعل كل ما يدخل في حرية التعبير، لكشف تناقضات سياساته وشعبوية خطابه وازدواجية مواقفه، دون المس بعرض أعضائه أو اتهامهم بالفساد أو من خلال السب والقذف”.

والأكيد أن عمل الشرقاوي والرمضاني ودافقير، كثلاثي له غاياته المحددة وأهدافه المدروسة جيدا، اتهموا من قبل خصومهم بأنهم يتقاضون أجوراً خيالية لقاء عملهم اليومي والدؤوب على منصة التواصل الاجتماعي، وقيل إن أجر التدوينة بلغ 200 دولار، فأنكروا ذلك وقلبوا الأمر إلى سخرية، متهمين جنود العدالة والتنمية الفيسبوكيين بأنهم هم من أطلق الإشاعة وعممها، ورد الشرقاوي بالقول إن من كان معتادا على العمل بالنقود، يعتقد أن كل الحركات بمقابل مادي.

والشرقاوي كان رأس حربة في مناوشة الحزب الحاكم لاعتبارات متعددة قيل إنها تخدم مصالح أطراف أخرى، ليرد على ذلك قائلاً “إن هناك عدداً من الأحزاب والجهات داخليا وخارجيا يعجبهم انتقادي للعدالة والتنمية وربما أخدم مصالحهم السياسية والانتخابية، لكن هذا الأمر لا يهمني فأنا أفعل ذلك بقناعة وإلحاح وكذلك بحبّ، لكي ننتهي من التجربة السياسية البشعة التي قادها هذا الكائن السياسي وطبعا بالديمقراطية والقانون وقوة النقد وليس بأيّ شيء آخر”.

دافقير عضو “العصابة” يسأل “ما هي إذن الجريمة التي اقترفتها أنا والرمضاني والشرقاوي؟ إنها جريمة واحدة. حرّرنا معابر فيسبوك من قطاع الطرق الشعبويين غير الديمقراطيين، أولئك الذين يفرضون آراءهم وحماقاتهم على الناس”

ويصب زميله دافقير الزيت فوق النار حين يقول ساخراً إن ”العصابة“ تعيد للعدالة والتنمية وحدة صفه الداخلي، وتجمع كل المتخاصمين في الرد عليها، وقد نجحت العصابة وانتهى الأمر. بالمقابل هناك من يتهمه بالتجني والتدليس على شخصيات سياسية عملت في الشأن العام، ومنها قوله “لولا عبدالرحمن اليوسفي لما صعد عبدالإله بنكيران إلى البرلمان”.

باتت ”العصابة“ ظاهرة مغربية مبتكرة للأداء السياسي الجديد، ومنصة لمراقبة الأداء، ولن يفلت أحد من براثن الثلاثة طالما أنه يقول أو يفعل ما يرونه مستحقاً للنقد.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: