العدالة والتنمية وجنون الارتياب السياسي

ماموني

يبدو أن عشر سنوات من تواجد العدالة والتنمية على رأس الحكومة لم يضف أي قيمة للحياة السياسية في المغرب سوى خلق جو من الارتياب السياسي، وتمرير العديد من القوانين التي أثّرت سلبا على التماسك الاجتماعي والتكيّف مع الظروف الصعبة وخنق الأمل.

فهل سيتغير الوضع الذي عرفته الانتخابات في دورتي 2011 و2016 عن نظيرتها في العام 2021؟ سؤال حاول الحزب استباق نتائجه السياسية، فقد جاء العدالة والتنمية إلى الحكم بعد انتخابات 2011، من خلال نفس الآليات الديمقراطية التي يريد بواسطتها تغيير اللعبة بما يخدم مصالحه الانتخابية والسياسية، دون الالتفات إلى تأزم الثقة السياسية وأزمة رأس المال الاجتماعي بالبلد.

ضحايا العدالة والتنمية كُثّر، وسهلت دعاية الحزب التأثير على المجموعات الأكثر استعدادا للانخداع من خلال استخدام التنميط النفسي لجذب المتعاطفين والموالين والتأثير في  متطلباتهم وتوقعاتهم، ومن ثم آرائهم السياسية، رغم عقبة موضوعية تتمثل في عدم ثقة المواطن في الحكومة والمؤسسات السياسية.

في العام 2003 تعالت الأصوات بِحَلّ الحزب على خلفية الاعتداء الإرهابي في مدينة الدار البيضاء، لكن الدولة كان لها رأي آخر، بأن تدع الحزب وشأنه فهو نتاج الديمقراطية ولا يمكن وضع حد لوجوده السياسي دون المساس بأهم مفاصلها، وهو التعددية الحزبية.

ومنذ ذلك الوقت استخدم  قادة العدالة والتنمية الحيل والتنصل من المسؤولية، بهدف تنمية رصيد الحزب السياسي وقاعدته الانتخابية وخلق جو من القلق والشك لإقناع الآخرين بأن هناك مؤامرة متقنة تستهدفهم.

لا يمكن مقارعة حزب تمترس وراء خطاب شعبوي جارف وارتقى إلى دواليب الدولة من بوابة الدين، إلا بأساليب مبتكرة وذات مصداقية تنجح في استمالة النخبة المهنية والتجارية والثقافية لإعادة تأسيس بدائل وتعزيز شرعيتها، مع ما يترتب على ذلك من آثار مهمة على استقلالية التنظيمات السياسية والمدنية وكفاءتها.

حزب العدالة والتنمية يقيس أعماله من خلال عمليات اختطاف المنهج الديمقراطي، ويمارس نفس التكتيك للتأثير على الدولة عن طريق التخويف والشك، وهي طريقة مارسها عبدالإله بنكيران أكثر من مرة عندما قال بأفضال الحزب على الدولة في تحييد آثار حركة 20 فبراير.

في كل مرة يقع فيها تصادم بين طموحات الحزب السياسية والدولة، يلجأ الحزب إلى الابتزاز الممنهج. وكان الأمين العام السابق بنكيران قد جربه مرارا وعاد إليه في آخر بدعة له حول موضوع تقنين مادة القنب الهندي.

الأحزاب كالدول لا تهزم من الخارج إلا إذا كان الداخل منهكا ومستعدا للسقوط، والعدالة والتنمية لا يشذ عن هذه القاعدة فهو حزب أشخاص له دورته الطبيعية في الحياة والمرض والموت

مناقشة التصويت الإيجابي على القاسم الانتخابي باحتساب عدد المسجلين، والقانون المتعلق باستعمالات القنب الهندي للأغراض الطبية والصناعية، وعودة الاتصال مع إسرائيل، ملفات خلقت بلبلة في المشهد السياسي وربطها البعض بمؤامرة ضد الحزب، واتهموا الإدارة والأحزاب بمحاولة عرقلة بقاء العدالة والتنمية إلى جانب مركز السلطة التنفيذية للمرة الثالثة.

القيادي والبرلماني إدريس الأزمي قال عن التصويت إنه تواطؤ ضد المنهجية الديمقراطية، وكأننا أمام عبدالرحمن اليوسفي الذي نحت هذا المصطلح بداية الألفية الحالية للتعبير من امتعاضه من ظروف وملابسات لم يستوعبها اليوسفي في حينها.

الأحزاب كالدول لا تهزم من الخارج إلا إذا كان الداخل منهكا ومستعدا للسقوط، والعدالة والتنمية لا يشذ عن هذه القاعدة، فهو حزب أشخاص له دورته الطبيعية في الحياة والمرض والموت، وحتى صناديق الاقتراع لن تقيه شر التهاوي والتناقض.

لقد كان التفكك والانقسام قدرُ حزب الاتحاد الاشتراكي الذي كان مميزا في المعارضة والحكم، وعرفت أحزاب أخرى نفس المصير. والسؤال هل بإمكان العدالة والتنمية تفادي نفس المصير بتسويق تماسكه وعنفوان قيادته؟

التراكم النقدي للتغييرات في المواقف داخل العدالة والتنمية هو ما يعطل الأعراف والسلوك السياسي الذي بنى عليه الحزب أطروحته، حيث معظم التصورات العامة للأزمة التي يمر منها الحزب لا تود القيادة مشاركتها مع القواعد، حفاظا على النوايا السلوكية وضمانا للمشاركة في السياسة.

وللمفارقة، تلك القواعد التي تمثل خزانا رسميا للحزب هي التي وصفها الأمين العام السابق بـ”الصكوعة”، وهي مفردة محلية تعني الأغبياء.

تقدم الاختلافات والصراعات التي تقوم عليها الخطابات العامة المتكررة حول المستجدات التي تعرفها الساحة السياسية والاجتماعية وكأنّما هي من صنع الآخرين.

صانع الخطاب السياسي داخل العدالة والتنمية يعمل على الاستفادة من الظروف الاجتماعية والمقدمات الأخلاقية التي مهدت الطريق لتولي المسؤولية داخل البرلمان والمجالس المحلية والحكومة.

لا يريد شيوخ الحزب أن يخضع تنظيمهم لتغييرات جذرية في التدبير والمواقف والسياسات، خوفا من تحول القيمة السياسية لخطابه المبني أساسا على نوع من المسالك الأخلاقية، ما ساعد في خلق تصورات عامة حول الحزب باعتباره الحريص على الأخلاق العامة، والأمين على مصالح الناس، والمحارب للفساد، دون أن يتفطنوا إلى أنه كأي حزب سياسي يسوق وعودا انتخابية يصعب في العادة تحقيقها على أرض الواقع. وسينتهز الحزب الفرص لحجب أي محاولة لفهم تعقيدات التحولات الاجتماعية والقيود السياسية في البلد خدمة لاستمرار تواجده في المشهد السياسي.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: