يتفق علماء النفس على أن بعض المشاكل الزوجية تسبب نفس مقدار الألم والدمار الذي تحدثه الخيانة الزوجية، مما يقوض أساس الزواج نفسه، وينصحون بعدم إنهاء العلاقة حال سقوط أحد الشريكين في فخ الخيانة. لكن يرى عدد من الأزواج الذين عانوا من جحيم الخيانة أن استمرار العلاقة الزوجية بعد الخديعة نفاق تفرضه الظروف، فهل تكون الأسباب المادية والخوف من الفضيحة دافعين للاستمرار في علاقة هشة؟
تسبب الخيانة الزوجية شعورا عميقا بالألم. وعادة ما يؤدي اكتشاف وجود خيانة زوجية لأول مرة إلى ظهور مشاعر قوية لدى كلا الشريكين مثل الغضب أو ردة فعل مشابهة أو الإحساس بالعار أو الاكتئاب أو الإحساس بالذنب أو تأنيب الضمير. ورغم أنه من الصعب عادة في هذا الوقت التفكير بوضوح كاف لاتخاذ قرارات طويلة الأمد، إلا أن أغلبية الشركاء يفضلون الاستمرار في العلاقة الزوجية درءا للفضيحة وخوفا من نظرة المجتمع إذا قرر أحدهما الطلاق، خصوصا إذا كانت الزوجة التي تلقى على عاتقها مسؤولية خيانة زوجها لها.
تؤكد فتيحة (اسم مستعار)، أربعينية وزوجة أستاذ تعليم ثانوي، أنها اكتشفت خيانة زوجها لها في العديد من المرات لكنها كانت تتغاضى في كل مرة عن ردة فعل حاسمة تجاهه خوفا من الفضيحة، خصوصا وأن ابنتها بدأت تكبر وتعي الأمور جيدا.
وتقول فتيحة إنها علمت من الجيران بأن زوجها أصبح يعاشر فتاة أخرى وأنه قرر الزواج منها وأنها حامل في الأشهر الأولى، لكن زوجها كان دائما يكذّب ما ينقله الجيران إلى أن تعرفت على والدة الفتاة فأبلغتها بأن ابنتها تستعد للزواج منه وما عليها إلا طلب الطلاق.
وتضيف أنها رفعت الأمر إلى عائلتها وعائلة زوجها بعد أن قررت مغادرة البيت وطلب الطلاق، لكن زوجها خوفا من اكتشاف أمره وافتضاحه أمام زملائه وخوفا من أن يخسر وظيفته قرر أن يقطع علاقته الجديدة وأن يرجع إلى زوجته وأطفاله.
وتؤكد فتيحة أنها قبلت الرجوع إليه خوفا على سمعة ابنتها وخشية عليها من التنمر، خاصة وأنها تعيش وسط قرية صغيرة تعتبر فيها الخيانة الزوجية فضيحة كبرى.
إلقاء مسؤولية الخيانة على عاتق الزوجة والخوف من الفضيحة يصعبان عليها مهمة طلب الطلاق بعد حدوث الخيانة
ويشير خبراء علم النفس إلى أن هذا التحدي سيحمل الكثير من التناقض وعدم اليقين. ولكن، عندما يعيد الرجل بناء الثقة ويعترف بالذنب ويتعلم كيف يسامح وكيفية التصالح خلال الصراعات، فإن هذا التحدي يمكن أن يعمق ويقوي الحب والعاطفة اللذين يربطانه بشريكة حياته.
ويؤكد رؤوف الحسيني، خمسيني ويشتغل بالقطاع الخاص، أنه غفر لزوجته خيانتها له وأنه كان يتحمل المسؤولية التامة عما بدر منها لأنه كان لا يهتم بها ولا يرعاها، مشيرا إلى أنه كان يعتبرها مجرد مصدر للإنفاق على الأسرة، خصوصا وأن عمله لم يكن يتميز بالاستقرار.
وتشير الدكتورة إيمان عبدالله، أستاذة علم النفس التربوي ورئيس مؤسسة الإيمان للإرشاد النفسي والتدريب والاستشارة بمصر، إلى أنه لإعادة الثقة بين الزوجين بعد الخيانة لا بد من اتخاذ خطوات عملية وجادة، مؤكدة أن الثقة لا تأتي بين عشية وضحاها.
وقالت عبدالله “لا بد من العرض على أخصائي نفسي للمتابعة وإعادة الثقة بالتدريج، وبالكلام العملي يمكن بالفعل عودتها لأن الثقة تستلزم حرية في العلاقة وصدقا وصداقة وأمانة وعدم التخوين”.
ونصحت استشاري علم النفس الشريك الخائن بالمبادرة بالاعتراف بخيانته، خصوصا في حال شك الطرف الثاني، موضحة أن الكذب يؤدي إلى فقدان الثقة للأبد، فعلى كليهما الاعتراف والبدء بالصراحة والمصارحة بوجود الخطأ، ولأن الخيانة ليس لها تبرير، فعلى الخائن أن يوضح الأسباب الحقيقية لخيانته وعليه أن يجيب على كل أسئلة الطرف الآخر كاملة.
كما ينصح مستشارو العلاقات الأسرية بالتريث وأخذ بعض الوقت قبل اختيار مواصلة الزواج أو إنهائه، وبأخذ الوقت الكافي للتعافي وفهم ما كان وراء هذه الخيانة.
ويمكن أن تساعد الاستشارات الزوجية على وضع العلاقة الجديدة في منظورها الصحيح وتحديد الأمور التي قد تكون أسهمت في حدوث هذه العلاقة وتعلّم كيفية إعادة بناء وتقوية الزواج وتجنب الطلاق.
وتعتبر الخيانة أحد أهم الأسباب التي تقضي على العلاقة بين الرجل والمرأة. لكن أحد أخصائيي علم النفس الألمان يحذر الأزواج من إنهاء علاقاتهم مباشرة بعد سقوط أحدهم في فخ الخيانة، مقدما لهم بعض النصائح لإنقاذ علاقتهم.
ويعتبر ديرك ريفينستورف أن الخيانة بمثابة عرض لأزمة عميقة تستوجب الحل. ويبدأ الحل حسب المختص في علم النفس بطلب الشريك الذي قام بفعل الخيانة الصفح من الشريك الآخر.
وينصح الأزواج بتكثيف الحوار والحديث مع بعضهم البعض للتغلب على المشاكل التي يمكنها أن تدفع إلى الخيانة. كما في كتابه بعض المقترحات لإنعاش العملية الحميمية بين الأزواج الذين استسلموا لروتين العلاقة الزوجية، لأن فتور العلاقة الحميمية، وفق اعتقاده، من بين الأسباب التي تدفع الأزواج للخيانة.
ويصر البعض على أن الثقة العاطفية في أي شخص آخر غير شريك الحياة هي خيانة. وتظهر الأبحاث أن مثل هذه الخيانة العاطفية تميل إلى أن تكون أكثر إثارة للقلق بالنسبة إلى النساء، بينما يعتبر الرجال التفاعل الجنسي جريمة أكبر، وفي الاستطلاعات تتنوع تعريفات الشركاء لما يشكل خيانة عاطفية على نطاق واسع، ما يؤدي إلى سوء فهم، لكن الشعور بأن الشريك قد يصبح أكثر تكريسا لشخص آخر غير نفسه هو أمر أساسي للقلق بشأن الخيانة العاطفية.
وتؤكد البيانات تضاعف فرص حصول الخيانة في العلاقات العاطفية في بعض المجتمعات المتحررة، وحتى في المجتمعات المحافظة.
وتظهر الإحصائيات أن 50 إلى 65 في المئة من المشاكل التي يذهب بسببها الأزواج أو شركاء الحياة إلى استشاريي العلاقات الزوجية، تكون بسبب الخيانة. كما أظهر استطلاع في ألمانيا أن 70 في المئة من المستجوبين، من الرجال والنساء، قالوا إن صفة الوفاء في العلاقة بين المرأة والرجل هي إحدى أهم الصفات لنجاح واستمرار العلاقة العاطفية. لكن في المقابل، أظهرت إحصائيات أخرى أن رجلا واحدا من أصل خمسة رجال خان شريكة حياته خلال السنوات الثلاث الأخيرة في ألمانيا.
وأوضحت دراسة أجراها بعض الباحثين في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بالجزائر أن حالة من كل خمس حالات طلاق تعود لاكتشاف شريك الحياة خيانة الطرف الآخر عبر موقع فيسبوك.
وأكدت الدراسة أن الفيسبوك يسر الخيانة بشكل كبير، حيث يمكن العثور على الحب الأول بسهولة شديدة واستعادة التواصل معه.
وأفادت أن أسباب الخيانة تعود إلى عدم تكافؤ الزوجين كالفقر والدخل المعيشي أو فارق العمر والمستوى التعليمي، وغياب الزوج لفترات طويلة سواء بسبب سفر أو عمل، والمعاملة السيئة من جانب الزوج، وعدم احترام الزوجة أو عدم إعطائها حقوقها الزوجية أثناء المعاشرة.
ويؤكد خبراء علم النفس أنه عندما يلتزم كلا الزوجين بالشفاء الحقيقي، تبقى معظم الزيجات على قيد الحياة وتصبح العديد من الزيجات أقوى من المستويات الأعمق من الحميمية.
ويمكن للعديد من العوامل أن تسهم في الخيانة الزوجية، منها عدم وجود المودة وفقدان الولع ورعاية بعضهم البعض، وانهيار الاتصالات المتعلقة بالاحتياجات العاطفية، إضافة إلى المشاكل الزوجية التي لم تتم معالجتها والتي تراكمت لسنوات.