الإعلام الجزائري عاجز عن مواجهة الأخبار الكاذبة لضعف محتواه

حنان الفاتحي

تحاول السلطات الجزائرية إعادة توجيه اهتمام وسائل الإعلام نحو القضايا الداخلية بصورة أكثر إقناعا وتلبية اهتمامات الجمهور الداخلي، للحدّ من توجهه نحو المنابر الخارجية، لكن هذه المهمة ليست سهلة في ظل القيود والرقابة المفروضة على وسائل الإعلام.

 

أكد إعلاميون جزائريون أن وسائل الإعلام العمومية تعرف أزمة اتصال غير مسبوقة بسبب ارتباطها بمصادر الخبر، وذلك في إطار نقاش واسع اليوم حول سبل مواجهة “الحرب الإعلامية” الخارجية، وتندرج ضمنها الانتقادات التي تصنفها السلطات الجزائرية تحت بند “المعلومات المغلوطة أو الكاذبة”.

وتحدث خبراء وإعلاميون في ملتقى عكس التوجهات الحكومية حول “الحرب الإعلامية” في العاصمة الجزائرية، عن تحسين مضامين الصحافة الوطنية وخاصة العمومية منها، لأنها حتمية في ظل العولمة وانتشار تكنولوجيات الإعلام والرقمنة التي تسيطر على العالم.

وأشار الصحافي مصطفى آيت موهوب في مداخلة بعنوان “تصوير المشهد الإعلامي الجزائري” إلى ضرورة “رد الاعتبار للنموذج الإعلامي الوطني وتحسين فعاليته، من أجل مواجهة التدفقات الإعلامية الخارجية الموجهة غالبا لإحباط معنويات الجزائريين والمساس بمصداقية مؤسسات الدولة الأكثر حساسية”.

وأضاف أن “معركة إنتاج المحتويات الوطنية تسمو على النزعة الرقابية التي تأكّد أنها غير مجدية، لاسيما مع تعميم الإنترنت”. ووجد الإعلام الجزائري نفسه في الفترة الراهنة تحت ضغوط رسمية وشعبية، وتشكيك حول ما يقدّمه للجمهور، وعن وضعه وبيئته القانونية الملتبسة وعلاقته بالسّلطة، والظروف التي يعمل فيها الصحافيون ومستوياتهم المهنية، وسط منافسة من مواقع التواصل الاجتماعي والصحافي. ويمتلك المواطن مساحة حرية أكبر في اختيار ما يراه الأنسب.

وتشوب المشهد الإعلامي في الجزائر الضبابية، رغم تعدّد القنوات التلفزيونية واتساع التناول الإعلامي لمختلف القضايا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إذ ما زالت وسائل الإعلام العمومية بالأخص في عملية مد وجزر بين تلبية ما يطلبه المواطنون، وبين ما تفرضه عليها السلطة السياسية.

السلطات الجزائرية أدركت حاجتها إلى وسائل إعلام عمومية على مستوى من المهنية والجودة لمواجهة الانتقادات الخارجية

ومن حيث الشكل تتنوع الإنتاجات الإعلامية، غير أن المضمون يواجه الكثير من الشكوك والانتقادات، يراها البعض ناجمة عن بعض الظروف السياسية التي أوجدت مشهدا إعلاميا مضطربا وفوضويا.

وتقدر الأرقام الرسمية عدد الصحف بـ162 صحيفة و50 قناة تلفزيونية خاصة، إضافة إلى قنوات حكومية متعدّدة وإذاعات محلية، وعدد كبير من المواقع الإلكترونية، لكن هذا الكم لا ينعكس على تنوع المضامين التي تبثّها وتنشرها هذه المنصات الإعلامية.

وتلجأ وسائل الإعلام أحيانا إلى استبدال النقاش السياسي والدخول في متاهات الصدام مع السلطة والتعرض إلى العقوبات وسحب الإشهار (الإعلانات)، بالتركيز على المحتوى الترفيهي والبرامج المنوعة التي تقدم أحيانا مضمونا ضعيفا جدا، يخالف القوانين والأخلاقيات والأعراف المجتمعية، وبعيدا عن وظائف الرسالة الإعلامية، وفق ما أشارت إليه تعليقات المستخدمين والناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي.

ويبدو أن السلطات الجزائرية أدركت في الوقت الراهن أنها بحاجة إلى وسائل إعلام عمومية على مستوى من المهنية وجودة المحتوى، لمواجهة الانتقادات الخارجية التي تتناول الأوضاع الداخلية بصورة قاتمة، وهو ما تسميه السلطة بـ”الحرب الإعلامية”.

لذلك تحاول السلطات إعادة توجيه اهتمام وسائل الإعلام بالتركيز على القضايا الداخلية بصورة أكثر إقناعا وتلبية اهتمامات الجمهور الداخلي، للحدّ من توجهه نحو المنابر الخارجية، لكن هذه المهمة ليست سهلة في ظل القيود والرقابة المفروضة على وسائل الإعلام.

وقال الأستاذ الجامعي أحمد كاتب إن “غياب المعلومة الصحيحة يفسح المجال للأخبار المغلوطة، التي لا يملك ناشروها أهدافا وطنية”.

وأضاف أن “بعض الأطراف تلعب على المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي من أجل توجيه الرأي العام  فيما لا يخدم المصلحة العامة، وهو ما يفرض إعادة هيكلة الخدمة العمومية من أجل إعلام عمومي قوي”.

ويرى متابعون أن التضييق الذي مارسته السلطات على المواقع الإلكترونية الجزائرية، دفع بالمستخدمين للتوجه نحو وسائل الإعلام الخارجية، وهو الدرس الذي لم تستوعبه الحكومات بعد بصعوبة التحكم بتدفق المعلومات والأخبار في العصر الرقمي.

وأصدرت الحكومة في ديسمبر الماضي المرسوم التنفيذي المحدد لممارسة نشاط الإعلام عبر الإنترنت ونشر الرد أو التصحيح عبر الموقع الإلكتروني، لكن مضمونه لم يحظ بالتوافق في صفوف العاملين في القطاع، ويشكل اليوم عائقا أمام الدور الذي تريد الحكومة من وسائل الإعلام أن تقوم به.

البحث عن إعلام يرتقي إلى تطلبات الشعب الجزائري

وتضمن القانون، شروطا يجب أن تتوفر في الراغبين في إنشاء مواقع إخبارية، وكذلك معايير تخص المحتوى والتفاصيل المتعلقة باستضافة الموقع والنطاق الإلكتروني الذي يعمل منه.

وفي بند التمويل، اشترط المرسوم الحكومي على المؤسسة المالكة للموقع أن تُصرح وتبرز مصدر الأموال المكونة لرأسمالها والأموال الضرورية لتسييرها، وذكّر المستفيدين من دعم مادي مهما كانت طبيعته بأن يكون له ارتباط عضوي بالهيئة المانحة للدعم، ويجب بيان هذه العلاقة مع “منع” الدعم المادي المباشر وغير المباشر الصادر عن أي جهة أجنبية.

ويفرض القانون على الموقع، أن تكون استضافته “مُوَطَّنة حصريا، ماديا ومنطقيا، في الجزائر بامتداد اسم النطاق dz”، ما يعني منع كل أنواع النطاقات الأخرى المعتمدة في المواقع.

كما يشترط القانون ضرورة خلو السجل القضائي لمالك المؤسسة الإعلامية من أي حكم بعقوبة سابقة من جرائم القذف أو السب أو الشتم أو الإهانة أو التمييز أو الكراهية والتحريض عليها، في حين يلتزم بمكافحة المحتوى غير القانوني، لاسيما كل محتوى يتضمن التحريض على الكراهية.

وينص القانون على أنه يجب على مدير الموقع إخطار الجهات المعنية بكل محتوى غير قانوني، والتقيد والالتزام بالتوصيات في مجال أمن تكنولوجيا المعلومات، والالتزام بالنشر المجاني للردود والتصحيحات الضرورية.

وأكد علي مجلدي المتخصص في دراسات الأمن الدولية، على أهمية ضمان الأمن الرقمي في الجزائر، مشيرا إلى ضرورة وضع مخطط وطني لحماية المواطن الجزائري ضد المنصات الرقمية.

من جهة أخرى، يقول صحافيون إن هذه الإجراءات تقيد ممارسة نشاط الإعلام عبر الإنترنت في الجزائر، وبينما تتعهد السلطة بشرعنة عمل المواقع الإخبارية، إلا أن ذلك لا يُبدد المخاوف من ممارسة الرقابة على مضامين المواقع الإخبارية المحلية، خصوصا في ظل حجب عدة مواقع دون سابق إنذار وتنصل الجهات الوصية من تحمل مسؤولية ذلك ورفع الحجب عنها.

ويبدو محتوى الصحافة الإلكترونية في الجزائر مختلفا تماما عن الصحافة التقليدية ومنافسا قويا لوسائل الإعلام المسموعة والمرئية والورقية، ما يُثير حفيظة السلطات التي تتعامل بحذر مع نشاط المواقع الإخبارية، إذ تلجأ إلى آلية الحجب من فترة إلى أخرى، وهو ما تسبب بانعكاسات سلبية على السلطات نفسها.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: