تمر العملة الجزائرية المحلية “الدينار” بأزمة غير مسبوقة من التراجع الحاد، رافقها ارتفاع كبير في أسعار العديد من المواد الاستهلاكية هدد بشكل جدي القدرة الشرائية للمواطنين.
يتوقع قانون الموازنة العام الجزائري لسنة 2021 متوسط سعر صرف بـ142 دينارا لكل واحد دولار، و149 دينارا في عام 2022.
ووفقا للوثيقة ذاتها تتوقع السلطات انخفاضا بواقع خمسة في المئة من قيمة العملة المحلية (الدينار) كل سنة، خلال الأعوام الثلاثة المقبلة مقارنة بالعملات الأجنبية.
وحسب بيانات بنك الجزائر المركزي، بلغ سعر صرف الدينار خلال فبراير 2021 مستوى 132 مقابل الدولار و161 مقابل اليورو. وبلغ متوسط صرف الدينار الجزائري وفق قانوني الموازنة العامة للسنتين 2019 و2020، مستوى 123 و118 تواليا.
وتوقعت الوثيقة إضافة إلى تراجع قيمة الدينار في قانون الموازنة، عجزا غير مسبوق في تاريخ الجزائر فاق 22 مليار دولار.
ويعود تراجع قيمة الدينار الجزائري مقابل العملات الأجنبية، حسب متابعين، إلى تقلص إيرادات البلاد من النقد الأجنبي جراء الأزمة النفطية المستمرة منذ 2014، إذ يعاني اقتصاد الجزائر تبعية مفرطة لعائدات المحروقات (نفط وغاز) التي تمثل 93 في المئة من مداخيل البلاد من النقد الأجنبي وفق بيانات رسمية.
وكان سعر صرف العملة المحلية الجزائرية في بداية الأزمة النفطية منتصف 2014، يساوى 83 دينارا لكل دولار واحد، فيما تبلغ قيمة صرف العملة المحلية حاليا في السوق الموازية 178 دينارا لكل دولار، و210 دنانير مقابل اليورو.
ورُصدت زيادة في أسعار المخبوزات على اختلاف أنواعها والبقوليات (العدس الفاصوليا والحمص)، بعدة أحياء في الضاحية الشرقية للجزائر العاصمة، كما ارتفعت أسعار الأجبان ومشتقات الألبان ما بين 5 و20 دينارا، والزيوت الغذائية بأكثر من 50 دينارا لقارورة بسعة 5 لترات، كما طالت الأسعار المرتفعة المياه المعدنية.
وحذرت المنظمة الجزائرية لحماية المستهلك (مستقلة) قبل أسابيع، من حدوث الأسوأ بسبب ارتفاع أسعار العديد من المنتجات الاستهلاكية، رافقه تراجع في قيمة صرف الدينار الرسمية في البنوك.
وذكر رئيس المنظمة مصطفى زبدي في تصريحات لوسائل إعلام جزائرية، أن ارتفاع الأسعار ليس مرده قاعدة العرض والطلب فقط.
ونسب زبدي جزءا من ارتفاع الأسعار إلى تدني قيمة الدينار، ودعا إلى إلغاء بعض الرسوم المفروضة على المنتجات واسعة الاستهلاك لدفع الأسعار نحو مستوياتها السابقة.
ويرى المحلل الاقتصادي الجزائري سليمان ناصر أن سعر صرف الدينار يحدده بنك الجزائر (المركزي) سنويا، في ضوء مؤشرات اقتصادية، منها الميزان التجاري وميزان المدفوعات ومداخيل المحروقات واحتياطات النقد الأجنبي وغيرها.
وأوضح ناصر أن بنك الجزائر يأخذ بعين الاعتبار من حين إلى آخر، تغيرات أسعار سلة من العملات أهمها اليورو والدولار، باعتبارهما أهم العملات في تجارة الجزائر الخارجية، “لكن بما أن سوق الصرف في الجزائر ليست محررة بالكامل، يبقى تأثير العرض والطلب على العملات الأجنبية وعلى العملة الوطنية ضعيف التأثير في سعر الصرف للعملة المحلية”.
وعن استمرار السلطات الجزائرية في تخفيض مستوى العملة المحلية، يرى المحلل الاقتصادي أن السلطات تعودت منذ سنوات على التخفيض كلما تقلصت أسعار النفط، لتعويض ذلك التراجع ولربح الفرق في سعر الصرف.
وأكد ناصر أنه يمكن إيقاف تدهور الدينار ومعه القدرة الشرائية من خلال تعويم نهائي للدينار خلال فترة محددة لها بداية ونهاية، مع إجراءات مصاحبة.
وأضاف المحلل الاقتصادي “وأهم هذه الإجراءات حماية الطبقات الهشة والضعيفة التي ستكون أكبر متضرر من هذا التعويم، من خلال إصلاح نظام الدعم وتوجيهه لمستحقيه عوض أن يستفيد منه الجميع كما هو مطبق حاليا”.
وتطبق الجزائر سياسة دعم اجتماعي منذ عقود، بلغت قيمتها في موازنة 2021 نحو 17 مليار دولار، وتخصص أموال الدعم لعدة قطاعات وفئات، ويتوزع ما بين دعم مباشر بمبالغ مالية للمعنيين به، وغير مباشر بتحمل الدولة فارق سعر تسويق المنتجات واسعة الاستهلاك وتكلفتها الحقيقية.
ويرى المدير العام الأسبق للرقابة وقمع الغش بوزارة التجارة الجزائرية عبدالحميد بوكحنون أن الارتفاع في أسعار المواد الاستهلاكية مس خصوصا تلك المستوردة، أو التي تعتمد على مواد أولية مصدرها الخارج.
وإضافة إلى تراجع قيمة الدينار، شهدت تكاليف الشحن (النقل) البحري، وفق بوكحنون، ارتفاعا غير مسبوق وصل أحيانا إلى 7 أضعاف ما كان عليه قبل انتشار فايروس كورونا، ما أدى إلى ارتفاع أسعار العديد من المواد الاستهلاكية.
ويعتقد أن انخفاض الدينار ليست له علاقة فقط بارتفاع وانخفاض مداخيل الجزائر من المحروقات، بل هو مرتبط أيضا بنشاطات الإنتاج والوضع الاقتصادي العام، إضافة إلى قرارات مصدرها الدولة، في إشارة إلى قرارات إدارية لخفض قيمة العملة.