هل يتحول المهاجرون إلى كبش فداء لكوفيد- 19 عندما تعيد أوروبا فتح أبوابها؟
يقول لوك ماكجي في تقرير نشرته شبكة “سي إن إن” الأمريكية، إنه مع بدء عمليات التطعيم التي تزحف ببطء في أوروبا، انحرف الانتباه إلى ما سيحدث عندما تعيد دول الاتحاد الأوروبي فتح أبوابها من جديد، فهل سيعود التركيز على مشكلة المهاجرين الشائكة؟
وأشار إلى تغريدة نشرها السياسي البريطاني المتطرف نايجل فاراج الأسبوع الماضي بدون أن يقدم أدلة فيها، حيث قال: “أزمة كوفيد في دوفر” زعم فيها أن قاربا يحمل مهاجرين وصل إلى الميناء الجنوبي في إنكلترا، و”بعد فحصهم كانت نتائج 12 منهم إيجابية”. واتخذت الحكومة البريطانية خطوة سريعة، وردّت مباشرة على مزاعم فاراج قائلة: “هذا ليس صحيحا ولم تثبت إصابة 12 بكوفيد. وتم فحص كل البالغين الذين وصلوا اليوم للتأكد من عدم إصابتهم”. وحذفت شركة تويتر تغريدة فاراج لخرقها قواعد النشر في منصة التواصل الاجتماعي. وعندما حاولت “سي إن إن” الإتصال مع فاراج لم يرد.
وقالت وزارة الداخلية البريطانية، إن الرأي الذي يروج لفكرة نشر المهاجرين لكوفيد-19 “هامشي” إلا أنها قلقة من أشخاص لديهم متابعون كثر مثل فاراج، ومحاولتهم تضخيم الرسالة الكاذبة. ولاحظت الوزارة أن تغريدة فاراج حصلت على تفاعل كبير أكثر من تغريدتها التي صححت فيها كلامه.
واستخدم فاراج موضوع المهاجرين لكي يعزز طموحاته السياسية. ففي أثناء حملات الخروج من الاتحاد الأوروبي في 2016، كشف عن ملصق أظهر طابورا طويلا من المهاجرين إلى جانب شعار “نقطة الانهيار: كيف خذلتنا أوروبا جميعا”. ودافع فاراج عن الملصق من خلال الربط بين النزاع في سوريا والإرهاب. ففي تلك الفترة تدفق آلاف المهاجرين من الشرق الأوسط إلى أوروبا فراراً من النزاعات. وقال فاراج: “عندما يقول تنظيم الدولة إنهم يستغلون أزمة المهاجرين لغمر القارة بجهادييهم الإرهابيين، فهو يعني ما يقول”. وأحيل الملصق الذي ظُللت فيه صورة الشخص الأبيض الوحيد إلى الشرطة للتحقيق بتهمة التحريض على الكراهية. وقال المصور الذي التقط الصورة في المصلق وأخذها عند الحدود السلوفانية- الكرواتية عام 2015 إن الملصق “خان” الناس الذي التقط صورتهم.
ولم يكن فاراج وحيدا في الربط بين كوفيد-19 والمهاجرين بنشر معلومات مضللة عنهم. فقد نشرت “مايغريشين ووتش” أو “مراقبة الهجرة” وهي مؤسسة بحثية تدعو إلى مستويات قليلة من الهجرة، تغريدة جاء فيها أن السلالة الجديدة من كوفيد-19 والتي اكتشفت في جنوب إنكلترا، أدت إلى 61% من الإصابات في البلاد، رغم أنها اكتُشفت في سبتمبر. وفي تلميح عن دور المهاجرين قالت المؤسسة: “كان سبتمبر 2020 هو الشهر الذي شهد أكبر موجات للمهاجرين الذين اجتازوا القنال الإنجليزي… هل هذه مصادفة؟”.
ولا توجد أدلة عن دور للمهاجرين في التسبب أو نقلسلالة جديدة للفيروس. ويخشى الباحثون العاملون في شؤون الهجرة، من استخدام الجماعات الشعبوية فكرة نشر المهاجرين للفيروس بدليل أو بدون دليل، في وقت تعيد فيه أوروبا فتح أبوابها.
وتقول مارينا فريناديز- رينو، المستشارة البارزة بمركز مراقبة الهجرة في جامعة أوكسفورد: “ربما زادت المشاعر المعادية للمهاجرين أثناء التراجع الاقتصادي، حيث سيتم لوم المهاجرين على أخذ الوظائف أو استخدام المصادر العامة مثل الصحة”. ولاحظت أن “المواقف السلبية من المهاجرين لم تنتشر على ما يبدو خلال الأزمة الحالية”. وأضافت محذرة أن الرأي العام وإن انشغل بالتعافي الاقتصادي وإنهاء الإغلاق، لكن هناك أدلة أولية على “زيادة في التمييز ضد المهاجرين الصينيين” بسب الوباء. ولو كان هناك استعداد لدى المواطنين لتوجيه أصابع الاتهام ضد أقلية بعينها، فهم لن يترددوا باتهام الجماعات الأخرى في حال اقتضت الظروف.
ولوم المهاجرين على المشاكل الوطنية ليس أمرا مقتصرا على بريطانيا فقط. وتقول روبرتا ميتسولا، النائبة الأولى للبرلمان الأوروبي: “لقد شاهدنا سياسيين يستخدمون خطابا رخيصا من أجل استخدام الموضوع كهدف سهل”. ففي اليونان، استخدم الساسة الفيروس كمبرر لإغلاق مخيمات المهاجرين، فيما استخدمت المعارضة في إيطاليا وصول المهاجرين لمواجهة الحكومة أثناء الوباء.
وترى ميتسولا أن الطريقة الوحيدة لتحييد الموضوع تتم عبر بناء الثقة في وحدة مراقبة الحدود الأوروبية “فرونتكس”. ويتجاهل معظم النقاش حول الهجرة وكوفيد الصورة الحقيقية وما يحدث على الحدود الأوروبية. وفي مقابلات مع مسؤول أوروبي يعمل في نقاط الحدود، قال إن أعداد المهاجرين في أبريل و مايو 2020 كانت الأدنى منذ عام 2009. وقال إن من حاولوا العبور أثناء الوباء كان يريدون المضي بدون أن يتم اكتشافهم، وذلك لعدم رغبتهم بالبقاء في معسكرات اللاجئين حيث ينتشر الفيروس بسهولة.
وعادة ما تثير معسكرات اللاجئين المشاعر القوية في السياسة الخارجية، فهي جحيم لا يطاق ويواجه فيها الهاربون من محاور الحرب مصيرا غير كريم. وبالنسبة للأوروبيين فهي مصدر للخوف وفيها آلاف الناس الذين يريدون غمر دولهم. وقال مسؤول أوروبي: “هي هدية لفاراج، أناس من أماكن خطيرة ولا يستطيعون ممارسة التباعد الاجتماعي وجاهزون لنقل المرض إلى البلد”.
وفي الوقت الحالي، يدور النقاش حول الهجرة والمهاجرين على هامش السياسة الأوروبية، ومن المحتوم أن يتحول إلى نقاش عام في ظل الانتخابات التي ستعقد في الدول الأوروبية المهمة خلال الـ13 شهرا، وفي هولندا وألمانيا وفرنسا. وفي كل البلدان، هذه يُتوقع حصول الجماعات الشعبوية على أصوات. وقد تكون نتيجة الانتخابات الفرنسية لعام 2022 مواجهة بين الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون، وزعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان.
ومع أن هذه الأحزاب لن تصل إلى السلطة، لكنها أعادت تشكيل أحزاب يمين- وسط الأوروبية، وجرّت رموزاً مثل ماكرون في فرنسا، ومارك روت في هولندا نحو تبني مواقف يمينية في عدد من الموضوعات خاصة الإسلام. وتقول سارة لي لانغ، أستاذة العلوم السياسية بجامعة أمستردام: “أستطيع رؤية سرد بارز يقول إن معظم المواطنين في أوروبا حصلوا على التطعيم وليس المهاجرين القادمين من دول تنتشر فيها سلالات من الفيروس”. و”قد يساعد هذا الشعبويين الذين يريدون التأثير على النقاش حول الهجرة والسيطرة على الحدود بشكل عام”.
وكانت أزمة المهاجرين في 2015 نقطة تحول في السياسة الأوروبية، حيث دخل الملايين ممن هربوا من الحروب والمجاعة القارة، مجبِرين القادة على عقد صفقة مع تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان. ووافق الرجل القوي على منع الهجرة من بلده، ولكن منحه ذلك ورقة ضغط. وتعرض القادة الأوروبيون مثل أنجيلا ميركل ممن اتخذوا قرارات للسماح بدخول المهاجرين للنقد من كل جانب، وبخاصة عندما تحدث جريمة يرتكبها مهاجر أو يغرق قارب يحمل لاجئين يخاطرون بحياتهم للوصول إلى أوروبا.
ولأن الخوف هو وسيلة فعالة بيد السياسيين، فقد يجدون في مرحلة ما بعد الوباء منفعة في استحضار التخويف من المهاجرين كوسيلة لتقوية مصداقيتهم، وأن لديهم القوة لحل أصعب مشاكل القارة.