نزلت قوى الموالاة إلى الميدان لاستجماع شتات أوراقها المترامية تحسبا لدخول استحقاق الانتخابات المبكرة المنتظرة قبل نهاية النصف الأول من العام الجاري، والبحث عن مواقع مناسبة في مشهد جديد بصدد التشكل من قبل فاعلين جدد وتقليديين أعربوا عن دخولهم في المسار السياسي الذي رسمته السلطة الجديدة رغم بقاء نفس معوقات الشرعية الشعبية بسبب استمرار الاحتجاجات في البلاد.
ويواصل الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الحائز على أغلبية المجالس المنتخبة أبوالفضل بعجي حملة ترتيب أوراق الحزب على مستوى القواعد وحشد الأنصار والمتعاطفين تحسبا لدخول معترك الانتخابات التشريعية المبكرة، والحفاظ على ريادة الحزب للقوى السياسية الفاعلة في البلاد.
ويبدو أن الحزب غير مطمئن للتوجهات السائدة في هرم السلطة، حيث لم يحظ أمينه العام إلى حد الآن بدعوة رئاسة الجمهورية للقاء الرئيس عبدالمجيد تبون في إطار المشاورات السياسية، حيث يسود شعور في أروقة الحزب بأن السلطة بصدد نقض الحلف التقليدي بينها وبين جبهة التحرير الوطني، لكن خطاب بعجي لا يزال مواليا وداعما للمسار الذي وضعته السلطة بغية الخروج من مأزق الأزمة السياسية.
ومن ولاية تيندوف في أقصى الجنوب الغربي للبلاد، أين وعد أنصاره بإمكانية تحويل المدينة إلى “دبي” في إشارة إلى انعكاس استثمار منجم “غار جبيلات” الضخم للحديد والصلب على الحياة المعيشية للسكان، شدّ بعجي الرحال السبت إلى مدينة ميلة في شرق البلاد، وتعهد أمام كوادر الحزب بـ”البقاء في صدارة القوى السياسية الكبرى”.
وبرر بعجي ما أسماه بـ”الحملة التي يتعرض لها حزب جبهة التحرير الوطني”، في إشارة إلى الأصوات المتعالية في مختلف الدوائر الداعية إلى “حل الحزب وتحويله إلى متحف للتاريخ كموروث مشترك لجميع الجزائريين” بـ”الأحقاد الدفينة والاستثمار في مكاسب الحزب من أجل الوصول إلى السلطة”.
وقال إن “استهداف التيار الوطني يتجلى في ضرب جبهة التحرير، والمتربصون يعون جيدا المكانة التي يحظى بها الحزب عند الجزائريين في كامل ربوع الوطن، وأنا لم آت لتصفية الحسابات مع أي كان، والقانون الداخلي يلزم الجميع”.
ويحاول الرجل الأول في حزب الأغلبية مغازلة الشارع الجزائري عبر خطاب يبرئ الحزب من ممارسات الحقبة السابقة، والتقريب بينه وبين الحراك الشعبي، رغم أن الأصوات الداعية إلى حل الحزب تنطلق في الغالب من الاحتجاجات الشعبية المستمرة.
حزب جبهة التحرير يحاول مغازلة الشارع الجزائري عبر خطاب يبرّئه من ممارسات الحقبة السابقة والتقارب مع الحراك
ورغم الفجوة التي كرسها خطاب رئيس حركة البناء الوطني الإخوانية عبدالقادر بن قرينة بين فصيله والشارع في منطقة القبائل بسبب اتهامه لها في تصريح سابق بـ”الاستحواذ على الحراك الشعبي”، إلا أن الرجل يواصل خطاب صناعة الخصوم بعدما انتقد من وصفهم بـ”الأقلية”، في حين يوصف هو أيضا بحزب الأقلية وكتلته النيابية في البرلمان المنحل لا تتعدى 15 نائبا.
وصرح بن قرينة السبت بأنه “يعلن كراهيته لثقافة حكم الأقلية للأغلبية وحربه على من يمس مؤسسات الدولة، وأن هناك من يريد خروج الدبابة لقمع المواطنين وتقاسم المغانم في الغرف المظلمة والتعيين والمراحل الانتقالية، وأنه لن يتسامح أبدا مع من يعادي الجزائر”.
وألمح إلى رفضه طرح الذهاب إلى مرحلة انتقالية في البلاد قبل الوصول إلى إقامة المؤسسات الشرعية التي تنادي بها بعض القوى الداعمة للحراك الشعبي والموصوفة بـ”العلمانية”، وقال “إن المنادين بالمراحل الانتقالية يكرهون مؤسسة الجيش كونها منضبطة وساندت الحل الدستوري وتعمل مع باقي مؤسسات الجمهورية ووقفت ضد من يريدون ديمقراطية بدون انتخابات”.
وأضاف في تصريح أدلى به أمام أنصاره في مدينة باتنة “لقد حقق المسار الدستوري استخراج الجمهورية من بين أنياب اختراق السيادة، ونحن نتطلع إلى برلمان منتخب يمثل إرادة الشعب ومجالس ولائية وبلدية بعيدا عن التوجيه”.
ويعد بن قرينة الذي نافس الرئيس تبون في انتخابات الرئاسة المنتظمة في شهر ديسمبر 2019، أحد الوجوه الإخوانية التي تقربت من السلطة خلال الأشهر الأخيرة وبات يشكل أحد الحلفاء الجدد، لاسيما بعدما أبدى خصومة علنية للحراك الشعبي وللقوى السياسية الداعمة له.
وفي المقابل أُعلن السبت في العاصمة عن ميلاد تكتل جمعوي داعم للسلطة تحت يافطة “نداء الوطن”. ويعد تنظيم الكشافة الإسلامية المحسوب على التيارين الإخواني والقومي أبرز القوى المشكّلة للتكتل الذي أشرف على إعلان ميلاده المستشار الرئاسي نزيه برمضان المكلف بملف المجتمع المدني والجالية الجزائرية في الخارج.
وبات المجتمع المدني يمثل ذراعا قوية للسلطة الجديدة في البلاد، ويحظى بدعم مباشر من الرئيس تبون الذي يعول على الجمعيات والمنظمات لتكون شريكا قويا للسلطة، وهو ما أثار امتعاض قوى حزبية عبرت عن رفضها لخلط الأوراق والمهام في مؤسسات الدولة.