المغرب: أزمة داخل الأغلبية الحكومية و«العدالة والتنمية» بين خيار سحب الثقة أو اللجوء إلى المحكمة الدستورية

حنان الفاتحي

تسود حالة من الغضب داخل حزب «العدالة والتنمية» الذي يقود الحكومة المغربية، بسبب اتفاق أحزاب الأغلبية والمعارضة على تمرير تعديل يتيح احتساب «القاسم الانتخابي على أساس المسجَّلين في القوائم الانتخابية عوض المُصوِّتين خلال الاقتراع البرلماني. وتنقسم مواقف إخوان سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة وأمين عام الحزب المذكور، بين الدعوة للاحتكام إلى المحكمة الدستورية وسحب الثقة من الحكومة، ما دامت لم تعد تتوفر على أغلبية تسندها.
وكانت الحكومة المغربية رفضت التعديل الذي تقدمت به أحزاب الأغلبية (باستثناء «العدالة والتنمية) متفقةً مع أحزاب المعارضة، من أجل التضييق على الحزب الإسلامي وحرمانه من تصدر الانتخابات المقبلة مجدّدًا، كما حصل له خلال الاستحقاقين التشريعيين السابقين.
ويرى ملاحظون أن احتساب القاسم الانتخابي على أساس المسجلين في الانتخابات فقط يتيح إمكانية التلاعب بنتائج التصويت، باحتساب غير المصوّتين وحتى الأشخاص المتوفّين.
وعقدت الأمانة العامة لحزب «العدالة والتنمية» اجتماعًا استثنائيًا، مساء الخميس، برئاسة سعد الدين العثماني، عبّرت خلاله عن رفضها اعتماد قاسم انتخابي على أساس المسجلين في اللوائح الانتخابية. واعتبرت في بيان لها أن التعديل الذي تقدمت به بعض الفرق النيابية على مشروع القانون التنظيمي لمجلس النواب ومنها فرق بالأغلبية الحكومية، باعتماد قاسم انتخابي يُحتسب على أساس المسجلين، مقترح غريب لا يوجد له نظير في التجارب المقارنة، ويضرب في العمق الاختيار الديمقراطي، موضحة أن ذلك «ما حدا بالفريق النيابي للحزب إلى التصويت بالرفض على المشروع القانون المذكور في اللجنة النيابية المختصة».
وأكدت أن اعتماد هذا المقتضى فيه مساس بجوهر العملية الديمقراطية وإخلال كبير بالاختيار الديمقراطي الذي ارتضته بلادنا ثابتًا دستوريًا لها، وتكريس للعزوف عن المشاركة السياسية الانتخابية وتعزيز للتوجهات المشككة في جدواها ويسيء بعمق لصورة المؤسسات التمثيلية ومكانة ودور الأحزاب السياسية. كما أكدت على موقف الحزب القاضي بالتصويت ضد مشروع القانون المذكور كما عدلته لجنة الداخلية في مجلس النواب، انسجامًا مع موقفه الأصلي.
وأعلنت أن «العدالة والتنمية» سيعقد دورة استثنائية لمجلسه الوطني، باعتبار هذا الأخير أعلى هيئة تقريرية بعد المؤتمر العام، لتقييم التداعيات السياسية للتطورات الأخيرة. واعتبر البيان أن عقد هذه الدورة الاستثنائية «سيمكن من تحديد الموقف السياسي اللازم والملائم من هذه التطورات دفاعًا عن الديمقراطية والكرامة والتنمية والعدالة الاجتماعية، وتصديًا لما سيترتب عنها من نكوص على عدد من المكتسبات المتحققة منذ اعتماد دستور 2011».
وتعليقًا على التعديل، نقلت صحيفة «المساء» أمس عن مصطفى الإبراهيمي، رئيس فريق «العدالة والتنمية» في مجلس النواب، قوله: «إننا أمام وضع استثنائي، حيث لأول مرة لا تُصوِّت أحزاب الأغلبية على مشروع الحكومة التي رفضت التعديل في شخص وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، وهو ما يعني أن الحكومة فقدت أغلبيتها التي تدعم قوانينها داخل مجلس النواب، ما يفيد إمكانية تفعيل الفصل 103 من الدستور، حيث يمكن لرئيس الحكومة اللجوء إلى هذا الفصل لتفعيله، بناء على قراره لأنه يصعب على حكومة أن تتقدم بمشاريع قوانين ترفضها الأغلبية».
وأوضح أن حزبه سيلجأ إلى تحكيم المحكمة الدستورية، حيث يعتزم وضع مذكرة تكشف «الخروقات الدستورية» لتلك القوانين التنظيمية، مشيرًا إلى أن المشاركة في الانتخابات من مقاطعتها سيحسم فيها «المجلس الوطني» (بمثابة برلمان داخلي للحزب) حين اجتماعه. وأكد أن هناك استياء كبيرًا داخل الحزب بخصوص وضع قاسم انتخابي على أساس المسجلين خلال الانتخابات البرلمانية.
وقال سليمان العمراني، نائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية في تصريح للصحيفة المذكورة، إن قرار الحزب كان برفض التعديل، وقد صوت نوابه بالرفض خلال اجتماع اللجنة، وسيصوت الفريق برفض المشروع كاملًا خلال الجلسة العامة، مشيرًا إلى أن النقاش مطروح داخل الحزب حول ما العمل بعد هذا التعديل غير الديمقراطي والذي يمس السمعة المؤسسات.
ولفت الانتباه إلى أن الحكومة لم تأت بهذا التعديل، بل تقدمت به فرق المعارضة والأغلبية. والمثير ـ كما يقول ـ هو أن تتقدم به فرق الأغلبية ضدًا على الحكومة، حيث رفض وزير الداخلية التعديل، لكن الأغلبية صوتت لصالحه ضدًا على الحكومة التي تعد ممثلة لها ووفية لاختياراتها وداعمة لقراراتها، وهو ما يفيد بأن الحكومة فقدت أغلبيتها داخل مجلس النواب، في سابقة من نوعها.
وعن إمكانية تفعيل رئيس الحكومة للفصل 103، أفاد أن الخيارات الدستورية مطروحة، مشيرًا إلى أن النقاش مفتوح بين أعضاء حزب «العدالة والتنمية» وأن الموضوع سيُطرح للنقاش داخل المجلس الوطني. وأضاف أن النقاش حاليًا مطروح بين الأفراد، وهناك من عبّر عنه علانية، ولحد الآن لا نقاش مؤسساتيًا حول هذا الخيار الدستوري.
وينصّ الفصل 103 من الدستور المغربي على أنه «يمكن لرئيس الحكومة أن يربط، لدى مجلس النواب، مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها بتصويت يمنح الثقة بشأن تصريح يدلي به في موضوع السياسة العامة، أو بشأن نص يطلب الموافقة عليه… ولا يمكن سحب الثقة من الحكومة، أو رفض النص، إلا بالأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب. ولا يقع التصويت إلا بعد مضي ثلاثة أيام كاملة على تاريخ طرح مسألة الثقة.
ويؤدي سحب الثقة إلى استقالة الحكومة استقالة جماعية».

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: