علاء الدين دوغرو: لم يكتف صحافيون وإعلاميون وسياسيون بإظهار عدائهم للإسلام والمسلمين في فرنسا، بل تباروا في فبركة أكاذيب وافتراءات وصلت حد الفجاجة.
وكأن هؤلاء يتحدثون عن دين ظهر فجأة في المجتمع الفرنسي ولا يعرفه أحد، ونسوا أو تناسوا أن هناك أكثر من ملياري شخص في العالم يدينون بالإسلام.
وفي إطار اعتماد مشروع قانون “الانفصالية” الذي يرى كثيرون أنه يستهدف المسلمين في فرنسا، كانت التصريحات والخطابات المعادية للإسلام والمسلمين (أو ما يعرف بالإسلاموفوبيا) التي انتهجها هؤلاء لها دور مؤثر في زيادة هذا العداء.
وأثرت تلك التصريحات التي تتعارض مع حقيقة الإسلام في شاشات التلفزيون الفرنسي، تأثيرا ملحوظا خلال مرحلة إعداد مشروع قانون “الانفصالية”، حتى إقراره من قبل الجمعية الوطنية (الغرفة الأولى للبرلمان)، في قراءة أولى، بعد تغيير اسمه إلى قانون “مبادئ تعزيز احترام قيم الجمهورية”.
مفهوم “الحلال” اختراع جديد
يزعم الصحافي ومقدم البرامج التليفزيونية فرانز أوليفير غيزبرت، أن مفهوم “الحلال” لم يكن موجودا قبل 30 عاما، و”إنما هو أمر مستحدث، وجدار أقامه السلفيون، والإخوان المسلمون، والخميني (مرشد الثورة الإيرانية 1902 ـ 1989)، لفصل المسلمين الذين يعيشون في الغرب عن المجتمع”.
ورغم أن الإسلام يكره التطير والتشاؤم، ادعى وزير التعليم الفرنسي جان ميشيل بلانكير، أن “الطلاب المسلمين يرفضون حضور الدروس في الفصول التي تحوي أثاثا أحمر، لأنهم يعتبرونه لون الشيطان”.
وزعم بلانكير أنه يتم “إيداع الفتيات الصغيرات من المسلمين في مستودعات تقوم بغسل عقولهن وهن في الثالثة، وأن الأطفال الذكور يرفضون مسك أيدي الفتيات في المدرسة”.
وسبق أن ادعت وزيرة المواطنة الفرنسية مارلين شيبا، في تصريح، أن الأئمة المسلمين “يرون أنه يجب رجم النساء اللاتي يستخدمن العطور”.
“الله أكبر” والحجاب بدعتان
عبارة “الله أكبر” يرددها جميع المسلمين في الأذان، وأول ما يقولونه عند دخولهم في الصلاة، لكن الإعلامي الفرنسي ستيفان روز، زعم أن من سماهم “الإسلاميين” هم الذين يرددونها فقط.
كما ادعت الصحافية أوجين باستي، أن الحجاب بدعة استحدثها “الخميني”، وأن “الإخوان المسلمين” اتبعوه في ذلك.
وزعم جوردان بارديلا، الرجل الثاني في حزب التجمع الوطني الذي تترأسه مارين لوبان زعيمة اليمين المتطرف، أن “الفتيات المسلمات لا يظهرن في الصور التذكارية حتى لا يخلعن الحجاب”، واصفاً ذلك بـ”الانفصالية”.
تحالف “الكلاشينكوف والقرآن”
وطوال مرحلة إعداد مشروع القانون وحتى إقراره من قبل الجمعية الوطنية، أدلى الصحافي والكاتب إريك زمور، أحد المعروفين بمعاداة الإسلام في فرنسا، بعدة تصريحات وصف فيها الإسلام والمسلمين بـ”التطرف”.
ورغم أن زمور لا يجد مشكلة في تناول اليهود للطعام الحلال “الكوشر” في مدارسهم، فإنه ينتقد المسلمين الذين يدرسون في مدارس الدولة، ويزيد عددهم على اليهود عشرة أضعاف، لأنهم لا يجلسون على موائد تحوي لحم الخنزير في المدارس، ولا يأكلونه.
ويذهب الكاتب الفرنسي إلى أبعد من ذلك في هجومه على الإسلام، زاعما أن القرآن الكريم يأمر بـ”قطع” رقاب اليهود والمسيحيين، وأن النبي محمدا (صلى الله عليه وسلم) قام بهذا في حق العديد منهم.
ويرى أن البلديات في ضواحي المدن الفرنسية الكبيرة تترك أمر النظام بيد تجار المخدرات، والأمن لأئمة المسلمين، مدعيا أن هناك تحالفا في تلك المناطق بين المسلمين والمسلحين، أو بين “القرآن والكلاشينكوف”، على حد تعبيره.
ويستعذب زمور مذاق أكاذيبه الفجة، ويدعي أن المسلمين يشعرون بالنقص حينما يرون المنتجات المتحضرة والحديثة التي اخترعها الأوروبيون.
أما الصحافي ومقدم البرامج التليفزيونية باسكال براود، فانتقد على الشاشات المسلمات لأنهن “يبحثن عما يشترينه من المحال التجارية إن كان حلالا أم لا”.
كما ادعى قيام الأطفال في مدرسة بمنطقة سين سان دينيس (شمال باريس) بتقسيم مقاعدهم إلى صفين، أحدهما لغير المذنبين ويجلس فيه المسلمون، والثاني للمذنبين وهو مخصص للباقين.
وزعم المتخصص في العلوم السياسية غيل كيبيل، أن هناك ندوات بالجامعات يوصف فيها غير المسلمين بأنهم “كفار”.
“تطهير الطالبات”
وفي نموذج للتصريحات المتطرفة على شاشات التلفزيون الفرنسي، ادعى ديديه لومير، معلم الفلسفة المعروف بعدائه للإسلام، بأن هناك آباء وأمهات يرشون بناتهم بالمُطهرات عند العودة من المدارس، نظرا لوجودهن في مكان واحد مع غير المسلمين.
وأعرب البروفيسور باسكال أستاغنيو عن موقفه المعادي للإسلام زاعما بأن “البصق على الأرض” يعد طقسا دينيا للمسلمين في رمضان.
كما اعتبر السياسي جان بيير شيفينمان، أن “السيدة التي ترتدي الحجاب تود إيصال رسالة مفادها أنها يمكن أن تتزوج فقط برجل مسلم، وهذا موقف انفصالي”.
أما السياسية ناتالي كوشيوسكو موريزي، فقالت إن “عشرات الطلاب المسلمين في مدينة مولوز (شمال شرق) يتأخرون يوميا عن موعد المدرسة بسبب أدائهم صلاة الصبح”.
“آثار السجود على جباههم”
واستخدمت أستاذة التاريخ باربارا لفيبفري، صلاة المسلمين حجةً في حديثها حول الانفصالية، مدعية أن “الإسلاميين يقضون أغلب أوقاتهم في السجود كي تظهر آثار على جباههم”، زاعمة أنهم “يفعلون ذلك لكي يحظوا بتقدير واحترام المجتمع المسلم”.
كما أعرب ماير حبيب، عضو الجمعية الوطنية الفرنسية، عن تأييده مبادرات حظر الحجاب للفتيات أقل من 18 عاما، واستنكر ذهابهن إلى المدرسة وهن يرتدينه.
مقدم البرامج أرفين ناولو، ادعى أن المسلمات في الحي الذي يسكن به يخرجن “لاصطياد” اللاتي لا يصمن في رمضان، وأن المسلمين “يغلقون المحال التي تبيع لحم الخنزير”.
وحاول السياسي لورانس مارشاند تايلاد، ربط أحداث “السترات الصفراء” بالمسلمين قائلا: “يجب النظر فيما إذا كان الإخوان المسلمون وراء استراتيجية ذوي السترات الصفراء لنشر عدم الاستقرار في فرنسا”.
وانطلقت حركة “السترات الصفراء” في فرنسا عام 2018، للتنديد بارتفاع أسعار الوقود وتكاليف المعيشة، ثم امتدت مطالبها لتشمل إسقاط الإصلاحات الضريبية، إلى أن تطورت الأمور فيما بعد لتصل إلى المطالبة باستقالة الرئيس إيمانويل ماكرون.
وفي 16 فبراير الماضي، أقرت الجمعية الوطنية في فرنسا، مشروع قانون “الانفصالية” بعد تغيير اسمه إلى قانون “مبادئ تعزيز احترام قيم الجمهورية”.
وواجه مشروع القانون انتقادات من قبيل أنه يستهدف المسلمين في فرنسا، ويكاد يفرض قيودا على كافة مناحي حياتهم، ويسعى لإظهار بعض الأمور التي تقع بشكل نادر وكأنها مشكلة مزمنة.
وبموجب مشروع القانون، سيتم تعزيز الرقابة على الجمعيات وتمويل الأنشطة الدينية.
وتقول الحكومة إن الغاية منه “تعزيز مبادئ الجمهورية” في مواجهة أخطار عدة، أولها ما تسميه “التطرف الإسلامي”، وتم إقرار مشروع القانون في قراءة أولى، بموافقة 347 نائبا، مقابل رفض 151، في حين امتنع 64 عن التصويت.
وتعد فرنسا من أكبر الدول الأوروبية من حيث حجم الجالية المسلمة، وحتى منتصف 2016 كان يعيش فيها نحو 5.7 ملايين مسلم، بما يشكّل 8.8 في المئة من مجموع السكان، وفق مراقبين.