تتجه السلطة الجزائرية إلى فرض المزيد من الإجراءات المتشددة تجاه المعارضين لها، بإعداد مشروع قانون سيطرح على مجلس الوزراء قريبا، يتعلق بتجريد ناشطين معارضين من جنسيتهم الجزائرية، في خطوة تدفع إلى المزيد من الاستقطاب وتقليص فرص انفراج الأزمة السياسية.
وأعلنت الحكومة الجزائرية، الأربعاء، أنّها بصدد إعداد مشروع قانون يجيز نزع الجنسية من المواطنين الذين يرتكبون في الخارج “أفعالاً تُلحق ضرراً جسيماً بمصالح الدولة أو تمسّ بالوحدة الوطنية” أو يتعاملون مع “دولة معادية” أو ينخرطون في نشاط “إرهابي”.
وأثار إعلان الحكومة عن مشروع القانون، جدلا صاخبا في دوائر سياسية وحقوقية معارضة للسلطة، واعتبرته خطوة في مسار متشدد يدفع بالبلاد إلى المزيد من الاحتقان والاستقطاب بين طرفي الأزمة، كونه ينطوي على توظيف حق مشروع في تصفية الحسابات السياسية.
وزير العدل بلقاسم زغماتي قدم مشروعا تمهيديا لقانون ينصّ على استحداث إجراء للتجريد من الجنسية الجزائرية، الأصلية أو المكتسبة
وتوجهت الأنظار إلى عدد من الناشطين والتنظيمات المعارضة في الخارج، لاسيما بعض العواصم الأوروبية، كباريس ولندن وجنيف وإسطنبول، التي يقيم فيها هؤلاء طيلة العقود الماضية، ويخوضون حملات مستمرة مناوئة للسلطة وداعمة للاحتجاجات السياسية التي دخلت عامها الثالث.
ودخلت حالة الاستقطاب بين السلطة والشارع المنتفض في الجزائر، مرحلة جديدة منذ الثاني والعشرين من فبراير المنقضي، حيث طفا إلى السطح أفعال وردود أفعال أكثر راديكالية وتشددا من طرف المحتجين في الشوارع، أو من طرف السلطة التي تعمل على تشديد قبضتها على المناوئين.
وذكرت برقية لوكالة الأنباء الرسمية، بأن “وزير العدل بلقاسم زغماتي قدم خلال جلسة مجلس الوزراء مشروعاً تمهيدياً لقانون ينصّ على استحداث إجراء للتجريد من الجنسية الجزائرية، الأصلية أو المكتسبة، يطبق على كل جزائري يرتكب عمداً أفعالا خارج التراب الوطني من شأنها أن تُلحق ضررا جسيما بمصالح الدولة أو تمسّ بالوحدة الوطنية”.
وأضافت أن “الإجراء يطبق أيضا على الشخص الذي ينشط أو ينخرط في منظمة إرهابية، أو يقوم بتمويلها أو تمجيدها، كما يطبق على كل من تعامل مع دولة معادية”.
ويلمح مشروع القانون، إلى ناشطين وتنظيمات ناشطة في عواصم أوروبية، تمت الإشارة إليها في بيانات وتعاليق صادرة عن مصالح أمنية محلية أو وسائل إعلام حكومية أو مقربة منها، خلال الأيام القليلة الماضية، لما أشارت إلى “ظهور شعارات استغلت مظاهرات شعبية لتمرير رسائل إرهابية تهدد أمن وسلامة البلاد”.
وتحوّل عدد من الناشطين المقيمين في الخارج إلى مصدر تعبئة شعبية للجالية في مختلف العواصم والمدن الأوروبية، إلى جانب حشدهم المستمر للرأي العام في الداخل عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وذهبوا إلى تقديم روايات وملفات توصف بـ”السرية” عن واقع إدارة شؤون البلاد في هرم السلطة.
وذكر موقع “الجزائر اليوم” الإخباري، بأن “الأمر يتعلق بمنظمات وشخصيات” وصفها بـ”الإرهابية”، على غرار حركة “استقلال القبائل” التي يقودها فرحات مهني، بباريس، وحركة “رشاد”، التي ظهرت في لندن منذ العام 2007، ويقودها مناضلون ينحدرون من جبهة الإنقاذ الإسلامية المنحلة، إلى جانب ناشطين آخرين مستقلين.
ومنذ العام 2013، دخل العشرات من الناشطين السياسيين والإعلاميين من مختلف التيارات الفكرية والأيديولوجية في حملة مضادة للسلطة، وتحولت بعض المنابر إلى منصة معارضة للسلطة خاصة خلال السنوات الأخيرة، حيث ظهر نوع من التقارب بين العلمانيين والإسلاميين والمستقلين، لكن الشعارات الأخيرة التي رددت في المسيرات الشعبية، كـ”مخابرات إرهابية، تسقط المافيا العسكرية”، أعادت مناخ ما قبل العشرية الدموية (1990- 2000) إلى الأذهان.
غير أن خطاب شحن الحراك الشعبي بالأيديولوجية الإسلامية، كما قدمته رئيسة حزب العمال اليساري لويزة حنون، في تصريحها الأخير للتلفزيون الحكومي، لما ذكرت بأن “التيار الظلامي يحاول الهيمنة على الحراك الشعبي (الإسلاميين)”، اصطدم بقراءات متناقضة.
وفيما أشار حزب حركة البناء الوطني الإخواني، على لسان رئيسه عبدالقادر بن قرينة، بأن “الحراك استحوذت عليه (الدشرة)” في إشارة للأمازيغ، صرح رئيس حركة مجتمع السلم عبدالرزاق مقري، بأن “الحراك استحوذ عليه التيار العلماني”. وهي قراءات متضاربة تنطوي على تخبط السلطة والقوى الموالية لها في تقديم رواية دقيقة لما يحدث في الشارع الجزائري، خاصة خلال الأسابيع الأخيرة، الأمر الذي يعزز شرعية الاحتجاجات، بحسب المعارضين للسلطة.
وتبدي الجزائر في السنوات الأخيرة تشددا تجاه منح الجنسية، لاسيما في مسألة شغل مناصب عليا في الدولة، حيث اشترطت التعديلات الدستورية للعامين 2016 و2019، ضرورة حيازة المرشح لمنصب الرئاسة وحرمه على الجنسية الجزائرية الأصلية، وهو ما قطع الطريق على ناشطين مغتربين بجنسيات مزدوجة أو اضطرهم للتنازل عن جنسيتهم الثانية، على غرار الناشطين رشيد نكاز وعلي بن واري.
وتذكر إحصائيات متطابقة بأن للجزائر جالية مهاجرة تقدر بنحو 6 ملايين نسمة تقيم في مختلف المدن والعواصم العالمية، ويتواجد أغلبها (أربعة ملايين) في فرنسا، ويعيب هؤلاء على السلطة تشددها تجاههم بمسمى الوطنية والسيادة القومية، واعتبروا شرط الجنسية في شغل المناصب العليا، عملية إقصاء ممنهجة، قبل أن تتحول إلى تصفية حسابات سياسية.