من يحجب من في الجزائر: الحراك أم الفساد؟ وهل هيفاء وهبي ومحمد رمضان جديران بالترويج للتراث؟

سبابو

بعد عودة الحراك في عامه الثاني، أعطيت له صفة «المبارك» وأصبح يوما وطنيا رسميا، لقد عاد الشعب ليصدح في الشوارع بشعارات قوية ينفّس بها عما يعيشه، لكن بمجرد تفرق الجماعات الحراكية يعود روتين الفساد لمواقعه ليشل حلم «الجزائر الجديدة». الدولة التي التهبت فيها الأسعار وازدادت البيروقراطيات تفشيا، وتغول من لا يؤمنون بشيء سوى مصالحهم وجيوبهم. وليذهب المواطن البسيط إلى جحيم البطالة والغلاء وتوحش الإدارات وأرباب العمل.
فبينما يمكن الحكم بالسجن ثلاث سنوات وغرامة مقدارها مئة ألف دينار لسائق الشاحنة الشاب، الذي كان من سوء حظه أن تسبب في اصطدام سيارته، بسيارة الأمن ما جعل الحكم عليه سريعا. لم يكن يحدث هذا لمن تسببوا في حوادث أدت إلى ازهاق ارواح بريئة، ولم يكن في مقدور أي «رادار» أو أحد تصوير سيارة أبناء النافذين وأصحاب السلط الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، الذين تسيرون كالعادة بطرق جنونية ويدهسون الجميع.
في زمن الحراك تعود معه تصريحات السياسيين التي تثير سخط الشعب وتتناقلها منصات التواصل كتصريح عبد القادر بن قرينة، الذي أتى «يكحلها فعماها» عندما أراد أن يمدح الحراك، لكنه وقع في المحظور فقال: «الحراك المبارك جاء ضد حراك الدشرة، لا نخاف من الديمقراطية بل من ثقافة الدشرة»!
كذلك تابع الجزائريون التعدي على الدستور بالكلام بالفرنسية وتجاهل اللغات الوطنية، من طرف وزيرة البيئة الجديدة القديمة، دليلة بوجمعة، التي استلمت مهامها في مشهد أثار حفيظة رواد مواقع التواصل الاجتماعي. وهي تحاول تقبيل الوزير المنتدب المكلف بالبيئة الصحراوية حمزة آل سيدي الشيخ السابق، وتطلب منه إن كان ذلك يجوز أو لا يجوز. لكن لم يهتم أحد بالقول إن ما فعلته الوزيرة لا يجوز، ليس دينيا ولا أخلاقيا، لكن صحيا، التقبيل والعناق لا يجوزان في زمن كورونا، لا سيما وحالات الإصابة بسلالة كورونا البريطانية بدأت في الظهور هنا. لا يجوز لمعاليها، وهي التي أفنت حياتها في خدمة البيئة، كما تقول، أن تخترق أبسط بروتوكولات المحافظة على الصحة العامة، لا يجوز لأنها مسؤولة وتمثل سلطة وقدوة، فهل فرحة المنصب تنسي هم الوباء والإجراءات الاحترازية لتفاديه؟
كيف تؤجل أفراح الشعب البسيط إذن، والذي لا يمكنه أن يقيم فرح ليلة إلا بعد تدبير سنة. وتشمع قاعات الأفراح وتجر مواكب العروسين إلى مراكز الشرطة؟!

عصافير وزارة الثقافة

بعد ضجة استقدام فنانين عرب للترويج للسياحة واللباس التقليدي الجزائري، خاصة هيفاء وهبي ومحمد رمضان وتصريحاتهما عن الجزائر في أعقاب الضجة، التي رافقت مباراة الجزائر ومصر في مونديال 2010 ها هي وزارة الثقافة تتنصل من المسؤولية و«تنفي الخبر جملة وتفصيلا كعادتها. ودائما لا يوجد دخان من غير نار في الشؤون الثقافية والفنون. ولا يمكن لمصممة أزياء أن تتخذ خطوة تنظيم تظاهرة في هذا الحجم وتحميلها القضية.
تناقل الخبر بعض المواقع والالكترونية مثل جريدة «النهار» و«الجزائرية وان» التي عنونت الموضوع بـ«الفنانون العرب قريبا في الجزائر» حيث جاء في مستهل الخبر أن «وزارة الثقافة أعلنت عن المهرجان الجزائري الدولي للتراث والسياحة، قريبا وبحضور أبرز الفنانين العرب، الذين سيشاركون في هذا المهرجان لإحياء هذه التظاهرة في إطار التراث الشعبي الجزائري وقيمته في باقي الدول العربية».
في الحقيقة أن هناك من يروج للسياحة ولكل التراث الثقافي الجزائري من العرب المتواجدين في الجزائر بطريقة جيدة وفيها من الدقة والتفاني ما يغنينا عن هكذا تظاهرات تأتي على الأخضر واليابس في ظل الأزمات التي تعصف بالاقتصاد وحياة المواطنين، مثل ما يقدمه الشاب المصري حمدي شجيع على قناته على اليوتيوب (الجزائر بعيون مصرية) وزياراته لمختلف المدن الوطنية، واتقانه للهجة الجزائرية، والذي انتفض بدوره على قدوم محمد رمضان وهيفاء وهبي للترويج السياحي والثقافي في برنامج «صرا ما صرا» على قناة «لينا» واعتبر ذلك ترويجا للفسق والإنحلال وللمسخرة في البلاد. وأن زيادة البلطجة والتحرش في مصر بسبب أفلام محمد رمضان والسبكي». فعلا نحن نروج للسياحة والثقافة بطرق خاطئة. ومن الأفضل تفادي مثل هذه الأخطاء قبل وقوع الفأس في الرأس.
كذلك، وكما جاء في بيان وزارة الثقافة على صفحتها على فيسبوك، بأنها منصبة على مراجعة خارطة المهرجانات، وإعادة ضبط التظاهرات الكبرى، وفق دفتر شروط جديد، بما يحقق الأهداف المحلية والدولية.
وكانت القضية قد فتحت في عهد الوزير السابق عز الدين ميهوبي، الذي قلص من حجم المهرجانات وألغى بعضها ممن كانت تستهلك ميزانيات ضخمة كالمهرجان الدولي للفنون في تمنراست.
أما العصفور الثالث في جراب الثقافة، فهو القول إن «الوزيرة مليكة بن دودة مستمرة في محاربة كافة أشكال الفساد وإرساء قواعد العمل وفق الشفافية التامة داخل القطاع. وتفنيدها لإقالة مدير عام الوكالة الوطنية لتسيير المشاريع الثقافية الكبرى، وما أشيع حوله من مغالطات.
ويطول البيان في إبراز قواعد الشفافية وآلياتها، لتصل للمطلوب وأن «وزارة الثقافة والفنون تؤكد الاحتفاظ بحقها في اتخاذ كل الوسائل القانونية الممكنة، لمتابعة الجهات التي تعمد تضليل الرأي العام بارتكاب أفعال يمكن أن تشكل جرائم القذف أو الإهانة عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وكل من يعمل على عرقلة عملية محاربة الفساد، التي باشرتها الوزارة والمفتشية العامة». ننتظر أن تسمى هذه الجهات التي تضلل الرأي العام ومن تعرقل عمليات محاربة الفساد بأسمائها للبدء بالشفافية المعلن عنها أولا، بينما تناقلت منصات التواصل الاجتماعي أن اقالة المسير للوكالة الوطنية للمشاريع الثقافية الكبرى لأنه قدم ملفات فساد بالوكالة للوزيرة، وهذا سبب اقالته. كأنه «جزاء سنمار» في أحوال التبليغ عن الفساد في قطاع الثقافة أو كأن من يبحث في الفساد المنتشر في مؤسساتها كمن يلعب بالنار فتحرقه. أما الشفافية في قطاع مثل الثقافة فلا يمكنها أن تشف عن فساد مستشر في مفاصلها، فمن أول ملف ثقيل تتمزق شرنقة الشفافية وتغوص الملفات في ظلمة حالكة.

اختفاء اليوتيوبر

فكري بن شنان الشاب البالغ من العمر 24 سنة. صانع محتوى وفيديوهات فكاهية على منصات اليوتيوب والانستغرام، والمعروف باسم «فكرينهو» الاسم الذي اختاره لنفسه تحت تأثير الأسماء المشهورة على وزن «كريستيانو» كما عبر عن ذلك على قناته. ما زال «فكري» مفقودا بعدما خرج الأربعاء الماضي إلى غابة كانستال للقيام برياضته المعتادة، لكنه لم يعد، بينما وجدت سيارته البولو. الكل هب للبحث عنه من درك وأعوان حماية مدنية، حيث بلغ عددهم 100 متعاون يمشطون الغابة، إضافة إلى رفقائه وزملائه وأصدقائه من اليوتوبرز وغيرهم.
كما ناشدت والدته الجزائريين للبحث عنه، قائلة حسب قناة «أخبار الجزائر»: «فكري هو إبني الحبيب كل ما أملك في هذه الحياة، لا أريد فقدانه لأن قطعة من قلبي سوف تسقط. كنت أستعد لتزويجه قريبا من أجل أن أرى ذرية إبني الحبيب. أرجوكم أعينوني على إيجاده، من يعرف أي معلومة عنه فليتكرم بالاتصال بي».
ما زال البحث عن الشاب متواصلا وكل الإمكانات سخرت لذلك. وما زال سبب الاختفاء غامضا. هل بسبب محتوياته الفكاهية والتي قد تكون ذات بعد سياسي واجتماعي، أم لأسباب أخرى في ظل العنف المتنامي في المجتمع؟
كل ما نرجوه هو أن يعود الشاب فكري سالما لأهله ولمتابعيه.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: