عمال الحمامات التقليدية في المغرب ينتظرون الخلاص من الجائحة

أردان ماجدة

لا تزال جائحة كورونا ترخي بظلالها السلبية على فئة واسعة من المشتغلين في الحمامات التقليدية بالدار البيضاء، وهي في الغالب من الفئات الهشة التي أضحت تجد مشقة كبرى في تدبر أمور حياتها اليومية.

لم يكن يخطر ببال عبدالله، العامل في أحد الحمامات التقليدية بالعاصمة الاقتصادية، أن تشتد وتطول الأزمة الصحية التي عمت كل أنحاء العالم لتتسبب في إغلاق مصدر عيشه، فيجد نفسه هو والعديد من زملائه في المهنة يواجهون مصيرا صعبا وحياةَ ضنكٍ بعد فقدان مورد رزقهم الوحيد.

هذا الرجل البسيط الذي يقدم إلى الزبائن مجموعة من الخدمات يمتهن مهنة “الكيّاس”، وتسمى أيضا “الكسّال” أو “الطيّاب” في المغرب العربي.

وتلقى مهنة الكياس إقبالا مكثفا من قبل المغاربة، وتمتهنها فئة واسعة من الرجال والنساء على حد السواء، ممن يكدون من أجل إعالة أهاليهم وذويهم، غير أنه بمجرد إغلاق الحمامات في الدار البيضاء وفي عدد من المدن الأخرى نتيجة ارتفاع أعداد المصابين بفايروس كورونا أصبح الكثير منهم يتدبرون أمور عيشهم بالاعتماد على مساعدات محدودة، فيما القليل منهم انتقلوا إلى مزاولة مهن أخرى.

ويسر عبدالله بأنه قبل الجائحة كان يشتغل في حمام الحي ويكتفي بما يتقاضاه من زبائنه في الحمام لتغطية المصاريف اليومية، إلا أن تفشي الوباء أدى إلى إغلاق الحمام، فأصبح دون مورد رزق، سوى ما يجود به بعض الزبائن السابقين والمحسنين.

الدار البيضاء وحدها تضم ما يقارب أربعة آلاف حمام تعاني من هشاشة الوضع وصعوبة توفير حاجات مشغليها اليومية

وبرّر عبدالله البالغ من العمر 55 سنة اضطراره إلى تلقي هذه الإعانات بعدم تمكنه من إيجاد فرصة عمل بديلة في ظل هذه الأزمة الصحية التي أثرت على جميع مناحي الحياة، موضحا أن تقدمه في السن لا يؤهله لولوج عمل آخر.

وعبر عبدالله الذي يعيل أسرة تتكون من زوجة وأربعة أبناء عن أمله في أن تعود الحياة إلى سابق عهدها ويُسمح للحمامات التقليدية بأن تفتح أبوابها في أقرب وقت أمام زبائنها الذين أصبح الكثير منهم يشدون الرحال إلى المدن المجاورة للاستحمام.

وعن واقع هذا القطاع في ظل الجائحة أوضح رئيس الجامعة الوطنية لجمعيات أرباب ومستغلي الحمامات التقليدية بالمغرب ربيع أوعشى أن الأزمة الصحية غير المسبوقة أثرت سلبا وبشكل كبير على قطاع الحمامات، مضيفا أن التداعيات تطورت إلى حد أن الإفلاس أخذ يتربص بالعديد منهم.

وقال إن هذه الوضعية العصيبة التي جثمت على العديد من القطاعات، منها الحمامات، لم تقف عند هذا الحد بل “تفاقمت بسبب سوء التقديرات وغياب الحوكمة المطلوبة لحماية والحفاظ على الحمامات التي تشغل عددا مهما من اليد العاملة، غالبيّتها لا تستفيد من التغطية الصحية”.

وحسب رئيس الجامعة فإن جهة الدار البيضاء – سطات وحدها تضم ما يقارب أربعة آلاف حمام تعاني من هشاشة الوضع وصعوبة توفير حاجات مشغليها اليومية.

وسجل أن تدبير القطاع لم “يكن في مستوى تطلعات أرباب ومستغلي الحمامات التقليدية، خاصة على المستوى المحلي بمدن الدار البيضاء وفاس والقنيطرة وأكادير”، موضحا أن “قرار الإغلاق ظل قائما دون الأخذ بعين الاعتبار ما تعرض له القطاع من أضرار جسيمة”.

وأشار إلى أن عملية إعادة تشغيل الحمامات تتطلب نفقات إضافية لإصلاح الأضرار التي لحقت بالبنايات والتجهيزات جراء التوقف عن العمل لمدة طويلة، ولاسيما الصهاريج والصنابير التي تعرضت للتلف.

وتبدو الفئة المتأهبة للتوجه إلى الحمام بمجرد فتحه واثقة من قدرتها على احترام مختلف الإجراءات الاحترازية التي تقيها العدوى بفايروس كورونا، ومتأكدة من قدرة أرباب الحمامات على تطبيق توجيهات السلطات المعنية التي ستسهر بكل تأكيد على تتبع تنفيذ قراراتها.

في مقابل ذلك تسود حالة من الخوف في صفوف عمال الحمامات باعتبارهم الفئة التي ستكون الأكثر احتكاكا بالمستحمين وقربا منهم في حال العودة إلى العمل.

تقول نعيمة -وهي كياسة في أحد الحمامات- إنها لا تعرف تفاصيل عن الإجراءات التي سيتم اتباعها لضمان سلامتها وسلامة مرتادي الحمامات. وفي انتظار اتضاح الرؤية تقول نعيمة إنها متخوفة بعض الشيء من الأمر، وخاصة أنها حامل في شهرها السادس، مضيفة أن عملها ليس سهلا لأنه مرتبط بالأشخاص الذين يختلفون عن بعضهم البعض من حيث الطباع، حيث تضطر إلى تحمّل تصرفات بعض النساء سريعات الغضب أو كثيرات الشكوى، كما تضطر إلى الصبر عليهن وتجاوز بعض الممارسات.

وتضيف “في بعض الأحيان تتجاوز إحدى الزبونات حدودها عندما تعتقد أن الكياسة خادمة لديها. في هذه الحالة أمتنع عن خدمتها”.

وبخصوص المبادرة التي أعلن عنها مؤخرا بشأن تعويض مستخدمي الحمامات التقليدية التي تم إغلاقها جراء تفشي الجائحة عن فقدان عملهم اعتبر أوعشى أن الأمر يتعلق بـ”التفاتة تبرز حسن النية من قبل الحكومة”، داعيا إلى تطوير مقترحها من أجل إنقاذ القطاع.

وتجدر الإشارة إلى أن وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان مصطفى الرميد كان قد كشف مؤخرا عن أنه سيتم قريبا تعويض مستخدمي الحمامات التقليدية التي تم إغلاقها جراء تفشي فايروس كورونا المستجد عن فقدان عملهم.

وأوضح أنه “تقرر القيام بإحصاء دقيق وشامل لفئة المشتغلين بهذه الحمامات، لتعويضهم عن فقدان مصدر رزقهم، وذلك بعد تداول الرأي بين الجهات المسؤولة، ومعاينة تضرر فئات واسعة من  ومستخدمي الحمامات من هذا الإغلاق”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: