اصوات تتعالى لفتح ملف السجناء والمفقودين خلال العشرية السوداء في الجزائر

سجال

تتعالى في الأسابيع الأخيرة أصوات تطالب بإعادة فتح ملف السجناء السياسيين خلال التسعينات، بتوجيه دعوات للرئيس عبد المجيد تبون من قبل أحزاب إسلامية بإصدار عفو رئاسي في حقّ هذه الفئة، مثل ما فعل مع معتقلي حراك الـ 22 من شهر فيفري 2019.

وظلّ ملف معتقلي التسعينات يصنف ضمن خانة القضايا الممنوع الحديث عنها، لعدّة سنوات رغم تدويله من قبل جمعيات حقوقية، فقد تحاشت السلطات الخوض فيه وحاولت غلق الملف من خلال اللجنة الاستشارية لحماية وترقية حقوق الإنسان التي استبدلت بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان.

أمل العفو

لا تملّ “تنسيقية عائلات المساجين السياسيين” من مطالبة السلطات الجزائرية بالالتفات إلى انشغالهم، والإفراج على ذويهم أو على الأقلّ إعادة محاكمتهم.

وتقول التنسيقية إن 160 سجينًا بينهم مدنيون وعسكريون من معتقلي التسعينات في السجون الجزائرية، يستحقّون الإفراج عنهم أو إعادة محاكمتهم، وهم في الغالب مدانون بأحكام قاسية تصل حتى الإعدام والمؤبّد.

ويقصد بالسجناء السياسيين أو معتقلي التسعينات، الأشخاص المتهمين بالتورّط في الأعمال الإرهابية التي شهدتها البلاد خلال العشرية السوداء، بعد توقيف المسار الانتخابي سنة 1992.

ويقول حقوقيون ومدافعون عن هذه الفئة، إنه من غير المعقول عدم إعادة محاكمة هؤلاء السجناء الذين صدرت في حقّهم أحاكم مغلظة في ظروف استثنائية، وتهمًا قد لا تُثبت تورطهم بها.

ووجّهت “تنسيقية السجناء السياسيي”، رسائل عديدة إلى مختلف المسؤولين للنظر في قضيتهم، وفي عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة طرح مقربون منه مشروع “العفو الشامل” الذي قالوا إنه سيشمل الفئات التي لم تستفد من ميثاق السلم والمصالحة الوطنية لعام 2005، غير أن الحالة الصحية للرئيس الذي حكم البلاد لعشرين سنة والفساد الذي ميز فترة حكمه جعل المحيطين به يتخلون عن هذا المشروع.

ونصّ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية على عدم الصفح عن العسكريين الذين امتنعوا عن تنفيذ أوامر عسكرية، وكذا المتهمين خلال فترة المأساة الوطنية في قضايا اغتصاب وتفجير أماكن عامة وارتكاب مجازر.

وحسب ما تنقله صفحة “تنسيقية عائلات السجناء السياسيين” بموقع فايسبوك، فإن الحالة الصحية لبعض المحبوسين قد تدهورت، وكثير منهم  مصابون بأمراض مزمنة .

دعوات كثيرة

قبل أسبوع، جدد رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري  فتح ملف معتقلي التسعينات، بعد إعلان الرئيس تبون إطلاق سراح سجناء الحراك، وهو القرار الذي تم وشمل العشرات من هؤلاء.

وقال مقري “ندعو السلطات إلى الاهتمام بملف المحكوم عليهم في التسعينيات، ومطالب عائلاتهم ضمن مأساة وطنية لم تفك كل خيوطها إلى الآن”.

وليست “حمس” فقط من تثير هذا الملف كلما سمحت الفرصة لها، فقد سبق للنائب البرلماني السابق عن جبهة العدالة والتنمية حسن عريبي أن وجه سؤلًا لوزير العدل بلقاسم زغماني حول هذا الملف.

ودعا عريبي السلطة للإفراج عن المعتقلين في العشرية السوداء، أو على الأقل إعادة فتح ملفهم وضمان مقاضاتهم في محكمة عادلة ونزيهة.

وخاطب عريبي وزير العدل بلقاسم غماتي قائلًا، إن المحاكم الخاصّة التي عالجت ملفات معتقلي التسعينات “غير دستورية، وكل الأحكام الصادرة عنها باطلة ويجب مراجعتها فورا بما يتوافق مع متطلبات شعار الجزائر الجديدة، وبما يراعي حقوق الإنسان المتعارف عليها في كل الاتفاقيات والشرائع والقوانين المحلية والدولية”.

وحسب عريبي، فإن عدد معتقلي التسعينات يبلغ 170 معتقلًا، غير أن تقارير أخرى تقل إن الرقم يتوقف عند 160 سجينًا.

وقال عريبي في سؤاله إن “منهم المصاب بمرض مزمن ومنهم الشيخ الطاعن في السنّ، ومنهم من لم ير أطفاله حتى بات أغلبهم شبابًا حرموا من حنان الأبوة، وهذه انتكاسة لا تليق بالإرادة الشعبية الجديدة الحالمة بالتغيير والعدالة والإنسانية”.

رد واحد

رغم القوانين التي سنتها لطي صفحة التسعينات، إلا أن السلطات الجزائرية ترفض حتى اليوم  الإفراج عن معتقلي التسعينات، ولا تقبل أيّ تصنيف يضعهم ضمن خانة “السجناء السياسيين”، رغم أن بعضهم اعتقلوا بسبب انتمائهم  للحزب المحل “الجبهة الإسلامية للإنقاذ”، وخلال الأشهر الأولى التي تلت إيقاف المسار الانتخابي أي قبل بدء أعمال العنف من أنصار الحزب المحل، وفق ما يقوله حقوقيون.

سابقًا، رفض الطيب لوح وزير العدل في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، كل قول يدعي وجود معتقلين سياسيين في الجزائر. وفي رده على سؤال النائب حسن عريبي، قال وزير العدل الحالي بلقاسم زغماتي إن “الظروف الاستثنائية التي عرفتها الجزائر في تسعينيات القرن الماضي، وتفشي الإرهاب والتخريب وما نجم عنها من جرائم مروعة في حقّ الأبرياء من المدنيين، وتخريب للممتلكات العمومية والخاصة، استدعت وضع آليات قانونية تسمح بمواجهة آفة الإرهاب الغريبة عن مجتمعنا، ووضع حدّ للنشاط الإجرامي للجماعات المسلحة، من خلال تجريم الأعمال الموصوفة على أنها أعمال تخريبية أو إرهابية، و سنّ العقوبات المناسبة ضد مرتكبي هذا النوع الخطير من الإجرام الذي كان في تلك الفترة يشكّل تهديداً حقيقياً على أمن المواطنين واستقرار مؤسسات الدولة”.

واستشهد زغماتي بالمرسوم الرئاسي الصادر في 30 سبتمبر 1992 الذي استحدث محاكم خاصة أصدرت لاحقا أحكامًا بالإعدام، تم تنفيذ أربعة منها فقط ضد من اتهموا بتفجير مطار هواري بومدين في 1992، وهو الحكم الذي جمد بعدها حتى اليوم، غير أن من أدينوا به لا يزالون حتى الآن قابعين في السجون.

وفي انتظار إن كانت السلطة ستفتح هذا الملف من جديد أم ستتجاهله، سيظلّ موضوع سجناء التسعينات ورقة تستعملها الأحزاب خاصة الإسلامية منها خلال كل موعد انتخابي، بهدف الحصول على جزء من أصوات الناخبين الذين يبقون أوفياء للحزب المحلّ ومن يؤيده.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: