غياب بديل عن اقتصاد التهريب يعمّق أزمة مدينة الفنيدق

Belbazi

لم يحل قرار السلطات المغربية بغلق معبري سبتة ومليلية الحدوديين مع إسبانيا معضلة التهريب بقدر ما فجّر ضغوطا اجتماعية غير مسبوقة على الآلاف من سكان مدينة الفنيدق في ظل احتجاجهم ومطالبتهم بإيجاد بديل عما يعرف بـ”التهريب المعيشي” الذي يمثل شريان حياتهم.

وجد الآلاف من السكان داخل مدينة الفنيدق أنفسهم في مواجهة صعوبات اقتصادية واجتماعية كبيرة نتيجة إغلاق منافذ التهريب عبر معبر سبتة المحتلة  ما دفعهم للاحتجاج، مطالبين الحكومة بتوفير بديل عن التهريب في وقت تحاول فيه السلطات المغربية تخفيف الأضرار عنهم عبر منحهم عقود عمل.

وبلغ اليأس بالبائع المتجوّل بدر حدّ “التفكير في الانتحار” جراء الأزمة التي تخنق مدينة الفنيدق في شمال المغرب منذ وقف تجارة التهريب انطلاقا من جيب سبتة المحتلة وإغلاق الحدود بفعل جائحة كوفيد – 19.

ويعرض بدر (32 عاما) إلى جانب عدد من الباعة الآخرين قطع ثياب والعطور على الرصيف عند مدخل السوق الرئيسي في وسط المدينة الساحلية، والذي كان يضج بالحركة قبل وقف ما يسمى بـ”التهريب المعيشي”. ويقول إنه لا يجني في اليوم أكثر من 20 درهما (دولاران) في أحسن الأحوال في اليوم.

ويضيف منفعلا “لسنا مع التهريب، لكن على المسؤولين توفير بدائل. تختلط علي المشاعر، أفكر أحيانا في الانتحار لولا الخوف على زوجتي وطفلي”.

قبل وقف التهريب في خريف 2019، كان الآلاف من المغاربة يعبرون يوميا على الأقدام المركز الحدودي البري نحو سبتة لجلب بضائع متنوعة لحساب تجار يبيعونها في الفنيدق ومنها إلى مختلف المدن المغربية، مستفيدين من الإعفاء من الرسوم الجمركية.

محمد بنعيسى: حوادث تدافع بمعبر سبتة أودت بحياة 11 شخصا منذ سنوات

ولقي هذا النشاط لسنوات رواجا تجاريا وسياحيا في المدينة وجذب إليها مهاجرين من مناطق أخرى. في حين ظلت منظمات حقوقية تطالب بوقفه وتوفير بدائل، خصوصا بعد حوادث تدافع في المعبر أودت بحياة 11 شخصا بين 2017 و2019، كما يذكر الناشط الحقوقي محمد بنعيسى.

وتسبب هذا النشاط في خسائر في الجباية العامة قدّرت بنحو أربعة إلى خمسة مليارات درهم (400 إلى 500 مليون دولار) العام 2018، وفق تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي.

وبينما كانت المدينة تنتظر بدائل، جاءت جائحة كوفيد – 19 لتعمق أزمتها. فقد أغلقت الحدود منذ سنة في وجه الآلاف من سكان المناطق الشمالية الذين كانوا يعبرون للعمل داخل سبتة. وإزاء تفاقم الوضع، بدأ سكان الفنيدق في التظاهر احتجاجا مساء كل جمعة منذ ثلاثة أسابيع.

وغاب السياح الذين يقصدون صيفا شواطئ المنطقة، فتحولت الفنيدق إلى “مدينة أشباح”، وفق تعبير بنعيسي.

وعند المغيب، في ثالث أيام التظاهرات، جمع بدر وزملاؤه من الباعة الجوالين بضاعتهم من الرصيف، وانضموا إلى المئات من سكان المدينة المتجمعين في محيط المسجد المنتصب وسط المدينة، ليرددوا “الشعب يريد فتح الديوانة (جمارك الحدود)”.

وشدّد الكثير منهم على أنهم لا يطالبون بعودة التهريب، بل بفرص عمل عاجلا وبفتح الحدود في وجه العاملين بشكل قانوني داخل سبتة.

وتقول إكرام (23 عاما) التي جاءت للتظاهر رفقة والدتها “لدي دبلوم في الفندقة، لكنني لا أجد عملا بسبب الجائحة، لا نطلب سوى العيش الكريم”.

وتعد فئة الشباب بين 15 و24 عاما الأكثر تضررا من ارتفاع البطالة العام الماضي بسبب الجائحة، وفق تقرير حديث للمندوبية السامية للتخطيط. بينما فقد الاقتصاد المغربي عموما أكثر من 430 ألف وظيفة، ليرتفع مجموع العاطلين إلى أكثر من مليون ونصف المليون.

ونبّهت تقارير رسمية عدة في السنوات الأخيرة إلى تفاقم الفوارق الاجتماعية وحرمان الشباب من ثمار النمو الاقتصادي، فضلا عن الفوارق بين مناطق نشيطة ومدن صغيرة ومتوسطة.

وتقول والدة إكرام التي كانت تعيل الأسرة من عملها كخادمة في المنازل في سبتة “أنقذ ابني الذي بالكاد أكمل 18 عاما، من الغرق عند محاولته الهجرة سباحة” نحو ساحل سبتة الذي يبدو على مرمى حجر من الفنيدق.

ويشير محمد بنعيسى إلى أن “غرق ستة شبان من أبناء المدينة قبل ثلاثة أسابيع في محاولة للهجرة، كان سببا آخر لتظاهر السكان”.

لكن مثل هذه الحوادث لم تؤثر في استعداد إسماعيل (23 عاما) “للسباحة نحو سبتة لو لم تكن الشرطة تراقب المكان”.

ويقول الشاب “عملت بالتهريب عامين ونصف، ثم عدت إلى العمل في متجر عطور لكنني أظن أنه سيغلق قريبا! لم نبع أي شيء منذ يومين”.

وبعدما منعت السلطات التظاهرة الأولى قبل ثلاثة أسابيع واعتقلت أربعة شبان بين المحتجين، سمحت بالتظاهر في يومي الجمعة التاليين. وأفرج عن المعتقلين بعد إدانتهم بالسجن مع وقف النفاذ ستة أشهر، إثر اتهامهم برشق القوات العمومية بالحجارة.

وفي محاولة لتخفيف الضغوط أعلنت السلطات هذا الأسبوع إطلاق مشاريع إنمائية بنحو 45 مليون دولار، والشروع في توظيف نحو 700 سيدة ممن كن يعشن من التهريب في مصانع بالمنطقة.

وعند مدخل المدينة، استؤنفت الأشغال لبناء منطقة تجارية حرة كان أعلن عنها سابقا، وترتبط بميناء طنجة المتوسط (أقل من 20 كيلومترا عن الفنيدق) الذي يعد الأكبر في المتوسط. علما أن شباب المنطقة يطالبون أيضا بالتوظيف فيه، وفق بنعيسى.

500

مليون دولار حجم خسائر الجباية العامة بسبب التهريب بمعبر سبتة خلال 2018

وقال ياسر باداو، مستشار الشغل بالوكالة الوطنية للتشغيل بمدينة الفنيدق إنه “سيتم تشغيل النساء في إحدى الوحدات الصناعية المتخصصة في إعادة تدوير النسيج”.

ويأتي القرار عقب تنظيم المئات لمظاهرات أسبوعية بمدينة الفنيدق التي يقع فيها المعبر؛ للمطالبة بتحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية.

وأغلقت السلطات المغربية، معبر مدينة سبتة المحتلة ، عقب تقرير صدر عن البرلمان، في فبراير 2019، قال إن “المغربيات الممتهنات للتهريب المعيشي بالمعبر، يعشن وضعا مأساويا، وينمن ليومين وأكثر في العراء”.

ويعتمد اقتصاد سكان مدينة الفنيدق، بنسبة كبيرة على أنشطة “التهريب المعيشي”، عبر نقل السلع من سبتة وبيعها داخل المغرب، حيث تشكل هذه التجارة مصدر رزق لأغلب السكان منذ عقود.

ويعاني سكان المدينة أزمة اقتصادية واجتماعية حادة، منذ أن قرر المغرب إغلاق معبر سبتة نهائيا في ديسمبر 2019، بحسب تقارير محلية.

وإلى جانب سبتة، تخضع مدينة مليلية، للإدارة الإسبانية، رغم وقوعهما في أقصى شمال المغرب، وتعتبر الرباط أنهما “ثغران محتلان” من طرف إسبانيا التي أحاطتهما بسياج من الأسلاك الشائكة يبلغ طوله نحو 6 كلم.

وتسببت تداعيات الأزمة الصحية في ركود اقتصادي غير مسبوق منذ 24 عاما في المملكة، بمعدل 6.3 في المئة حسب تقديرات رسمية، بينما تراهن البلاد على خطة للإنعاش الاقتصادي تتضمن مشاريع استثمارية بقيمة 12 مليار دولار وتهدف لتجاوز الركود الذي سببته الأزمة الصحية من خلال صندوق استثماري أعلن عنه الملك محمد السادس في أواخر يوليو. وحددت الحكومة الرأسمال الأولي لهذا الصندوق بما يقارب 1.5 مليار دولار، بحسب بيان صدر مطلع فبراير.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: