لفهم المبررات التي دفعت المغرب إلى التدخل ميدانيا في منطقة الساحل والصحراء ضد الجماعات الإرهابية لا بد من وضع هذا الخطوة في إطارها العام المرتبط بسيطرة الجيش المغربي على معبر الكركرات وتحريره من عناصر بوليساريو في ديسمبر الماضي. وهي عملية حققت هدفها المباشر بفتح الطريق التجاري الرابط بين المغرب وموريتانيا في اتجاه العمق الإفريقي، وتسعى لدعم استقرار دول المنطقة وعلى رأسها دولتا مالي وبوركينافسو، في خطوة تشكل منعطفا كبيرا في الأبعاد الجيوسياسة والاقتصادية التي تحكم دول المنطقة.
ونظرا إلى دلالات تأمين المعبر وما وراءه من أهداف تعمق حضور المغرب في منطقة جنوب الصحراء، استشعرت الجزائر الخطر ورأت في تدخل الجيش المغربي عملا عدوانيا، وهو التوصيف الذي ترفضه معظم الدول الغربية والأفريقية والعربية التي باركت الخطوة المغربية وحرص المسؤولون في المملكة على دعم خطواتهم الميدانية والاستخباراتية ضد الجماعات المتطرفة في منطقة الساحل والصحراء بتأييد الشرعية الدولية.
مشاركة رئيس الحكومة سعدالدين العثماني حضوريا رغم إكراهات كورونا في قمة مجموعة دول الساحل الخمس بالعاصمة التشادية إنجامينا قبل أيام مرتبطة بخطط متقدمة لتدخل ميداني محتمل للقوات المغربية لصد تهديدات تستهدف حلفاء وأصدقاء المغرب انطلاقا من سياسة المغرب الأفريقية المبنية على خطاب استباقي منفتح ومتعدد الأوجه، وهو ما أكد عليه العثماني وبينه موقف المملكة المتضامن مع دول الساحل وباقي دول المنطقة للتصدي لأية أخطار محتملة.
حديث العثماني أمام القمة السابعة لرؤساء دول وحكومات مجموعة دول الساحل الخمس كان شديد الوضوح عندما أكد على أن العاهل المغربي الملك محمد السادس باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية ما فتئ يدعو منذ عام 2014 إلى ضرورة التصدي الجماعي للتنظيمات الإرهابية، خاصة في منطقة الساحل والصحراء التي تجد في عصابات الانفصال والاتجار في البشر والسلاح والمخدرات حليفا لها لتداخل مصالحها والتي تشكل أكبر تهديد للأمن الإقليمي والدولي.
إستراتيجية المملكة واضحة في التعامل مع الدول الأفريقية وتتمثل في دعم نهوضها وأمنها واستقرارها وتنميتها، ولا يمكن المضي قدما في هذه الإستراتيجة دون دعمها على مستويين؛ الأول بالقوة الناعمة المتمثلة بمشاريع تنموية واقتصادية وشراكات إستراتيجية وتسويق نموذج ديني معتدل ضد الأيديولوجيا المتطرفة. والمستوى الثاني، تأمين تلك الإستراتيجية بقوة صلبة رادعة لأي تهديد إرهابي.
عدد كبير من التقارير الإقليمية والغربية حذر من خطورة تنامي أنشطة تيارات إسلامية متطرفة في مساحة جغرافية شاسعة لا تنضبط لسلطة دولة معينة، لذلك شكلت استعادة المغرب مقعده داخل الاتحاد الأفريقي في يناير من العام 2017 خطوة مهمة في إستراتيجيته بعيدة المدى والهادفة لتقييم مصالحه والدفاع عنها ضد أي تهديدات محتملة.
من هذا المنطلق تشير التقديرات الأمنية إلى أن امتلاك الجيش المغربي لطائرات دون طيار بأنواعها وقوة تحليقها ودقة استهدافها ستمكنه من إبعاد أي تهديدات لمجاله الحيوي وصولا إلى حدود مالي والنيجر، خاصة بعد تفاهمات بين الرباط وواشنطن لتعزيز قدرات القوات المسلحة الملكية حماية لمصالحهما المشتركة.
قبل أربع سنوات دعا العاهل المغربي جيش بلاده إلى مضاعفة الجهود كخيار إستراتيجي لمجابهة تنامي مخاطر الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود.
ولا ينفصل الدفاع عن المصالح الحيوية للمغرب من التهديدات الإرهابية دبلوماسيا وعسكريا عن تسوية قضية الصحراء المغربية انطلاقا من سقف مبادرة الحكم الذاتي، ويعتبر تواجد القوات المغربية قيمة مضافة كبيرة للأفارقة من منطلق التعاون العسكري وإدارة الأزمات والتدريب المدني العسكري.
مصالح المغرب الممتدة داخل غرب أفريقيا تدفع بالضرورة إلى تطبيق إستراتيجية عسكرية محكمة وبتنسيق مع دول المنطقة والدول الأخرى ذات المصلحة. والخطير في الأمر والذي تأخذه السلطات العسكرية والأمنية بالمغرب على محمل الجد هو الاختراقات والتنسيق المسبق بين الجماعات المتطرفة بالساحل والصحراء مع جبهة بوليساريو الانفصالية لاستهداف استقرار المغرب ومصالحه انطلاقا من الجنوب. لهذا لا يمكن استبعاد عمليات نوعية للقوات المسلحة الملكية المغربية في مناطق تواجد تلك المجموعات.
يساهم المغرب في رسم خارطة التعاون الإقليمي الأفريقي وعينه على مساعدة دول منطقة الساحل في مواجهة تحديات العنف الجهادي والصراعات الطائفية وجماعات التهريب. لهذا نعود إلى خطة العاهل المغربي في ضرورة تأمين المجال الحيوي للمغرب امتدادا باتجاه العمق الأفريقي وتعزيز انفتاح القوات المسلحة الملكية على محيطها الإقليمي والدولي من خلال تظاهرات سنوية ومناورات عسكرية تجري بالشراكة مع جيوش دول صديقة تجمع بين الدورات التدريبية والتمارين التطبيقية بغية تبادل التجارب والخبرات واكتساب المهارات الحديثة.
التحديات المعقدة التي يواجهها المغرب في محاربة الإرهاب الإقليمي داخل منطقة الساحل والصحراء والتي تتمثل في تعزيز نقاط الدعم الجيوسياسي في منطقة محفوفة بالمخاطر وعدم اليقين تبرز أهمية انخراط المغرب بقوة للتصدي لأي عملية إرهابية تستهدف أمنه القومي، مثلما انخرط بمنطقة الشرق الأوسط ضد الجماعات الجهادية من خلال طرح خطط متقدمة، أو بتعاونه مع دول غربية.
ويظهر من خلال قراءة تحالفات القوات المغربية أن خطط المغرب تتركز على استنزاف قدرات الخصم على التحمل بتنفيذ إستراتيجية تهدف إلى توطيد القيادة الإقليمية والاعتراف الدولي بأهمية الدور الذي تلعبه القوات المغربية في مكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى التسلح التكتيكي والإستراتيجي كطريق لتقويض مخططات الخصم أيا كانت مرجعيته وأهدافه، وتحديث أنظمة الدفاع والهجوم وامتلاك السبق عن طريق بنك معلومات مُحَيَّن.
ولاعتبارات سياسية واقتصادية ودبلوماسية وأمنية، يتم تحديد الأولويات الإستراتيجية لدعم سياسة الدفاع المغربي انطلاقا من ثلاث أولويات. أولاها، إيجاد التوازن في منطقة تمر بتحولات جيوستراتيجية بتحديد طبيعة العدو والتهديد الذي يمثله. والأولوية الثانية، تحديد التموقعات داخل النظم الفرعية الإقليمية في سياق يزداد تعقيدا يمتد عبر البحر الأبيض المتوسط والساحل والمحيط الأطلسي مرورا بالمغرب كمحور مركزي.
ثالث هذه الأولويات، تحقيق الأهداف الحيوية المتكاملة داخليا وخارجيا في خضم التحور الجغرافي الإستراتيجي العالمي الذي وصل إلى مرحلة حاسمة في عملية تشكيل متعدد الأقطاب.