أقدم مكتبة في الرباط تقاوم تقلبات الزمن

مجدوب

واجه الكتاب منذ قرون الكثير من الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الصعبة ولكنه تمكّن من الصمود. وتطوّرت الطباعة وانتعشت الكتب. لكن الكتب اليوم عادت لتواجه أزمة من نوع آخر نتيجة التطور التكنولوجي، فيما وجد صانعوها الحل في الرقمنة وغيرها. وبين هذا وذاك تعاني الدول العربية اليوم من أزمة مضاعفة نتيجة عدم الإقبال على القراءة، فأي حل ممكن لإنقاذ الكتب والمكتبات؟

تحاول مكتبة “الطالب”، أقدم مكتبة بالعاصمة المغربية الرباط، منذ افتتاحها قبل أكثر من نصف قرن، الصمود أمام تقلبات الزمن ومقاومة النسيان، في زمن بدأ فيه الكتاب يتوارى أمام زحف التكنولوجيا.

وفي حديث مع صاحب المكتبة خالد المكناسي، يحكي بمرارة عن زمن كانت فيه المكتبة محجّا للعلماء والمفكرين والمثقفين.

وصل خالد إلى مستوى الثانوية العامة، وبدأ في مساعدة والده عبدالقادر المكناسي بالمكتبة، حيث تعلم حرفة الأب وواصل العمل في رعاية المكتبة من بعده.

يحمل خالد، بين يديه رسالة طلب الدعم من المسؤولين عن قطاع المكتبات في البلاد، حتى لا تلقى مكتبة “الطالب” مصير سابقاتها ويكون “الإغلاق” مآلها.

صمود أمام الزمن

في “شارع محمد الخامس”، وتحديدا في الجهة التي تفتح على مدخل المدينة العتيقة للرباط والمعروفة بـ”لكزا”، تقع مكتبة “الطالب” متحدية متاجر الملابس والمأكولات والإلكترونيات.

يفتح خالد باب مكتبته متطلعا إلى رزق يومه، مالا وفكرا، مالا ليُوفر حاجيات أسرته، وفكرا ليُلبي حاجيات المواطنين من كل الفئات والأعمار.

يعود تاريخ تأسيس المكتبة إلى أكثر من نصف قرن، ولا تزال تقاوم تقلبات الدهر، حيث بقيت الوحيدة التي توفر الكتب فضلا عن أخرى لبيع الكتب القديمة بشارع “محمد الخامس”.

الجميع بات يغير بضاعته وفق متطلبات العصر، الأجهزة الإلكترونية أو الوجبات السريعة، فالزمن لا يرحم، وبقدر تقدم الزمن بقدر تغير طلبات المواطنين واحتياجاتهم التي يأسف الكثيرون على أن الكتاب ليس من بينها.

لكن خالد وأخوه محمد المكناسي، لا يأبهان بهذا أو ذاك، ويستمران في رفع شعلة “الأدب والعلم”، رغم الرياح العاتية التي تحاول إطفاءها.

يقول خالد “كان أبي – رحمه الله – يحكي لي عن قصة هذه المكتبة، المعروفة بأنها الأولى من نوعها في الرباط، حيث افتتحت أولا بشارع القناصل (شارع بالمدينة العتيقة كان يضم قنصليات أجنبية)”.

ويضيف “كان من قبلُ يعقد لقاءات مع العلماء، مثل المكي البطاوري (من علماء المغرب 1857- 1936) وأبوشعيب الدكالي (أحد أبرز علماء المغرب، ألقى دروسا في الأزهر والحرم المكي وجامع الزيتونة بتونس 1878-1937)”.

استمرار تراجع الإقبال على الكتب، سيعجل بإغلاق المكتبات المتبقية وسيصبح حالها مثل حال قاعات السينما

ويواصل “كان يتم اقتراح بعض عناوين الكتب للمطالعة، فيقوم أبي بتسجيل أسماءها للبحث عنها، ويوفرها للبيع بثمن مناسب للحاضرين بتلك اللقاءات”.

ويتابع موضحا “عندما تفطنوا لقدرة أبي على البحث عن الكتب وارتباطه بها، اقترحوا عليه آنذاك، تأسيس مكتبة وهو ما كان”.

ثم يستطرد “المكتبة بدأت تتوسع فذاع صيتها، خصوصا مع البدء في جلب الكتب من مصر، حيث أمست معروفة على المستوى الداخلي والخارجي”.

ولاحقا، نقل المكناسي الأب، مكتبته إلى شارع “الصحراوي” ثم إلى مكانها الحالي، وبقيت على حالها لمدة نصف قرن.

ويستدرك “كان الأب يهتم بكتب التراث خصوصا المصرية، حيث ساهم في طبع كتب تراثية وتاريخية ومخطوطات، وكتب أخرى، ليتطور عمل المكتبة”.

وأفاد خالد، بأن المكتبة باتت آنذاك مكانا لاجتماع العلماء والمفكرين والمثقفين من الطراز الكبير، مثل عبدالوهاب بن منصور (مؤرخ سابق للمملكة 1920- 2008)، وعبدالكريم الفيلالي (مؤرخ ومستشار العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني توفي عام 2013).

وأيضا عبدالله الجراري (عالم وأديب 1905-1983)، وعبدالله كنون (عالم ومفكر 1908-1989)، وقدور الورطاسي (مفكر وكاتب وإعلامي 1912-1994).

ويتابع “كانوا يعقدون مجالس العلم والتدارس (بالمكتبة) واستمرت الاجتماعات ردحا من الزمن”.

ويمضى قائلا “لا نزال نهتم بكتب التراث وهي كتب غير مطبوعة وقليلة في السوق، نبحث عنها بعد تلقي طلبات من الزبائن، ونعمل على توفيرها رغم صعوبة ذلك”.

دعم المكتبات

Thumbnail

دعا المكناسي الابن، وزارة الثقافة المغربية، إلى دعم المكتبات “لأنها تحمل لواء العلم والثقافة”، مضيفا “نريد تشجيعات، خصوصا وأن المكتبات لم يسبق لها أن تلقت الدعم”.

ويوضح أن والده “أفنى حياته في طلب العلم، وسرنا على دربه، وهو ما يقتضي المحافظة على مساره ودعم تجربته وتشجيع المكتبات، في ظل تراجع الإقبال على الكتب، الأمر الذي جعل القطاع يحتضر”.

وينبه إلى أن “استمرار تراجع الإقبال على الكتب، سيعجل بإغلاق المكتبات المتبقية، وسيصبح حالها مثل حال قاعات السينما، حيث عددها تراجع بشكل كبير في البلاد خلال السنوات الماضية”.

ويلفت إلى أن “عددا من المكتبات أغلقت أبوابها في الرباط ومدينة تطوان (شمال)، خلال الفترة الماضية”.

وبخصوص اعتماد البيع الإلكتروني للكتب، يقول خالد “لا أفكر في ذلك”.

ويضيف “وُلدنا مع الكتاب وبات حبه يجري في جسدنا كمجرى الدم في العروق، وقد اتصل بنا عدد من الناس واقترحوا علينا التحول إلى البيع في العالم الافتراضي، لكن رفضنا الفكرة”.

ويتابع “أتمنى أن يبقى الكتاب هو الكتاب، وهو ما يتطلب التشجيع والدعم”، ويقول “تفشي جائحة كورونا عمّق من جراح المكتبات”.

وبحسب تقارير رسمية تعدّ نسبة القراءة في المغرب ضعيفة مقارنة بأنشطة أخرى. فوفق تقرير صادر عام 2018 عن وكالة تقنين المواصلات (حكومية)، فإن 5.1 في المئة من المغاربة يقضون ساعة إلى ساعتين في اليوم في القراءة، مقابل 42.6 في المئة يقضون نفس الفترة في مشاهدة التلفاز، و14 في المئة في الاستماع للراديو، و7 في المئة في مطالعة الصحف.

وحسب نفس التقرير، فإن 71.2 في المئة من المواطنين لا يقرأون الكتب، و 11.3 في المئة يقضون أقل من نصف ساعة (في اليوم) في القراءة، و6.7 في المئة يقضون ما بين نصف ساعة وساعة لنفس الغرض.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: