مع إعلان الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون حل الغرفة الأولى للبرلمان وتنظيم انتخابات نيابية مبكرة، يجد العديد من النواب أنفسهم في موقف صعب لتجريدهم من الحصانة النيابية التي كانت تحميهم من الإفلات من العقاب، حيث من المتوقع أن يفتح القرار أبواب المحاسبة على مصراعيها، ويضع العديد من النواب على ذمة التحقيقات القضائية، على خلفية شبهات فساد تطال مسيرتهم المهنية والشخصية.
غادر نواب المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان الجزائري) مبنى البرلمان بوسط العاصمة، بعد قرار الرئيس عبدالمجيد تبون بحل الهيئة التشريعية تحسبا لانتخابات مبكرة قبل نهاية السداسي الجاري، لتنتهي بذلك وبشكل مفاجئ المزايا والحصانة التي اشتراها البعض بأثمان ضخمة خدمة لمصالحهم ولوبيّاتهم.
وأطلق الرئيس تبّون مساء الخميس، عشية الذكرى السنوية الثانية للانتفاضة الشعبية، مبادرة تهدئة بإصداره عفوا رئاسيا عن العشرات من معتقلي الحراك الشعبي، كما حاول حلّ الأزمة السياسية بقراره حلّ البرلمان وتنظيم انتخابات تشريعية مبكرة وإجراء تعديل حكومي وشيك.
وقال تبّون في خطاب إلى الأمّة بثّ مباشرة على الهواء “لقد قرّرت أن نحلّ مجلس الشعب الوطني الحالي وأن نذهب إلى انتخابات ستكون خالية من المال، سواء الفاسد أو غير الفاسد، وتفتح أبوابها للشباب”.
وأضاف أنّ هذا القرار اتّخذه استكمالا لسلسلة التغييرات التي قام بها منذ تولّيه منصبه، ولاسيّما تعديل الدستور وما شمله من “تقليص لصلاحيات رئيس الجمهورية وتعزيز صلاحيات المنتخبين، وعلى الأخصّ على مستوى البرلمان كي يُحاسِبوا. ولكن لكي يُحاسِبوا يجب أن يكون البرلمان بعيدا كل البُعد عن الشبهات”.
وبموجب الدستور يجوز لرئيس الجمهورية أن يقرّر حلّ المجلس الشعبي الوطني أو الدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة، على أن تُجرى في أجل أقصاه ثلاثة أشهر يمكن تمديده ثلاثة أشهر أخرى عند الاقتضاء.
وسيجد العديد من النواب أنفسهم أمام تحقيقات أمنية وقضائية، بعدما تم حل الغرفة البرلمانية، وتجردهم من الحصانة النيابية التي كانت تكفل لهم الإفلات من المساءلة والعقاب، رغم الشبهات التي تطال مسارهم الشخصي والوظيفي، والتي عطلت في بعض الأحيان عمل السلط القضائية.
وإذا كان البعض منهم قد جرد في ظروف غامضة من الخاصية المذكورة، وزج بهم في السجن بتهم مختلفة تتمحور في الغالب حول الفساد المالي والسياسي، فإن قرار حل البرلمان سيفتح الأبواب على مصراعيها، أمام تفعيل الملف من جديد.
وأمام تمسك البرلمانيين في وقت سابق ببعض زملائهم، كما هو الشأن بالنسبة للنائب إسماعيل بن حمادي، من حزب التجمع الوطني الديمقراطي، لما صوت بالأغلبية ضد طلب رفع الحصانة النيابية عليه، المقدم من قبل وزارة العدل، فإن النهاية المفاجئة للغرفة بقرار من رئيس الدولة، سيعيد فرز الأوراق من جديد بعدما زالت كل العوائق.
ولم يستبعد مصدر مطلع، بأن “تفتح قريبا ملفات العشرات من النواب السابقين، على خلفية شبهات تحوم حول مسيرتهم الشخصية والمهنية وضلوعهم في ملفات فساد مالي وسياسي، لاسيما بعدما زالت العوائق التي كانت تحول دون ذلك”.
ملفات العشرات من النواب السابقين ستفتح قريبا، على خلفية شبهات تحوم حول مسيرتهم المهنية وضلوعهم في الفساد
ولفت إلى أن “تواجد عدد من قادة الأحزاب السياسية الموالية للسلطة السابقة في السجون، هو إدانة مباشرة للطبقة السياسية الفاعلة في تلك المرحلة، وأن شهادة واحد من أبرز نواب حزب جبهة التحرير الوطني (بهاءالدين طليبة)، حول بيع وشراء المقاعد في لوائح الترشيح ووصول المقاعد إلى سقف ربع مليون دولار، لم يكن حالة معزولة وإنما هو ظاهرة خيمت على المؤسسات المنتخبة آنذاك”.
وأبدى عدد من نواب الغرفة البرلمانية الأولى بالجزائر تفاعلا إيجابيا مع قرار تبون، القاضي بحل الهيئة المذكورة، عكس مشاعر الخيبة التي كانت بادية على ملامح الكثير منهم، كون القرار قطع عنهم أجواء الرفاهية والامتيازات والحصانة التي كانت تؤمن لهم عدم المساءلة على شبهات أسالت الكثير من الحبر.
ورحب رئيس الغرفة سليمان شنين، في تغريدة له على حسابه الخاص بشبكة تويتر بالقرار، وأعرب عن “سعادته بالفترة التي قضاها على رأس الهيئة، وتمنى حظا موفقا لجميع النواب في مسارهم الشخصي والسياسي”.
ولم يكن النائب شنين، المنحدر من حركة البناء الوطني الإخوانية، إلى غاية صائفة العام 2019، يعتقد أنه سيصبح رئيسا للغرفة الأولى للبرلمان، غير أن التوازنات التي أفرزها الحراك الشعبي آنذاك، وظهور قيادة العسكر كفاعل أساسي في المشهد الجزائري، قفز به إلى الواجهة بإيعاز من الجنرال الراحل أحمد قايد صالح.
وبين البراغماتية الإخوانية والانتهازية السياسية، صار شنين رئيسا للبرلمان، رغم أنه ينحدر من قوة سياسية تمثل أقلية داخل الهيئة التشريعية، وعكس التقاليد المعمول بها والتي تمنح المنصب للحزب الحائز على الأغلبية، فإن التوازنات سارت عكس التوقعات تماما، ولم يشكل ظهوره في احتجاجات الحراك، أو انحداره من كتلة ذات أقلية، حرجا للرجل أمام الرأي العام والطبقة السياسية.
وباستثناء بعض النواب الذين تركوا بصمتهم في العهدة النيابية غير المكتملة، فإن الرأي العام في الجزائر، لا يحتفظ للغرفة المذكورة بمواقف سياسية أو دفاع عن مصالح الوعاء الذي انتخبهم، رغم حساسية بعض المشاريع والنصوص التي مررتها الحكومة على غرفتهم.
وأثناء اصطدام طلبات السلطة القضائية بمفعول الحصانة النيابية، طرحت بشكل لافت للنقاش السياسي حدود وصلاحيات النائب البرلماني، للفصل بين الحماية وبين الانغماس في الفساد، غير أن الهشاشة السياسية والتنظيمية للهيئة أفرغت المسعى من محتواه حتى قبل أن يبدأ.
وتسعى السلطة الجديدة في الجزائر، إلى قطع الطريق على المال السياسي في المؤسسات المنتخبة، عبر إعداد قانون انتخابي جديد، أتاح آليات تبطل مفعول التصويت التقليدي، الذي كان يوفر مناخ التجارة الحزبية والنيابية، ولا يستبعد أن تكون جرجرة بعض النواب قريبا إلى القضاء، رسالة غير مباشرة للطبقة الحزبية لمراجعة آليات عملها.
والانتخابات التشريعية التي كان مقرّرا موعدها أساسا في 2022 ستُجرى وفق قانون انتخابي جديد، ما يعني أنّ هذا القانون سيصدر بمرسوم نظرا إلى أنّ البرلمان جرى حلّه.
ويوفر البرلمان الجزائري حياة مرفهة لمنتسبيه ويمنحهم مزايا ورواتب مغرية، تحولت إلى محفز على الوصول إلى الغرفة، وهناك من يدفع عمولات خيالية في الخفاء لا تعوض بما يتلقاه هؤلاء رسميا من طرف خزينة الدولة، لكن تتيح لأصحابها الحصول على أضعافها بالانغماس في لعبة المصالح واللوبيات بحسب شهادات متطابقة.
وذكرت مصادر مطلعة بأن “النواب المغادرين طالبوا إدارة الغرفة برواتبهم إلى غاية نهاية العهدة الجارية (2017- 2022)، فضلا عن منحة نهاية المهمة”، الأمر الذي يبرز مدى اللعاب الذي يسيله المنصب النيابي في البلاد وتحوله إلى تجارة قائمة بذاتها.