تباينت ردود الفعل حول القرارات التي أعلن عنها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، مساء الخميس، في خطاب نقله التلفزيون الرسمي، والتي تمثلت بحل البرلمان وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة، إلى جانب تغيير حكومي، وإصدار عفو رئاسي عن معتقلي الحراك ممن صدرت في حقهم أحكام نهائية آو الذين هم قيد التحقيق ويصل عددهم إلى حوالي 68 شخصا.
وقال تبون في خطابه، بمناسبة إحياء يوم الشهيد إنه سيجري تعديلا حكوميا خلال 48 ساعة يمس القطاعات التي سجلت “نقصا في أداء مهامها”، و إنه تابع “الانتقادات التي يبديها المواطن عن حق” بخصوص أداء “بعض القطاعات الحكومية”، والتعديل يمس القطاعات التي يشعر المواطن ونشعر بنقص في تأديتها لمهاها في حل المشاكل”.
وبالموازاة مع التغيير الحكومي، أعلن تبون في خطابه الأول منذ عودته من رحلته العلاجية بألمانيا بسبب مضاعفات كوفيد، عن حل المجلس الشعبي الوطني الحالي وتنظيم انتخابات تشريعية مسبقة “سنمر مباشرة من الآن إلى انتخابات خالية من المال الفاسد أو غير الفاسد تفتح أبوابها للشباب” حتى يكون لهم وزنهم السياسي. وأشار إلى عزم الدولة بمساعدتهم لخوض حملتهم الانتخابية ماديا. واعتبر أن هذا خلال هذا المسار “نكون قد شرعنا في التغيير من خلال ضخ دم جديد في أجهزة الدولة وفي البرلمان الذي سيكون لسان وعين الشعب بصفة عامة”.
خروج المعتقلين تباعا
وبدأت اليوم عمليات الإفراج عن المعتقلين في العديد من السجون. وتداول نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، صورا لنشطاء أطلق سراحهم في الجزائر العاصمة وبرج بوعريريج وتمنراست والشلف.
وشكل ملف معتقلي الحراك أحد أهم الملفات التي خلقت جدلا واسعا في الجزائر، وكانت مكونات الحراك والأحزاب والمنظمات الحقوقية تطالب بتسويته بإطلاق سراح جميع المعتقلين.
وجاءت خطوة تبون قبل أيام قليلة من تخليد الذكرى الثانية لانطلاق الحراك الشعبي الذي أنهى حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وأيضا بعد مشاورات سياسية أطلقها مع أحزاب سياسية من المعارضة ركزت خلال لقائها معه على ملف المعتقلين كأحد الملفات التي ستساهم في حلحلة الأزمة السياسية في البلد ودعم إجراءات الثقة.
وثمنت حركة مجتمع السلم، أكبر حزب إسلامي معارض في الجزائر، ما جاء في خطاب الرئيس خاصة في ما يتعلق بالتوجه “تفرز مؤسسات جديدة ذات شرعية ومصداقية”، والتزام الرئيس “الصارم بأن هذه المؤسسات ستعبر فعليا عن الإرادة الشعبية وأن لا يصيبها ما يطعن في شرعيتها بأي شكل من الأشكال”، وقرار “إطلاق سراح المساجين السياسيين”، ، وفق بيان نشرته الحركة على موقع فيسبوك.
أما حركة البناء الوطني فأكدت، في بيان لها، أن مضامين خطاب الرئيس “جدا إيجابية” وتتضمن “قرارات سياسية هامة تؤشر على إصلاح حقيقي وعميق”.
فيما أشادت جبهة المستقبل بـما وصفته بـ”القرارات الشجاعة” التي اتخذها الرئيس تبون.
قرارات تبون في الميزان
من جانبه، رأى النائب السابق في البرلمان محمد حديبي، أن “قرارات الرئيس التي اتخذها في خطابه كان لا بد منها وذلك لعدة أسباب: أولها الوضع العام الداخلي الذي عرفته البلاد من انسداد في كثير من المؤسسات وعدم فعاليتها خصوصا الحكومة التي عرفت تدهور كبيرا في تسيير الشأن العام خاصة في العجلة الاقتصادية والتكفل بالوضع الاجتماعي”. وقال حديبي إن “المطلب السياسي بحل البرلمان هو مطلب الحراك منذ ان خرج في أيامه الأولى وذلك نتيجة صناعته لنظام المحاصصة للعصابة الحاكمة أنداك”. وأضاف أنه “لا يمكن الذهاب إلى الجزائر الجديدة ببرلمان العصابة”.
وقال البرلماني السابق إن “اتخاذ القرارات في عيد يوم الشهيد له دلالات سياسية حول توجه الخط العام لصناع القرار بتشبثهم برسالة التحررية لثورة أول نوفمبر المباركة.. وهو ما يسقط كل مناورات من البعض لركوب موجة الحراك وتحقيق مطالب فئوية أو إحياء الصراعات الأيديولوجية للمكون الوطني قصد ممارسة أوراق الضغط التفاوضي لمصالح الأشخاص مرتبطة بأجندات خارجية وليست وطنية”.
من جانبه، رأى الكاتب والإعلامي العربي زواق، أن “الخطاب اقل مما كان منتظرا”. وأضاف أنه “بمجرد الإعلان عن حل المجلس الشعبي الوطني والعفو عن عدد من المعتقلين، هو إقرار بوجود أزمة في البلاد”. وأشار إلى أنه كان يتوقع أن يعطي الرئيس “حيزا كبيرا في كلمته للقاءاته بالأحزاب والحوار الدائر بينه وبين الأحزاب منذ أيام، ما دام الطريق الوحيد للخروج من أي ازمة في الجزائر أو في غير الجزائر هو الحوار”.
وبخصوص حل المجلس النيابي، يرى المتحدث أن “القرار كان في محله لكنه جاء متأخرا جدا، وكان مفترض أن يحله بعد تأديته لليمين الدستورية مباشرة، أي منذ أكثر من عام”. وأضاف قائلا “تبقى نقطة التعديل الحكومي محل تساءل، لأن الرأي العام يجمع على أن الحكومة فشلت فشلا ذريعا، لكن وصف تبون لها منذ أيام بـ’فيها وعليها’ كلام يعني أنه غير مستعد للتضحية بها رغم فشلها الواضح وهذا لأنها حكومة ولاء”.
أما المحلل والناشط السياسي شكيب قويدري فرأى أنه “رغم أفول نجم الحراك خاصة بسبب الجائحة إلا ان شعلته لم تنطفئ بعد. فتحسبا لمحاولة بعثه تزامنا مع ذكراه الثانية بادرت السلطة السياسية باتخاذ إجراءات قد توصف بعربون حسن نية، والتي تعد مواصلة إنجاز عهود قُطعت، تقضي بحل برلمان مطعون في شرعيته وتعديل في حكومة توصف بالعاطلة بالإضافة إلى إطلاق سراح معتقلي الحراك كإجراء يرمي لتهدئة النفوس وتلطيف الجو السياسي تحسبا لانخراط أوسع في العملية السياسية”.
واعتبر شكيب قويدري أن “الهبة الشعبية التي هزت كيان السلطة.. لن تؤتي أكلها إلا إذا انخرط عموم الشعب في حراك سياسي، مؤسساتي على شكل تدافع مستمر يزاوج بين إصلاح منظومة الحكم و الحفاظ على استقرار واستمرار الدولة الوطنية”.
من جهته، كتب سمير بوعكوير، القيادي في جبهة القوى الاشتراكية المعارضة، على حسابه بموقع فيسبوك أنه “إذا لم تخرج الانتخابات التشريعية المنتظرة وكذلك الانتخابات المحلية البلد من الأزمة بشكل نهائي، فإنها ستشكل مع ذلك فرصة هائلة للاطارات الشابة في الحراك، الذين يحركهم الشعور الوطني وحاملي البدائل الحقيقية.. من خلال العمل الجماعي للقوى السياسية، وليس من خلال حبس أنفسهم في طقوس الاحتجاج” وحسبه، “سينجحون في هز أكثر القيود القانونية صرامة وبث الحركة في الوضع القائم”.