الجزائريون يرفضون العرض السياسي المتأخر من الرئيس تبون

بليدي

جاء الرد سريعا من طرف الشارع الجزائري برفض العرض السياسي الذي قدمه الرئيس عبدالمجيد تبون للحراك الشعبي عشية تخليد ذكراه الثانية، وذلك بإطلاق سراح المعتقلين وحل البرلمان؛ حيث أعرب المئات من المحتجين في شرق البلاد عن تمسكهم بمطالب الحراك الأساسية والتقليدية، وعبروا عن عدم تفاعلهم مع قرارات التهدئة المعلن عنها من طرف تبون.

وأفرجت السلطات الجزائرية عن عدد من معتقلي الحراك الاحتجاجي الجمعة بموجب عفو رئاسي، على أن يتم الإفراج عن آخرين خلال الأيام القادمة.

وخلّد المئات من الناشطين والمعارضين الجمعة في مدينة خنشلة بشرق البلاد الذكرى الثانية للحراك الجزائري المصادفة للتاسع عشر من فبراير، حين أقدم وقتها محتجون على إنزال صورة ضخمة للرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة من على مبنى ضخم وسط المدينة، وأطلقوا حينها الشعار الذي مازال يغذي الاحتجاجات السياسية في المنطقة “أنزل الصنم واترك العلم”.

وجاءت احتجاجات مدينة خنشلة كرد سريع من الشارع الجزائري على العرض السياسي الذي تقدم به الرئيس تبون في الخطاب الذي ألقاه مساء الخميس، وضمنه عفو رئاسي على نحو ستين معتقلا وحل المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان) وإجراء تعديل حكومي، الأمر الذي سيبقي الوضع السياسي بالبلاد في نفس المربع، وذلك عشية الذكرى الثانية للحراك الشعبي.

ووسط شحن شعبي غير مسبوق أعاد الأجواء التي سادت قبل شهر فبراير 2018 دخلت الجزائر عدًّا تنازليا تحسّبا لعودة وشيكة للاحتجاجات السياسية التي عُلّقت لأكثر من عام بسبب تفشي وباء كورونا وإحكام السلطة قبضتَها الحديدية على الوضع الداخلي، لكن تفاقم الاحتقان الاجتماعي أعاد سيناريو الانفجار مجددا، ولم تعد حزمة التهدئة المعلن عنها كافية لتطويق مسبق لانفلات وشيك.

وانتشر صباح الجمعة العشرات من الناشطين وأقارب المعتقلين قُبالة مختلف السجون تحسبا لإطلاق سراح المعتقلين الذين شملهم قرار العفو الرئاسي، ووسط حالة من الترقب والغموض حول اللائحة المعنية تلقف هؤلاء خبر الإفراج عن بعض الناشطين في عدد من المدن والمحافظات، على غرار أكبر المعتقلين سنا محمد نايلي البالغ من العمر 71 عاما بمدينة تبسة في أقصى شرق البلاد.

وتركّزت التساؤلات حول مصير كبار الناشطين المعارضين المعتقلين، وعلى رأسهم الإعلامي خالد درارني والمعارض السياسي رشيد نكاز، في ظل الغموض الذي يكتنف اللائحة المعلنة من السلطة، كون الرئيس تبون تحدث عن ثلاثين معتقلا حُكم عليهم نهائيا وقرابة ثلاثين آخرين في حالة تحقيق أو استئناف.

لويزة حنون: هذا برلمان الغش والتدليس والتجارة غير المشروعة والرشوة

ويبدو أن حزمة الإجراءات لم تقنع الشارع الجزائري، كونها لم ترتبط بوقف التضييق على الحريات والمقاربة الأمنية المطبقة على الناشطين المعارضين، ولاسيما أن حملة الإفراج تزامنت مع اعتقالات أخرى وتضييقات شهدتها بعض المدن الجزائرية -كخنشلة وورقلة- حين تم توقيف بعض الشبان.

وظهر الرئيس تبون -الذي لم يخاطب الجزائريين كثيرا منذ اعتلائه كرسي قصر المرادية في ديسمبر 2019- غير معافى تماما من وعكته الصحية، ومع ذلك حاول إقناع الجزائريين بحصيلة العام الأول من حكمه؛ حيث ذكّر ببعض التدابير الموجهة للجبهة الاجتماعية، كرفع الحد الأدنى للأجور بنحو 15 دولارا وإعفاء فئة تتكون من ستة ملايين جزائري من ضريبة كانت تطبق على أجورهم.

وأوحى هذا الخطاب بأن رموز السلطة الجديدة في البلاد لا يتوانون في انتهاج نفس سياسة شراء السلم الاجتماعي التي كان يطبقها أسلافهم، رغم إفرازات الأزمة الاقتصادية وجائحة كورونا وتهاوي أسعار النفط، لكن في المقابل تجاهل الرجل ارتفاع مؤشرات التضخم وتراجع القدرة الشرائية في ظل الخفض التدريجي لقيمة العملة المحلية.

وتراهن السلطة المرتبكة، بسبب مؤشرات عودة قوية للاحتجاجات السياسية في البلاد، على إجراءات سياسية بغرض احتواء موجة الغضب المتفاقم بالإعلان عن حل المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان) الملاحق بتهم الافتقاد للشرعية الشعبية وبالفساد المالي والسياسي.

وطفت هنا مفارقة عجيبة لأن السلطة التي قررت حله وظفته سابقا في تمرير عدة مشاريع قوانين ونصوص حاسمة، كالدستور الجديد وقوانين الموازنة العامة للعامين الأخيرين وقانوني المحروقات والاستثمار، وغيرها.

وتتألف الغرفة النيابية المذكورة من 462 نائبا، وهيمن عليها ما يعرف بـ”أحزاب الموالاة” طيلة العقود الثلاثة الأخيرة، ولفتها الكثير من شبهات الفساد والمال السياسي، وهو ما تأكد في الإفادة التي قدمها سابقا النائب البرلماني عن حزب جبهة التحرير الوطني بهاء الدين طليبة، وذكر فيها أن “المقاعد النيابية و(…) لوائح الترشيح في الحزب كانت تباع وتشترى، ووصل سعر صدارتها إلى نحو نصف مليون دولار”.

وقد وصفت زعيمة حزب العمال اليساري لويزة حنون نفس البرلمان الذي تنتمي إليه بـ”برلمان الغش والتدليس والتجارة غير المشروعة والرشوة”. كما اتهم رئيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي المسجون أحمد أويحيى غريمه في جبهة التحرير الوطني جمال ولد عباس المسجون بـ”تزوير الانتخابات”، ووصف البرلمان بـ”برلمان الشكارة” (كيس المال).

ويريد الرئيس الجزائري من خطوة حل البرلمان التلويح برسالة غزل تستقطب الشارع الجزائري للانخراط في مسار انتخابي جديد، عبر تقديم ضمانات جديدة تقطع الطريق على ممارسات الفساد والتزوير في المؤسسات المنتخبة، من خلال قانون انتخابي جديد لا يزال محل نقاش في الدوائر السياسية والقانونية.

وعلاوة على بوادر إنشاء السلطة الجديدة لحزام سياسي ومدني جديد يتشكل من حلفاء جدد في الطبقة الحزبية والأهلية قرر الرئيس تبون إجراء تعديل ثان على حكومة عبدالعزيز جراد خلال الساعات القليلة القادمة، يطال حسب ما ورد في خطابه “الوجوه التي فشلت في إدارة حقائبها بجدارة”، على أمل امتصاص حالة الغضب الاجتماعي.

لكن التعديل المنتظر يحمل دلالات سياسية تنطوي على التخلص من التركة الوزارية التي فرضت عليه سابقا من طرف جهات نافذة، خاصة جناح قائد الجيش السابق الجنرال الراحل أحمد قايد صالح، ويفتح المجال أمام شركاء جدد، ولو أن المسألة تحسم بشكل جاد بعد الانتخابات المبكرة من أجل التكيف مع المشهد السياسي الذي ستفرزه.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: