حصل لاجئ عراقي متهم بالمشاركة مع تنظيم داعش المتطرف في مجزرة سبايكر في العام 2014 في بلاده على إطلاق سراح جديد في فرنسا، حيث تواجه النيابة صعوبات في تعزيز ملفه من أجل إحالته على المحاكمة، مما دفع البعض إلى التساؤل حول ما إذا كان بالفعل هذا الشخص مجرم حرب أم أنه مجرد ضحية بسبب الاستغلال السياسي.
وتسلل إلى أوروبا مقاتلون سابقون في تنظيمات جهادية وفصائل مسلحة من العراق وسوريا منذ ما يقرب من سبعة أعوام، وقد أثار هؤلاء قلقا غربيا واسعا من تنفيذ أعمال إرهابية في بلدان اللجوء، حيث يعتنق الكثير منهم أفكارا أيديولوجية متشددة.
ووجهت التهمة إلى أحمد حمدان محمود عياش الأسدي (35 عاما) في مارس 2018 في باريس بارتكاب “عمليات قتل إرهابية” و”جرائم حرب”، لكنه يؤكد منذ ثلاث سنوات أن القضية لا أساس لها وأنّ السلطات العراقية التي أصدرت مذكرة التوقيف بحقه لفقتها له.
محامي أحمد عياش الأسدي يعتقد أن ثمة رغبة عراقية في استغلال العدالة الفرنسية والدولية لحل مشكلات سياسية داخلية
فقد اتهمته السلطات العراقية في 2015 بالمشاركة في المجزرة التي وقعت في معسكر سبايكر في مدينة تكريت يومي الـ12 والـ13 من يونيو 2014 حيث أعدم مقاتلو داعش 1700 جندي، وهي تهم خطيرة رفضها الشاب، الذي حصل على وضع اللاجئ في عام 2017.
وكانت بغداد قد نفّذت في العام 2016 حكم الإعدام شنقا بحق 36 شخصا أدينوا بارتكاب تلك المجزرة بعد محاكمة انتقدتها بشكل خاص منظمة هيومن رايتس ووتش وقالت إنها افتقرت إلى الشفافية. وكان من بين المدانين مخبر أبلغ عن الأسدي.
ومنذ توقيفه، يسعى القضاء الفرنسي بصعوبة بالغة إلى تثبيت الاتهامات. ومؤخرا أقر قاضي التحقيق بأن “التحقيقات الجارية الطويلة والبطيئة، خصوصًا على المستوى الدولي، لم تسمح بعد بتأكيد أقوال الشاب العراقي أو دحضها”.
وبعدما اعتبر أن اعتقال الأسدي لم يعد “مبررا” لانتهاء التحقيقات، أفرج القاضي عنه في الثامن من شهر فبراير الجاري بموافقة نيابة مكافحة الإرهاب، على أن يبقى تحت إشراف قضائي، رغم هربه لفترة وجيزة في مايو الماضي خلال التسريح الأول. وقد اشترط القاضي أن يتابع برنامجًا تأهيليًا مخصصًا للأشخاص الذين حوكموا أو أدينوا بالإرهاب.
لكن، ما زال الغموض يحيط بمسار اللاجئ الذي بدل انتماءاته المثيرة للشبهة خلال حالة الفوضى في العراق. فقد قال للمحققين إنه تعرض للاختطاف والتعذيب من قبل الإسلاميين، الأمر الذي دفعه للتعاون مع أجهزة الاستخبارات الأميركية من عام 2006 إلى عام 2010.
ثم عمل مع الاستخبارات العراقية بعد الانسحاب الأميركي حتى سجنه في عام 2012 بسبب نشاطه السياسي “المعارض”. وقال إنه فرّ مع العديد من المحتجزين معه في الـ11 من يونيو 2014 واتصل بالقوات الكردية وأنشأ شبكة مخبرين لحسابها، قبل أن يسلك طريق الهجرة عام 2015 حتى وصوله إلى فرنسا.
وقد أكد مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي في 2019، أن الأسدي عمل مع الأجهزة الأمنية العراقية والتقى بممثلي عدة دول أخرى في 2007، ما قد يعني أجهزة دول أخرى. كما عرّف مكتب التحقيقات هذا اللاجئ أيضا على أنه مقاتل في تنظيم القاعدة ولعب دور الميسر لأعمال داعش قبل إعلان الخلافة. لكن المكتب الفيدرالي لم يقدم دليلًا على هذه التأكيدات.
ويثير هربه إلى ألمانيا حيث تقيم زوجته بعد إطلاق سراحه لأول مرة تساؤلات أيضًا، إذ سلّم نفسه للشرطة بعد بضعة أيام وسُلّم إلى فرنسا وأعيد سجنه في الثالث عشر من أغسطس 2020. وأوضح اللاجئ الذي حاول الانتحار في أبريل 2018 أنه كان “خائفًا” من استخدامه كورقة مساومة لمبادلته مع جهاديين فرنسيين معتقلين في العراق.
وقال محاميه محمد المنصف حمدي “كلما تقدمنا تتضاءل قوة اتهامات السلطات العراقية”. وأضاف “من المحتمل جدا أن تكون هناك رغبة في استغلال العدالة الفرنسية والدولية من جانب بغداد لحل مشكلات سياسية داخلية” مع سعي السلطة وفقا له للعثور على جناة تدينهم لتهدئة غضب أسر ضحايا مذبحة تكريت.
ويعتمد المحامي لتبرير ذلك على أن السلطات العراقية رفضت إرسال أيّ دليل لدعم اتهاماتها، وتساءل “ما هي المصداقية التي يجب أن نعطيها لنظام غير قادر على أن يوفر في الحد الأدنى ملفًا قضائيًا لمواطن أصدر بحقه مذكرة توقيف؟”.
السلطات العراقية اتهمت في 2015 أحمد عياش الأسدي بالمشاركة في المجزرة التي وقعت في معسكر سبايكر في مدينة تكريت يومي الـ12 والـ13 من يونيو 2014
وبعد أكثر من 35 شهرا من الاحتجاز السابق للمحاكمة كلها تقريبا في الحبس الانفرادي، تأثرت حالة الأسدي النفسية كثيرًا. ومع ذلك، يؤكد محاميه أنه ما زال على استعداد تام للتعاون من أجل كشف الحقيقة.
ويكتسب نجاح هذه القضية أهمية خاصة بالنسبة إلى قسم الجرائم ضد الإنسانية في محكمة باريس القضائية الذي أنشئ في عام 2012 لتنفيذ طموحات العدالة الفرنسية المختصة بمقاضاة أخطر الجرائم في العالم ما إن يمرّ مشتبه به في فرنسا.
ويجري القسم حوالي أربعين تحقيقا تتعلق الآن بسوريا والعراق بعدما ركز في البداية على الإبادة الجماعية في رواندا. وقد أسفرت التحقيقات حتى الآن عن توجيه لائحة اتهام إلى ثلاثة أشخاص من بينهم حمدان، ولكن لم يصل أيّ من هذه التحقيقات إلى مرحلة المحاكمة.