فشلت السلطة الجزائرية في تسويق فرضية العنف التي تلف الحراك الشعبي المناهض لها، بعدما تحولت اعترافات إرهابي بثها التلفزيون الحكومي ومعه مختلف الفضائيات المحلية الخاصة، إلى مصدر للتعاليق الساخرة من طرف ناشطي شبكات التواصل الاجتماعي.
ويبدو أن الاعتراف الذي تضمن نقاط ظل واختلالات في حياكة الرواية الأمنية، لم يحقق المبتغى وهو نشر المخاوف من إمكانية جر احتجاجات سياسية في الأفق إلى أعمال عنف وفوضى، تعيد سيناريو العشرية الدموية إلى الأذهان، في ظل إصرار فواعل الحراك الشعبي على الاحتجاج السلمي وعدم الانجرار إلى الاستفزازات الممكنة.
وطفا على سطح المشهد الجزائري قبل أيام قليلة من الذكرى الثانية للحراك الشعبي، تحد جديد بين طرفي الصراع، سيكون عنوانه الأبرز في قادم الأوقات هو العنف والسلم، لحسم جولة جديدة من حراك مناهض للسلطة. ففيما تلوح فرضية العنف في الأفق، يجري التمسك في المقابل بالطابع السلمي كما كان عليه الحال خلال العامين الماضيين.
وذكر الإرهابي حسن زرقان، المكنى بـ”أبوالدحداح”، في الاعتراف الذي قدمه، بأن “تنسيقا كان جاريا بين الجماعات الإرهابية وبين ناشطين بارزين في الحراك الشعبي، خاصة أولئك الذين ينشطون في بعض العواصم الأوروبية من أجل إسقاط النظام”.
ولفت إلى أن تنظيمه كان يعمل على تحريض الشارع ضد السلطة خلال الفترة الماضية عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وأنه أنشأ المئات من الصفحات والمنتديات الإلكترونية، وكان على تواصل دائم ببعض الناشطين المهاجرين، من أجل تحريض الشارع ضد السلطة.
وحسب معلومات مطلعة، فإن “الإرهابي المنحدر من منطقة الأخضرية (شرق العاصمة)، يعد من الرعيل الأول للجماعات الإرهابية، الذي لا يتحكم في التكنولوجيات الحديثة ولا في وسائل الاتصال المستجدة”.
اعتراف الإرهابي الذي تضمن نقاطا غامضة لم يحقق المبتغى وهو نشر مخاوف من إمكانية جر الاحتجاجات إلى مربع العنف
والتحق زرقان، بالجماعات الإرهابية العام 1994، وهو من العناصر القليلة التي رفضت الانخراط في مسار المصالحة الوطنية عامي 1999 و2005، والتحق بخلايا تنظيم القاعدة، في مناطق بعيدة عن مسقط رأسه، قبل أن يتم إلقاء القبض عليه خلال الأشهر الماضية، في إطار ما عرف بـ”خلية بيت المال” بجيجل في شرق البلاد، أين تم العثور على مبلغ 80 ألف أورو، يرجح أن تكون جزءا من فدية صفقة “صوفي بترونين”.
وظهر “أبوالدحداح”، في التسجيل التلفزيوني، مجردا تماما من ملامح الشخصية الإرهابية الدموية، وغير متحكم في المعلومات التي يقدمها حول التحريض في شبكات التواصل الاجتماعي، فكتب أحد المعلقين “هذا الإرهابي قتل 40 مليون جزائري بالضحك”.
كما تعارض اعترافه مع الوضع الحقيقي لشبكة الاتصالات الجزائرية (الإنترنت)، التي تعرف بالضعف والهشاشة، وكانت محل انتقاد الرجل الأول في الدولة الرئيس عبدالمجيد تبون نفسه، فغالبا ما يعاني المستعملون من رداءة الخدمة في العاصمة والمدن الكبرى، فيما تكون أكثر رداءة في الجبال والمناطق النائية، الأمر الذي يجعل الرواية غير مستقيمة مع المعطيات الميدانية، لاسيما وأن السلطة كانت تعمد طيلة أشهر الاحتجاجات على إضعاف شبكة الإنترنت وحتى قطعها في بعض الأحيان، لتعطيل الانتشار.
وذكر المتحدث، بأنه “كنا نريد نشر الفوضى والفكر الجهادي المسلح بواسطة ناشطين في عواصم غربية.. واتفقنا على إسقاط النظام. هم يحرضون الشارع على السلمية، ونحن ندعمهم بالسلاح والعنف عندما تنزلق الأوضاع”.
وأضاف “نحن كنا ندعمهم في التحريض ونحرض الشباب على الاحتجاج السلمي، لكن في الحقيقة نحن كنا ندفع نحو العنف والفوضى، لأننا لا نعترف بالسلمية ولا نؤمن بها.. كنا نملك صفحات وقنوات على شبكات التواصل الاجتماعي تدعو للعصيان المدني”.
وكان الإعلام المحلي بشقيه الحكومي والخاص قد تجاهل المسيرة التي شهدتها مدينة خراطة، وباستثناء عناوين ورقية قليلة جدا، فإن باقي الإعلام المسموع والمرئي والمكتوب والإلكتروني، تعاملت معها بتجاهل تام أعاد إلى الأذهان سيناريو تعاطيها مع انفجار الحراك الشعبي في الأسابيع الأولى من العام 2019.
وذهبت قناة “دزاير تي.في” المملوكة لرجل الأعمال المسجون علي حداد وصحيفة النهار، إلى إدراج المسيرة في إطار “مخطط يستهدف جر البلاد إلى الفوضى والعنف”، بإشراف جهات لم تسمها، وهو ما تطابق مع اعترافات الإرهابي المذكور، لكن مفعول هذه الروايات يبقى ضعيفا ويؤدي دورا عكسيا في ظل غياب القرائن والحجج، الأمر الذي وضعها في خانة الدعاية المستهلكة.