الأجندة السياسية تمدد عمر الحكومة الجزائرية رغم تصاعد الغضب الشعبي

بليدي

تصاعدت التكهنات في الأيام الماضية بتوجه الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون نحو إجراء تعديل وزاري طفيف على حكومة عبدالعزيز جراد بهدف احتواء الغضب الشعبي المتزايد، وذلك بعد بروز بوادر رحيل الحكومة بسبب أدائها الذي يوصف بالضعيف في مواجهة الملفات المتراكمة التي تواجه السلطة الجزائرية الجديدة.

يترقب الشارع الجزائري بتّ الرئيس عبدالمجيد تبون خلال الأيام القليلة المقبلة في مصير حكومة عبدالعزيز جراد وسط تصاعد التكهنات بشأن إمكانية اكتفائه بتعديل وزاري طفيف وانتظار ما ستفرزه الانتخابات المبكرة.

وكان تبون قد زاد الشكوك حول إمكانية رحيل حكومة جراد منذ عشية سفره للعلاج في ألمانيا في العاشر من يناير الماضي عندما صرح أمام مودّعيه من كبار مسؤولي الدولة “الحكومة فيها وعليها”.

واعتبر متابعون للشأن السياسي في الجزائر أن تصريح تبون هو بمثابة إعلان مهام غير رسمي للحكومة التي عينها بعد انتخابه رئيسا للبلاد في ديسمبر 2019 وتم تعديلها مرة واحدة، لاسيما في ظل الانتقادات الشديدة التي طالت العديد من الوزراء بسبب فشلهم في تحريك الملفات المتراكمة على مكاتبهم.

غير أن الأجندة السياسية تطرح العديد من السيناريوهات على اعتبار أن الأولوية الآن تتجه إلى تنظيم انتخابات برلمانية ومحلية مبكرة قبل نهاية السداسي الجاري، وبما أن الانتخابات المنتظرة ستفرز مؤسسات جديدة تماشيا مع إفرازات المشهد السياسي بما فيها الحكومة والأجهزة التنفيذية في الولايات والمديريات الكبرى، فإن السلطة تجد نفسها أمام حتمية الإبقاء على طاقم عبدالعزيز جراد لأشهر أخرى.

ويسود إجماع في الدوائر السياسية بالجزائر على ضرورة رحيل الحكومة بسبب فشلها في تنفيذ التعهدات التي أطلقها الرئيس تبون خلال حملته الرئاسية، وعجز ما يوصف بـ”الطاقم التكنوقراطي” عن تحريك ملفات التنمية والنهوض بالاقتصاد المحلي ومواجهة التحديات التي أفرزتها الأزمة الاقتصادية وجائحة كورونا.

وكان رئيس حزب حركة البناء الوطني الإخواني عبدالقادر بن قرينة قد صرح للصحافيين بعد خروجه من اللقاء الذي جمعه بالرئيس تبون في إطار المشاورات السياسية المفتوحة في البلاد بأنه “اقترح على رئيس الجمهورية إجراء تغيير حكومي في أقرب فرصة من أجل تحقيق تطلعات الشعب في خطاب التغيير السياسي”.

عبدالقادر بن قرينة: اقترحت على الرئيس تبون إجراء تعديل حكومي في أقرب فرصة

وكان الرئيس تبون قد وجه بدوره انتقادات لحكومة جراد وللأجهزة التنفيذية التي عجزت عن تنفيذ سياسته وتوجهاته على غرار المنحة المالية التي خصصها للكوادر الطبية وشبه الطبية نظير تواجدهم في الصفوف الأمامية لمواجهة وباء كورونا، إلى جانب منحة أخرى قررها لفائدة المتضررين من الإجراءات الاحترازية التي أقرتها السلطة في إطار الحجر الصحي، غير أن هيمنة البيروقراطية على الأداء الحكومي عمقت حالة الغضب على هرم السلطة، وأجهضت مخططها في التكفل بالانشغالات ذات الأولوية.

وباتت حكومة عبدالعزيز جراد تشكل أحد الحلول للمأزق الذي أحاط بالسلطة خلال الأشهر الأخيرة رغم أنها لا تملك من الوقت ما يسمح لها بعرض بيان سياستها العامة أمام البرلمان بسبب تصاعد الغضب الشعبي في البلاد، وقد يصبح ترحيلها إحدى الأوراق التي بإمكانها امتصاص الغضب المذكور.

وتشكلت الحكومة في ظروف سياسية استثنائية ميزتها الاحتجاجات السياسية والمقاطعة الشعبية للانتخابات الرئاسية ولم يساهم الرئيس تبون نفسه في حسم هويتها النهائية، حيث تذكر مصادر مطلعة بأن أطرافا نافذة في السلطة هي التي وزعت المناصب واستحدثت البعض الآخر بشكل يتنافى مع الوضعية السياسية والاقتصادية المأزومة، حيث تتكون الحكومة من 41 وزيرا وكاتب دولة.

وأعطت جولة المشاورات السياسية التي فتحها الرئيس تبون مع قادة أحزاب سياسية من مختلف الأطياف فور عودته من رحلته العلاجية الثانية الانطباع بالنهاية الحتمية لحكومة جراد، غير أن الأجندة الحالية تدفع باتجاه كتابة عمر جديد للحكومة لأنه ليس في صالح الرجل القيام بتعيين حكومتين في ظرف أشهر قليلة إذا أقيلت هذه الحكومة وشكلت أخرى بعد الانتخابات القادمة.

ولا يستبعد متابعون للشأن السياسي المحلي أن يكتفي الرئيس تبون بتعديل بسيط على الحكومة من أجل امتصاص غضب الشارع المتصاعد مقابل الحفاظ على الاستقرار اللازم لتنظيم الاستحقاق الانتخابي المبكر، وينتظر أن يتم الحفاظ على الحقائب السيادية خاصة الداخلية والخارجية وتنحية بعض الوجوه التي لم يقنع أداؤها كما هو الشأن بالنسبة إلى التجارة والثقافة والشباب والرياضة.

وأفادت تسريبات ضيقة بأن مفاوضات سرية جرت بين السلطة وبعض الشخصيات المستقلة من أجل إقناع واحد منهم بالاضطلاع بمهمة رئيس الوزراء في إطار حكومة سياسية تستهدف استقطاب قطاع من المعارضة، وتم تداول العديد من الأسماء من بينها الدبلوماسي والوزير السابق عبدالعزيز رحابي ورئيس الحكومة السابق أحمد بن بيتور، غير أنه لم ترشح أي تفاصيل أخرى عن مسار ومصير المفاوضات المذكورة، لاسيما وأنها جرت خلال الفترة التي قضاها تبون في رحلته العلاجية الثانية بألمانيا.

وفي المقابل لا يستبعد أن تدخل أطراف سياسية في التشكيل الحكومي المنتظر في إطار صفقة إنشاء حزام سياسي جديد بين السلطة وبعض الأحزاب الموالية أو المقربة من السلطة من أجل إضفاء شرعية سياسية هي محل طعن من طرف الحراك الشعبي والمعارضة الراديكالية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: