خمسون ألف جزائري بصوت واحد: ليسقط تبون وحكم الجنرالات

بليدي

تدفق عشرات الآلاف من الجزائريين على مدينة خراطة (شرقي العاصمة) من أجل إحياء الذكرى الثانية لانطلاق احتجاجات الحراك الشعبي في الجزائر، رافعين الأعلام الجزائرية والأمازيغية ومرددين شعارات الحراك “من أجل استقلال الجزائر” و”الرئيس تبون مزوّر جابوه العسكر” و”الجنرالات في سلة المهملات”.

وتعتبر خراطة -التي تقع على بعد 300 كيلومتر شرق الجزائر العاصمة- مهد الحراك. وفي السادس عشر من فبراير 2019 تجمع فيها بشكل عفوي آلاف الجزائريين داعين إلى تغيير سياسي شامل وإلى رحيل كلي للسلطة القائمة.

وذكر شهود عيان أن مدينة خراطة تحولت خلال الأيام الأخيرة إلى قبلة للعناصر الفاعلة في الحراك الشعبي والناشطين المعارضين، بشكل حولها إلى عاصمة استقبلت آلاف الجزائريين القادمين من مختلف المدن والمحافظات، بغية المشاركة في المسيرة الكبرى ليوم الاثنين.

عبدالكريم زغيليش: تنظيم الحراك الشعبي ضروري لتحصينه من اختراق السلطة

وخرق خمسون ألفا من سكان المدينة والوافدين إليها إجراءات التباعد الاجتماعي وقرار تعليق المسيرات، ليعود بذلك مشهد الاحتجاجات السياسية التي عمت الجزائر بين 2019 و2020، قبل أن يجتاح فايروس كورونا العالم، وتدخل معه الجزائر في حالة هدوء سياسي ظهر أنه مؤقت في ظل مؤشرات العودة إلى الميدان.

وحافظ المحتجون على نفس الشعارات والخطاب الذي ساد الشارع قبل تعليق الاحتجاجات السياسية، حيث تصدرت المشهد مطالب وهتافات “الدولة المدنية” و”عدم شرعية الرئيس تبون” و”رفض حكم العسكر” و”إطلاق سراح المعتقلين” و”رحيل السلطة والجنرالات”.

وشاركت شخصيات سياسية من المعارضة في المسيرة، ومن بين هذه الشخصيات كريم طابو المعتقل السابق والمتحدث باسم حزب الاتحاد الديمقراطي والاجتماعي (قيد التأسيس)، ومحسن بلعباس رئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، وزبيدة عسول المحامية ضمن هيئة الدفاع عن معتقلي الحراك ورئيسة حزب الاتحاد من أجل التغيير والرقي، وممثلون عن جبهة القوى الاشتراكية، وعدد من الناشطين والمحامين المنضوين في تنسيقية ما يعرف بـ”الدفاع عن معتقلي الرأي” على غرار مصطفى بوشاشي.

ويقول مراقبون إن الاحتجاجات تأتي في وضع صعب بالنسبة إلى السلطة، ما قد يدفعها إلى تقديم تنازلات جديدة في محاولة لتهدئة الشارع، مشيرين إلى أن الوضع الصحي للرئيس عبدالمجيد تبون والخلافات داخل المؤسسة العسكرية لا يتركان هامشا من المناورة لهذه السلطة للالتفاف على المطالب الشعبية، خاصة أن الأطراف الخاسرين من السلطة ذاتها ممن كانوا في محيط الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة سيعملون على دعم الاحتجاجات وتوسيع نطاقها لدفع الفريق الحاكم إلى التراجع والبحث عن صفقة وتنازلات لإعادة ترتيب البيت.

وأرسلت العناصر المجتمعة في مدينة خراطة تخليدا للذكرى الثانية للحراك الشعبي مؤشرا قويّا على بلورة مقاربة جديدة من أجل توسيع دائرة الاحتجاجات السياسية وتنظيمها ونقلها إلى العاصمة ومختلف مناطق البلاد، كي تكون أمرا واقعا وليس استعراضا أسبوعيا لا يزعج السلطة.

وكان الناشط والإعلامي عبدالكريم زغيليش -الذي سبق أن سجن بسبب نشاطه في الحراك الشعبي- قد حمل لافتة اختصرت رسالة سياسية باتت محل تداول واسع لدى الشارع الجزائري، ومضمونها “ضرورة تنظيم الحراك وتهيئته ليكون بديلا للسلطة القائمة”.

وأكد زغليش أن “الحراك الشعبي بات في أمسّ الحاجة إلى تنظيم وتأطير وإلى ميثاق لتحصينه من المناورات والاختراقات، فالتجربة الماضية علمتنا أن السلطة تملك من الأدوات ما يمكّنها من امتصاص الصدمة والضغط”.

وأضاف “الحراك بلا إستراتيجية جديدة ومقاربة متجددة سيكون مآله الفشل، فقد ظهر من استغلال السلطة لجائحة كورونا أن الجسم الحراكي كان هشا، وصار لزاما على أبنائه أن يمدوه بعناصر التماسك والتضامن والمناعة”.

وظهر من الشعارات التي دوّت في المدينة أن المحتجين قلقون على وضعية “مساجين الرأي”؛ إذ صدحوا بحياة الشاب وليد نقيش الذي صرح أثناء محاكمته بأنه تعرض لـ”التعذيب والاغتصاب”، فضلا عن الهتاف بحياة الناشط المسجون رشيد نكاز الذي نقل محاموه أنه يتعرض لعمليات متكررة من التعذيب النفسي والذهني، رغم أنه أصيب بعدة أمراض في السجن وحياته صارت في خطر.

ودخل ناشطون معارضون في حملة تعبئة شاملة على شبكات التواصل الاجتماعي من أجل تجنيد الشارع مجددا ضد السلطة، وتحويل الذكرى الثانية للحراك إلى فرصة للإعلان عن موجة جديدة من الاحتجاجات المناهضة للسلطة.

ونظم ما يعرف بـ”نداء 22″ سلسلة ندوات مفتوحة على شبكات التواصل الاجتماعي من أجل بلورة أفكار وتصورات جديدة تنهي حالة الجمود والتفكك واستغلال احتفاظ السلطة بنفس الممارسات التي كانت تنفذها في السابق، على غرار تكميم الأفواه وملاحقة الناشطين، وخاصة أن شعارات التغيير التي تروج لها السلطة لم تحمل أي انفتاح أو نية لتحقيق مطالب الحراك الأساسية.

ويواصل الإعلام المحلي بشقيه الحكومي والخاص سياسة التعتيم والتجاهل تجاه مسيرة خراطة والعودة الوشيكة للحراك، الأمر الذي يستحضر نفس المشهد الذي خيم على الوضع الجزائري قبل عامين، لما كان الشارع يغلي والإعلام المحلي غائبا عن الحدث، ما شكل عنصر شحن للمحتجين.

وكانت السلطة الجديدة بقيادة الرئيس تبون قد ضمنت الحراك الشعبي في ديباجة الدستور الجديد واعتبرت يوم “22 فبراير يوما وطنيا للتلاحم بين الشعب والجيش” وخصته بتظاهرات واحتفاليات، ما قد يجعلها في وضع حرج جدا عند التعاطي مع الذكرى؛ حيث ستجد نفسها محتارة بين تعطيل الاحتجاجات السياسية من جهة واحترام ما ورد في الدستور من جهة أخرى.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: