الجزائر تلوّح بالخطر الخارجي لإرباك الانتفاضة الداخلية

مع اقتراب 22 فبراير تاريخ الذكرى الثانية لانطلاق ثورة الابتسامة وتزايد دعوات العودة إلى المظاهرات والاحتجاجات الشعبية، بدأ النظام الجزائري يناور بكل الطرق من أجل صد المنتفضين عن الخروج ومواصلة الحراك المطالب بدولة مدنية لا عسكرية.

وما يثير خوف القيادة العسكرية في هذا الوضع الاقتصادي الذي يزداد هشاشة كل يوم، هو تلك الإضرابات الطلابية والعمالية والاحتجاجات الاجتماعية التي تعرفها مناطق كثيرة من البلاد، منذ أكثر من شهرين، والتي تطالب بخلق فرص عمل هنا وبتوفير خدمات صحية هناك، أو ضمان وجود السيولة في البنوك ومراكز البريد والتي أصبحت تشكل هاجس كل المواطنين وخاصة المتقاعدين.

أدركت القيادة العسكرية أن في الجو رائحة انتفاضة كبرى ضد الانسداد السياسي وصعوبة العيش ورداءة الإدارة، وهذا سيؤدي حتما إلى تقاطع المطالب الاجتماعية – الاقتصادية ومطالب ثورة الابتسامة السياسية وقد يعقد الأمور أكثر، وقد ينفلت الوضع الأمني بانضمام أعداد كبيرة من الغاضبين، الذين ليس لهم ما يخسرون، إلى جموع الحراكيين السلميين.

أين الجزائر الجديدة والجزائري يعيش في انسداد اقتصادي واجتماعي ومالي ويرى بأم عينيه مجالا إعلاميا مغلقا، ويلاحظ دون عناء ذلك التضييق المتصاعد على الحريات

أغلب الغاضبين من القلة التي غرر بها قائد الجيش السابق أحمد قايد صالح وشاركت في الانتخابات الرئاسية (12 ديسمبر عام 2019) التي قاطعها معظم الجزائريين، والتي عيّن على إثرها عبدالمجيد تبون رئيسا، والذين يعرفون اليوم بـأصحاب “الأصبع الأزرق” نسبة إلى الإمضاء بالحبر الأزرق في عملية الاقتراع تفاديا للتزوير. ويشعر هؤلاء بنوع من الغبن والحسرة والندم إذ لم يروا من الوعود شيئا ولم تتحسن ظروف حياتهم وقد يتحول كل ذلك الإحباط إلى ثأر ما.

وما زاد في الطين بلة قضية الطالب الحراكي وليد نقيش التي خلفت استياء وسخطا عارما بعد أن تحدثت محاميته نبيلة إسماعيل عن “انتزاع اعترافاته تحت التعذيب” وتعرضه “للمعاملة القاسية وللتعذيب الجسدي والنفسي والاغتصاب”. ولم تتأخر المنظمات الحقوقية الدولية في الاهتمام بقضيته بما أن الجزائر صادقت على الكثير من الاتفاقيات المناهضة للتعذيب.

أمام هذا الغضب الشعبي المتصاعد لجأت السلطات إلى الاستنجاد بوزارة الشؤون الدينية لإطلاق فتوى تحذر من العدوّ الخارجي ومن انتقاد السلطة بهدف شيطنة الحراكيين (نسبة إلى الحراك)، وفي محاولة لإطفاء جذوة الانتفاضة الكامنة في النفوس عن طريق استغلال العاطفة الدينية. كما لجأت القيادة العسكرية إلى فكرة “العدوّ الخارجي المتربص”، تلك الفزاعة المعهودة المستعملة دائما كستار للتغطية على الوضعية السيئة العامة التي يعيشها الجزائريون، جراء غياب دولة القانون والمساواة والتنمية الحقيقية.

وقد تجلى ذلك بوضوح في افتتاحية مجلة الجيش لشهر فبراير الحالي عدد 691 والتي نقرأ على غلافها بالبنط الكبير “عازمون على دحر المخططات المعادية”، وتتحدث عن نجاح المناورة المسماة “تمرين الحزم 2021” التي جرت في الجنوب الغربي الجزائري باستعمال الذخيرة الحية.

ولأن موضوع الغلاف كان عسكريا فإن الافتتاحية كانت سياسية بامتياز بل يبدو ممّا جاء فيها أن قيادة الأركان هي حاكم البلاد الفعلي وهي عازمة على تطبيق خارطة الطريق التي رسمتها رغم عدم انخراط معظم الشعب الجزائري، كما ظهر ذلك جليا في مقاطعته القوية لمناسبتين انتخابيتين؛ رئاسيات 2019 والاستفتاء حول تغيير الدستور 2020. وسيكون الأمر أسوأ في الانتخابات التشريعية والبلدية المزمع إجراؤهما في الأيام القادمة إذا لم يتم تدارك الأمور بسرعة. فمعظم الشعب الجزائري ناقم ومتذمر من الأوضاع الكارثية الشاملة التي آلت إليها البلاد. ومع ذلك تصرّ مجلة الجيش وفي لغة تذكر بلغة السبعينات بأن “الجزائر الجديدة أضحت حقيقة ماثلة للعيان، تشق طريقها المنشود بحكمة وثبات بتاريخها العظيم ورئيسها المنتخب وشعبها الأبي وجيشها المغوار”. فأين الجزائر الجديدة تلك؟

رئيس غاب عن البلد أكثر من سلفه عبدالعزيز بوتفليقة، بينما البرلمان بغرفتيه والوزراء من مخلفات بوتفليقة، وعلى رأسهم عبدالمجيد تبون الذي قضى 17 سنة كاملة وزيرا وأربعة أشهر رئيس وزراء لدى الرئيس المخلوع.

أين الجزائر الجديدة والجزائري يعيش في انسداد اقتصادي واجتماعي ومالي ويرى بأم عينيه مجالا إعلاميا مغلقا، ويلاحظ دون عناء ذلك التضييق المتصاعد على الحريات عبر محاكمات واعتقالات وتخوين لكل من يعبّر عن معارضته للسلطة بل واتهامه بإحباط معنويات الجيش؟

تحدثت مجلة “الجيش” عن مخططات لضرب مصداقية الجيش وأطراف معادية تحاول بث الفوضى في الجزائر دون ذكر من هي تلك الجهات. فهل إشعار الشعب الجزائري بأن هناك مخططات معادية تحيط به من كل جانب سيجعله لا يحتجّ على الأوضاع السيئة التي يعيشها ويتوقف عن المطالبة بالتغيير؟

ما يثير خوف القيادة العسكرية في هذا الوضع الاقتصادي الذي يزداد هشاشة كل يوم، هو تلك الإضرابات الطلابية والعمالية والاحتجاجات الاجتماعية التي تعرفها مناطق كثيرة من البلاد

أليس إنكار الواقع من كاتب افتتاحية مجلة “الجيش” ضربا لمصداقية الجيش؟

لم تعد لغة التخويف بالمؤامرة الخارجية ولا الخطر المحدق بالوطن صالحة اليوم مع تطور وسائل التواصل الاجتماعي إذ أصبح العالم على مرمى شاشة هاتف نقال، وحتى وإن صدّق الجزائري ما تقوله مجلة “الجيش” فهو يرمي بالمسؤولية مباشرة على القيادة العسكرية، الحاكم الفعلي للبلد الذي لم يستطع تحصين البلد عن طريق إدارة حكيمة فعالة وقضاء عادل واقتصاد حقيقي. وهذا الفشل الشامل سبب كاف لاستمرار المسيرات والاحتجاجات والمطالبة بتغيير النظام والذهاب نحو جمهورية أولى.

من الحكمة والعقل أن يُترك الجزائريون يتظاهرون ويعبرون عن آمالهم بطرق سلمية يوم 22 فبراير الجاري، والأخطر هو منعهم وتصدي الجيش لهم، فهو الطريق الوحيد لتسهيل التدخل الأجنبي في الجزائر.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: