مرض تبون يضع الحراك في مواجهة مفتوحة مع الدولة العميقة

Belbazi

لا تتعامل الطبقة السياسية الجديدة في الجزائر بجدية مع خطورة المرحلة، ووجوب اتخاذ قرارات ملحة استجابة للحراك، ويبدو أن مرض الرئيس عبدالمجيد تبون يغذي التكهنات بتكرار سيناريو بوتفليقة، حيث سيكون الجزائريون في مواجهة مفتوحة مرة أخرى مع الدولة العميقة التي حاولت الاستفادة من ذلك الموقف رغم بوادر حسن النية التي تقدمها السلطات بالعمل على إصلاح الأوضاع مهما كانت التكاليف مع تحييد المؤسسة العسكرية.

 يتزايد شعور الجزائريين بالضجر من الرئيس عبدالمجيد تبون المريض، إذ من الواضح أن منصبه بات واجهة للدائرة المحيطة به التي تعمل في الخفاء، وهو ما يفتح الباب أمام احتمال عودة الحراك الشعبي مرة أخرى بقوة أكبر هذه المرة رغم القيود، التي تفرضها السلطات بتعلة انتشار الوباء.

وقبل نحو عامين، وجد الجزائريون أنفسهم أمام مسار، وإن كان ضيقا، للتحرر من قيود النظام السابق والدائرة الفاسدة، التي أحاطت بالرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، بالخروج إلى الشارع للمطالبة بحقوقهم المشروعة والاستفادة من خيرات بلدهم لكنهم لم يحققوا أهداف انتفاضاتهم حتى اليوم.

وما زال صانعو القرار في الجزائر يتعاملون مع الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والحقوقية بطابع قديم وبروح الدولة العميقة، وتعكس تفاصيل مرض تبون ذلك، مما يغذي التكهنات بأن البلاد مقبلة على سيناريوهات مفتوحة على كل الاحتمالات خاصة وأن الجزائريين لم يعد يخشون التعبير عن مواقفهم بوجه أي سلطة ستأتي إلى الحكم.

نفوذ الدولة العميقة

نورالدين خبابة: الدولة العميقة استغلت غياب الحراك لاستعادة ما ضاع منها

طرح ظهور تبون على موقع تويتر الجمعة الماضي، العديد من التساؤلات لاسيما وأنه عند عودته من ألمانيا في المرة الثانية، بعد أن أجرى عملية جراحية في أكتوبر الماضي إثر إصابته، التي فاجأت الكثيرين، لم يصرح بتاريخ العودة وظهر مباشرة في تسجيل على القناة الرسمية.

وعاد تبون عبر مطار بوفاريك العسكري جنوب غرب العاصمة، وليس عبر مطار هواري بومدين المدني، ومخافة أن تعيد الجزائر للأذهان صورة بوتفليقة وهو على كرسي متحرك، تم الاكتفاء بإظهار الرئيس جالسا على أريكة، لكن جلوسه وظهور جبيرة على رجله طرح علامات استفهام لاسيما وأن رئاسة الجمهورية قالت إن اصابته كانت بسبب فايروس كورونا.

وكان الرئيس الجزائري (75 عاما) قد تلقى العلاج لمدة شهرين في ألمانيا في الفترة الفاصلة بين أكتوبر وديسمبر الماضيين قبل عودته إلى بلاده دون إكمال العلاج بسبب التزامات، أشارت رئاسة الجمهورية في بيان إلى أنها تتصل ببعض “الملفات الطارئة”.

وخلال رحلة تبون للعلاج في المرة الأولى، عاد الجنرال خالد نزار من إسبانيا دون الإعلان عن عودته مع أنه كان محكوما عليه بالسجن، وقد توعد في تسجيل مصور ومنشور على الإنترنت خصمه الراحل قائد الأركان أحمد قايد صالح. وقد أعيدت محاكمة بعض الجنرالات ومنهم الجنرال توفيق، وتمت تبرئة ما أطلق عليه قايد صالح العصابة من تهمة المؤامرة.

ويعتقد الباحث والناشط السياسي الجزائري نورالدين خبابة أن هذا الوضع يعيد إلى الأذهان ما حصل قبل عامين حينما حاولت الدولة العميقة إعادة ترتيب أوراقها حتى تبقى إدارة خيوط المشهد بيدها، رغم أن قايد صالح تصدى لكل المحاولات، إذ فرض موعد الانتخابات الرئاسية في الـ12 من ديسمبر 2019 على الجميع بالقوة بعد تأجيل موعد الانتخابات مرتين.

ووجد قايد صالح الذي قام بمغازلة الحراك حتى يعطي مسحة شعبية لقراراته، تجاوبا كبيرا داخل الحراك في الأسابيع الأولى منه، باستخدام المادة 7 و8 من الدستور الذي عدل سنة 2016. وهكذا استطاع أن يتغطى بالشارع ليفرض الأمر الواقع على خصومه الذين حاولوا الإطاحة به وأُعلن خلع بوتفليقة في الثاني من أبريل 2019.

وعند اتساع رقعة الحراك، بدأ سقف المطالب يرتفع ولم يعد مقتصرا على حاشية سعيد بوتفليقة وأحمد أويحيى ورجل الأعمال المدلل للنظام السابق علي حداد. كما كانت تنوي بعض الجهات حصره فيه، بل أصبح المطلب رحيل النظام بأسره. وبدى المكلفون بمهمة في تهييج الشارع يختفون عن الأنظار ويعودون إلى الصفوف الخلفية لاسيما بعد أن حققوا بعض أهدافهم.

وكانت تطلعات الشعب نحو آفاق جديدة آخذة في الاتساع وبشكل تصاعدي، والأغلبية باتت مؤمنة بجزائر جديدة تتسع للجميع، ولو أن أساليب التعبير والشعارات مختلفة.

حينها بدأ الحديث عن المرحلة الانتقالية كأمر واقع، وبما أنه إذا ما كان المقصد هو التأسيس لجمهورية جديدة، فإنها كانت ستؤدي ليس فقط إلى فقدان سيطرة حاشية الرئيس المخلوع، بل ستعصف برؤوس الدولة العميقة وتسحب المبادرة منها، وتعود السلطة تدريجيا إلى الشعب.

ويؤكد خبابة أن أبواق النظام الجديد ودجاجلة السياسة معهم بدأوا في عملية شيطنة خيار المرحلة الانتقالية والحراك والدفع إلى انتخابات مغلقة معروفة النتائج. وقد اتضح ذلك منذ الوهلة الأولى بتعيين شخصيات للأشراف عن الحوار الموجه والانتخابات المحسومة بفرض قائمة مديرها واحد.

لكن إعلان وفاة قايد صالح بعد تمرير الانتخابات بأيام قليلة والذي كان في ظروف جد غامضة، جاء ليزيد من تعقيد المشهد السياسي والاجتماعي، بحسب المحلل السياسي خبابة، حيث تم تجميد الحراك الشعبي بسبب وباء كورونا بعدها في شهر مارس الماضي، واستغلت الدولة العميقة غياب الحراك الشعبي وشرعت في استعادة ما ضاع منها.

فعقب وفاة قايد صالح، والذي لحق به ذراعه الأيمن الجنرال حسن علايمية وأيضا الجنرال مفتاح صواب، قامت السلطات بتنحية الجنرال عمار بوسيس المكلف بما كان يجرى في أروقة المحكمة العسكرية عبر ملاحقة وسجن بعض الجنرالات ومنهم بشير طرطاق ومحمد الأمين مدين المعروف باسم “الجنرال توفيق” على وجه التحديد وكذلك إدانة وزير الدفاع خالد نزار.

القطيعة مع الماضي

Thumbnail

المسؤولون في أعلى هرم السلطة لا يدخرون جهدا في محاولة يصفها المراقبون بـ”اليائسة” بهدف بث الطمأنينة في نفوس الجزائريين، ولكن مع ذلك تظل التساؤلات حول ما إذا كان فريق تبون سوف يُقدم على تهدئة الأوضاع بعد عودة الرئيس من ألمانيا، أم سيعود الشعب إلى الشارع لاستعادة سلطته، هي الطاغية.

ويرى خبابة أن الوضع الذي تمر به الجزائر سواء من الناحية الاقتصادية أو من الناحية الاجتماعية أو السياسية أو الأمنية، وحجم الأزمة المختلفة الجوانب والتراكمات السلبية المرتبطة بالمأساة وتداعيات احتلال دام أكثر من قرن والحلول المؤجلة وغير الناجعة، والمؤامرات التي تستهدف البلاد، كلها تتطلب قرارات تاريخية تعيد الثقة المهزوزة لدى الشعب.

ويبدو أن السلطات متخوفة من عودة الجزائريين إلى الشارع بسبب الغموض، الذي يلف المشهد برمته رغم محاولاتها الاستجابة للضغوط المسلطة عليها، فقد سعت الحكومة على لسان الناطق الرسمي باسمها وزير الإعلام عمار بلحيمر إلى دفع الأحداث إلى وجهة أخرى وتفريغ أي احتجاجات مرتقبة من مضمونها.

وقال بلحيمر في مقابلة مع صحيفة “لوسوار دالجيري” الناطقة بالفرنسية إن “المزيج المضاد للثورة الذي يجمع الشيء بنقيضه بتمويل وتعليمات من دوائر نظامية وغير نظامية لقوى أجنبية تعمل بلا هوادة على التحريض على العصيان المدني والفوضى واللجوء إلى العنف”، بهدف العودة إلى الحكم.

وأشار إلى أنهم (بقايا النظام السابق) “يأملون في استرجاع الحكم ودواليب الدولة من خلال تمديد المسيرات إلى كافة أيام الأسبوع حيثما أمكن تنظيمها، معتمدين في ذلك على شعارات معادية للمؤسسة العسكرية ولمصالح الأمن”.

وتريد السلطة الجديدة بقيادة تبون، التي اتجهت لمحو آثار مرحلة ما قبل الانتخابات الرئاسية، التي هيمنت فيها قيادة الجيش على المشهد السياسي، ودفعت حينها بكل قوة من أجل فرض تصوراتها لتطويق الأزمة السياسية التي أفرزتها الاحتجاجات الشعبية، فتح آفاق جديدة في علاقة الجيش بالمؤسسات الأخرى للدولة.

وكان قائد هيئة أركان الجيش، الجنرال سعيد شنقريحة، قد أكد مرارا أنه يسعى إلى تحييد المؤسسة العسكرية عن التجاذبات السياسية في خطوة لم يذهب فيها سابقو الرجل، الذين تداولوا على قيادة هيئة الأركان، حيث يثير نفوذ القوات العسكرية الجزائرية في الشأن العام جدلا لا ينتهي.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: