مع عودة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون الجمعة، إلى بلاده بعد رحلة علاجية في ألمانيا دامت أسابيع، يجد نفسه محاصرا بملفات ثقيلة أبزرها الضائقة الاقتصادية وعودة وشيكة للاحتجاجات الشعبية المنددة بتردي الأوضاع.
عَكَس التحسن المفاجئ للخدمات الاجتماعية المقدمة لطلبة الجامعات خلال الأيام الأخيرة، جهود الحكومة الجزائرية من أجل احتواء الغضب المتفاقم في القطاع، خاصة بعد الحادث المأساوي الذي راح ضحيته طالبة قضت احتراقا، وظهور مؤشرات انفجار اجتماعي وسياسي جديد، ما من شأنه أن يزيد من متاعب سلطة فقدت مركز القرار طيلة شهور كاملة.
وتسود حالة من الترقب والانتظار للأوضاع الاجتماعية والسياسية في الجزائر، تتشابه كثيرا مع تلك التي سبقت انفجار احتجاجات الحراك الشعبي، قبل عامين من الآن، ففيما كان آنذاك الشارع يعبئ نفسه عبر شبكات التواصل الاجتماعي، كانت الآلة الدعائية للسلطة تجند كل إمكانياتها من أجل إفراغ حالة الغضب المتفاقم.
وشكل وضع هرم السلطة قاسما مشتركا بين الحالتين، ففيما كان الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة يتهيأ لتخطي حاجز العشرين عاما في حكم الجزائر، لم يقض خلفه عبدالمجيد تبون إلا شهورا قليلة، ليجد نفسه في رحلة علاج مركبة ومثيرة للجدل.
ومع بقاء نفس الظروف التي رحّلت بوتفليقة عن السلطة، بإمكانها أن تضع الرئيس تبون على نفس السيناريو، في ظل حملات التعبئة الافتراضية من أجل نسخة جديدة من الحراك الشعبي في الجزائر، واستمرار القطيعة بين السلطة والشارع رغم مرور عامين على أول انتفاضة سلمية للجزائريين.
ولعبت الوعكة الصحية التي ألمت بتبون في أكتوبر الماضي، وأجبرته على رحلتين علاجيتين إلى ألمانيا، في غير صالح السلطة الجديدة، فعلاوة على استمرار التجاذب داخل هرم السلطة بشكل يوحي إلى غياب الإجماع على شخص الرئيس الحالي، هناك كم من القضايا والملفات المتراكمة والمؤجلة منذ انتخابه رئيسا.
وباتت حكومة عبدالعزيز جراد، تشكل أحد الأعباء الثقيلة التي أنهكت السلطة الجديدة، وفشلت في تسويق خطاب التغيير، ولذلك دخلت منذ أسابيع في مرحلة العد التنازلي، ويبدو أن المسألة لم تكن تنتظر إلا عودة رئيس البلاد، في خطوة تستهدف تطويق العجز المسجل في الجهاز التنفيذي، حيث غاب التنسيق والانسجام داخل الطاقم الحكومي للتكفل الحقيقي بالملفات المطروحة أو تحريك القطاعات المشلولة منذ عدة أشهر، رغم التعديل الذي طالها.
ورغم تمرير السلطة لاستحقاق التعديل الدستوري الذي عرف مقاطعة شعبية كبيرة، والإقرار بالذهاب إلى انتخابات تشريعية محلية مبكرة خلال النصف الأول من العام الجاري، إلا أن تدهور وضعية الحريات وحقوق الإنسان في البلاد، وتصاعد الانتقادات الداخلية والخارجية لحالات القمع والاعتقالات والتضييق، يبقى الحرج قائما على سلطة تبون، خاصة في ظل الحديث عن ممارسات تعذيب جسدي واغتصاب جنسي من طرف جهاز أمني لأحد المعتقلين السياسيين.
وضغطت الأزمة الاقتصادية وإفرازات جائحة كورونا، بدورها في غير صالح السلطة الجديدة بالجزائر، حيث ساهم تراجع القدرة الشرائية وارتفاع التضخم وتدهور قيمة العملة المحلية وارتفاع أرقام البطالة في تغذية احتجاجات اجتماعية أخذت عدواها في التوسع خلال الأسابيع الأخيرة، وهو الأمر الذي يقلص من هامش مناورة الحكومة في شراء السلم الاجتماعي، ويضع الاستقرار على كف عفريت.
وفيما توجّه اهتمام السلطة لتسويق عودة تبون من رحلته العلاجية الثانية من ألمانيا إلى بلاده، تتوجّه الأنظار صوب ما ستفرزه الأيام القليلة القادمة في ظل حملة تعبئة شعبية على شبكات التواصل الاجتماعي، لتفجير نسخة ثانية من الحراك الشعبي بداية من الثلاثاء القادم، وذلك بالموازاة مع حلول الذكرى الثانية للحراك الشعبي.
ويعيش الشارع الجزائري على وقع حالة من الترقب السياسي والاجتماعي غير المسبوق، نظير قرارات منتظرة من طرف السلطة بعد عودة تبون، لاحتواء الغضب السياسي والاجتماعي المتفاقم، خاصة في ما يتعلق بهوية الحكومة القادمة، التي رشح عنها أن تكون سياسية ولا يستبعد أن تسند رئاستها لشخصية مستقلة مقربة من المعارضة، ما يفتح المجال أمام مراجعة ممارسات سابقة أو إحداث تقارب مع الحراك الشعبي.
وعاد تبون الجمعة إلى بلاده من رحلة علاجية ثانية قادته إلى ألمانيا دامت شهرا، وسط جدل متجدد حول الوضع الصحي الحقيقي للرجل، ففي كل مرة يترك ظهوره علامات استفهام لدى الرأي العام، ويغذي الشكوك التي أحاطت بالملف منذ شهر أكتوبر الماضي.
وتتراكم الكثير من الملفات على مكتب تبون منذ عدة أشهر، الأمر الذي انعكس سلبا على أداء الأجهزة التنفيذية، وأصاب مؤسسات الدولة بحالة من الشلل نتيجة النمط السياسي المعتمد في البلاد، ومركزية غالبية الصلاحيات لدى رئيس الجمهورية، رغم ما وصف بـ”الإصلاحات” التي مررت في الدستور الجديد للبلاد. ويأتي على رأس تلك الملفات مصير الحكومة، وتعاطي السلطة مع عودة وشيكة للاحتجاجات في البلاد بداية من الثلاثاء القادم، إلى جانب تدهور الأوضاع المعيشية لقطاع عريض من الجزائريين نتيجة تداعيات الأزمة الاقتصادية وأزمة كورونا.