لا يستطيع أكثر الناس تفاؤلا تصوّر وضع الجزائر دون مصدر اقتصادها الأساسي (النفط والغاز) الذي بدأ يتقلص خلال السنوات الماضية، حيث يستدعي تراجع مخزون الآبار التقليدية استثمارات ضخمة من طرف شركة سوناطراك الحكومية لتجديد المصادر المتبقية، الأمر الذي يرفع تكلفة الإنتاج ويفرغ القطاع من جدواه تماما في حال تهاوي الأسعار كما حدث خلال الأشهر الماضية، وذلك بعد انتشار معلومات عن أن الجزائر وصلت إلى عتبة نازلة تنقلها من بلد منتج ومستهلك ومصدر للنفط إلى بلد مستهلك بإنتاج يسد الحاجة المحلية فقط.
ونفت وزارة الطاقة الجزائرية الخميس توجه البلاد لأن تصبح “دولة غير نفطية”، ردا على تقارير إخبارية تحدثت عن تراجع حاد في إجمالي صادراتها اليومية.
جاء ذلك في تصريحات لوزير الطاقة الجزائري عبدالمجيد عطار خلال رده على أسئلة شفاهية في المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان).
ويتساءل الجزائريون عما سيؤول إليه مستقبلهم إنْ تراجع إنتاج البلاد إلى حدوده الدنيا ولم يعد قادرا على ضمان الامتيازات التي تقدمها الدولة إلى مواطنيها في سياق سياسة شراء السلم الاجتماعي التي تعتمدها السلطة منذ عقود.
وقاد تراجع العائدات النفطية وعجز السلطات عن ضخ الأموال في مشاريع خدمية إلى احتجاجات شهدتها الجزائر على مدى أسابيع وضمت الآلاف من الشباب العاطلين عن العمل وشاركت فيها فئات مختلفة من العمال.
وتعاني الجزائر من تبعية تامة للريع النفطي، ولم توفق الحكومات المتعاقبة في تنويع الاقتصاد المحلي والتحرر من التبعية النفطية -إذ مازالت الثروات الباطنية تشكل أحد أعمدة المخططات الحكومية- بما فيها حكومة عبدالعزيز جراد الحالية التي رفعت شعارات التغيير والتجديد في كل المجالات لمواكبة ما أسمته بـ “تطلعات الحراك الشعبي المبارك”.
وحسب الوزير عطار الأرقام التي قُدّمت مؤخرا بشأن صادرات الجزائر من النفط والغاز “ذهبت بعيدا في تشويه صورة البلاد بما لا يمت إلى الحقيقة بصلة”.
وأثارت تقارير صحافية نشرت في وسائل إعلام محلية جدلا حادا على منصات التواصل الاجتماعي، حيث تساءل موقع “كل شيء عن الجزائر” (خاص) الناطق بالفرنسية عن احتمالية تحول البلاد إلى بلد غير مصدر للنفط.
وحسب الموقع ذاته صارت وكالات أنباء دولية ومواقع متخصصة تنظر إلى الجزائر أكثر فأكثر على أنها بلد غير نفطي أو في طريقه إلى أن يصبح كذلك.
وشدد عطار على أن “هذه الأخبار تحتوي على أرقام خاطئة ومغلوطة؛ صادراتنا اليومية 937 ألف برميل، منها 677 ألف برميل من النفط الخام، و80 ألف برميل من النفط الخفيف، و180 ألف برميل من النفط السائل”.
وأضاف “هذه الأرقام هي الصحيحة وتم نشرها على موقع الوزارة الرسمي على شبكة الإنترنت، منذ الأسبوع الأول للعام الحالي. وهذا يؤكد أن نشر أرقام مغلوطة بعيدة عن الحقيقة هدفه نوايا خبيثة ضد الجزائر”.
وتنتج الجزائر -العضو في منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك”- ما يقارب 1.2 مليون برميل يوميا من الخام، وقلصت إنتاجها بموجب اتفاق التخفيض المتوصل إليه في إطار تحالف “أوبك+”.
ويعاني اقتصاد الجزائر تبعية مفرطة لعائدات المحروقات (نفط وغاز)، إذ تمثل 93 في المئة من إيرادات البلاد من النقد الأجنبي وفق بيانات حكومية رسمية.
وتسعى الحكومة لزيادة احتياطات وإنتاج النفط والغاز من خلال قانون جديد للمحروقات -تعتبره السلطات محفزا للاستثمار الأجنبي- سيدخل حيز التطبيق خلال أشهر.
وتعتمد الجزائر في تموين حاجيات أسواقها على المنتوجات المستوردة في مختلف القطاعات، وبشكل نسبي في المجال الزراعي، حيث تبقى رهينة الأسواق الدولية في ما يتصل بتلبية الحاجيات الصحية والغذائية، ولا تتعدى صادراتها في أحسن الأحوال الملياري دولار سنويا، وهو ما يرسم صورة قاتمة لمستقبل البلاد في ظل التقلص التدريجي لمواردها النفطية والغازية.
وتبقى ورقة الغاز الصخري أبرز رهان إستراتيجي في يد السلطة، ولاسيما أن الإحصائيات الدولية تضع الجزائر في طليعة الدول المنتجة لهذه المادة، رغم ما ينطوي عليه الاستثمار من مقامرة بالمقدرات الاستثمارية الضخمة المطلوبة مقابل وضع الأسواق الدولية والتهديدات الطبيعية والبيئية للبنية الجيولوجية، فضلا عن المقاومة الرافضة لأي توجه إلى مثل هذه الاستثمارات.
وتضمن قانون الموازنة العامة للعام الجاري عجزا تاريخيا قدر بنحو 23 مليار دولار؛ بسبب استقرار فاتورة الاستيراد وتلبية الحاجيات الداخلية، وتقلص مداخيل الخزينة العمومية من النقد الأجنبي نتيجة تهاوي الأسعار وتقلص الإنتاج، حيث توقعت في هذا الشأن تصريحات رسمية لمسؤولين حكوميين أن يكون حجم الغاز المنتج موجها إلى السوق الداخلية فقط خلال السنوات القادمة أمام ارتفاع الطلب الداخلي وتراجع الإنتاج، ولن يكون بإمكان البلاد تصدير الغاز إلى الخارج.