بايدن يحيي “المسار السياسي”

نورالدين النايم

فتَح قرار الإدارة الأميركية الجديدة إنهاءَ دعم الولايات المتحدة للتحالف السعودي – الإماراتي في حربه ضدّ اليمن، كوّة في جدار الأزمة المتواصلة منذ ستّ سنوات. وإن كانت قراءات كثيرة، في هذا السياق، تتحدّث عن «رمزية» الخطوة «المتأخّرة جدّاً»، إلّا أن القرار دفع في اتّجاه استئناف الجهود الدبلوماسية التي تقودها الأمم المتحدة لخرق حالة المراوحة في هذا الملفّ. وفي هذا الإطار، حلّ المبعوث الأممي، مارتن غريفيث، ضيفاً في العاصمة الإيرانية طهران، حيث التقى، يوم أمس، وزير الخارجية محمد جواد ظريف، الذي أبلغه دعمَ بلاده لأيّ دورٍ فاعل تؤدّيه المنظّمة الدوليّة لإنهاء الحرب، على رغم إقراره بأن إعلان جو بايدن الذي يُحتمل أن يشكِّل خطوةً «نحو تصحيح أخطاء الماضي»، غير كافٍ لإنهاء الأزمة.

حراك غريفيث الذي يجيء في ضوء قرار بايدن وقف إمداد «التحالف» بالدعم الأميركي، بهدف «تعزيز الجهود الدبلوماسية» لإنهاء الحرب، يُعدُّ خطوةً تمهيديّة في مسارٍ طويل لا يزال من المبكر تحديد مآلاته. وهو قرارٌ يمثّل، وفق ما تقرأه «واشنطن بوست»، تحوّلاً كبيراً في الموقف الأميركي منذ إطلاق إشارة الحرب الأولى من واشنطن سنة 2015، ولكنه «يأتي متأخّراً سنوات، ولا يُرجَّح أن يكون له تأثير سريع»، على حدِّ تعبير بِنْ هابِرد في «نيويورك تايمز». على أن الإدارة الجديدة قدّمت القليل من التفاصيل حول ما سيعنيه إعلانها من الناحية العمليّة؛ ومن هذا القليل، وعود بايدن بوقف مبيعات السلاح المتصلّة بالحرب، لحلفائه في الرياض وأبو ظبي، فضلاً عن «تكثيف الدبلوماسية»، وتعيين مبعوث خاص إلى اليمن، ودعم وقف كامل لإطلاق النار، وعملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة، والالتزام بضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى هذا البلد. يشير ما تقدّم، وفق «واشنطن بوست»، إلى أن الإدارة تخطّط لاستثمار مستدام في الدبلوماسية لإنهاء الحرب؛ إذ يُعتبر «الاعتراف باستحالة الفوز فيها محوراً رئيساً في سياسة الولايات المتحدة». وفي الاتجاه نفسه، يرى محمد عبدي، المدير القطري لليمن في «المجلس النروجي للاجئين»، أن «لدى إدارة بايدن فرصة تاريخية لتغيير دور الولايات المتحدة في اليمن، من سمسار أسلحة في ظلّ الإدارة السابقة، إلى صانع سلام». ويضيف أن الرئيس الأميركي «لديه الآن فرصة لتعبئة العالم للدفع من أجل وقف فوري لإطلاق النار على الصعيد الوطني»، و»الضغط على أطراف النزاع للعودة إلى طاولة المفاوضات».

يمثّل إعلان بايدن تحوّلاً كبيراً في الموقف الأميركي منذ إطلاق إشارة الحرب الأولى

في أوجه، تضمّن الدعم الأميركي الجوانب اللوجستية والاستخبارية والعسكرية، فضلاً عن مبيعات السلاح بمليارات الدولارات لـ»التحالف» الذي تقوده السعودية، وتزويد الطائرات الحربية بالوقود جواً (توقّف الإجراء الأخير في أواخر عام 2018، في أعقاب مقتل جمال خاشقجي). وفي حين أن إنهاء دعم الرياض وأبو ظبي يبعث برسالة سياسية، فليس واضحاً بعد ما سيتبعه من الناحية العملية. في مقالة لهما في «واشنطن بوست»، يشير سودارسان راغافان وميسي رايان إلى أن «الجزء الصعب» من تحقيق سلام حقيقي في اليمن، يبدأ الآن. ففي واشنطن، رأت كل من إدارتَي (دونالد) ترامب و(باراك) أوباما الصراع من منظور التنافس السعودي – الإيراني الأوسع. كان هذا دائماً، يشير إيشان ثارور في مقالة للصحيفة نفسها، «إطاراً بسيطاً للغاية: الحوثيون أكثر استقلالية عن إيران من بعض وكلاء طهران في العراق ولبنان». ويرجَّح أن يمثّل إقناع «أنصار الله» بقبول تسوية سياسية، الجانب الأصعب، بحسب أنيل شلاين من معهد «كوينسي»، ولا سيّما أن الحركة تشعر بأن لها «اليد الطولى في الحرب، ولديها أسباب قليلة لوقف القتال الآن». لكن السؤال الرئيس، وفق راغافان ورايان، «هو إذا ما كان الأطراف المتحاربون في اليمن سيقبلون التحوّل الحادّ في السياسة الأميركية، وإذا ما كانوا سينظرون إلى الولايات المتحدة كوسيط دبلوماسي محايد وجدير بالثقة… في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، يُنظر إلى أميركا على أنّها المحرِّض الرئيس على الحرب».
أمّا الباحثة في الشأن اليمني في «هيومن رايتس ووتش»، أفراح ناصر، فتشير إلى «خلافات ومظالم وتوتّرات وانقسامات عميقة الجذور في اليمن، وأكثر من 30 جبهة قتال بين مختلف الفصائل… كانت مسؤولية الولايات المتحدة أن يكون لها موقف قوي، لكنّنا في حاجة إلى نهج شامل لإنهاء الصراع». ومع ذلك، يرى بعض الخبراء علامات «مشجّعة» في نهج بايدن تجاه الحرب، بما فيها تعيينه تيموثي ليندركينغ، وهو دبلوماسي مخضرم يتمتّع بخبرة واسعة في المنطقة، مبعوثاً خاصاً مكلّفاً بالضغط من أجل تسوية سلمية. يقول بيتر سالزبري، محلّل شؤون اليمن في «مجموعة الأزمات الدولية»، إن التركيز على الدبلوماسية التي كانت غائبة عن كبار القادة في إدارة ترامب، أمر مرحّب به. وقد يؤدي تقليص الدعم إلى جعل الولايات المتحدة أكثر قدرة على الدفع في اتجاه تسوية. ويضيف: «من خلال إخراج نفسها من الصراع، تكون أميركا أكثر قدرة على وضع نفسها كقوّة دبلوماسية تسعى بمصداقية إلى إنهاء الصراع». لكن الصعوبة تكمن في إيجاد حلّ وسط تعتقد غالبية الفصائل المسلحة والسياسية في اليمن أنه مقبول. «قد يكون من الممكن إنهاء الحرب الكبيرة، ولكن من الصعب للغاية إنهاء الحروب الصغيرة التي تشكّل الصراع.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: