أعاد القضاء الجزائري فتح ملفات فساد قديمة في قطاع النفط، وأدرج مجددا ملف “سوناطراك 1” أمام محكمة الجنايات بالعاصمة في منتصف شهر فبراير الجاري، بعد قبول المحكمة العليا (أعلى هيئة قضائية في البلاد) الطعن في النقض المقدم إليها، ليعود بذلك واحد من ملفات الفساد المثيرة للجدل في الجزائر إلى الواجهة.
وارتبط ملف “سوناطراك 1” وبعده ملف “سوناطراك 2” والطريق السيار بأبرز وجوه نظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، وعلى رأسهم وزير الطاقة الأسبق الفار من عدالة بلاده والمقيم في الولايات المتحدة شكيب خلال.
ورغم أن الملفات المذكورة قد تم النظر فيها سابقا من طرف القضاء، إلا أن فتح ملف “مجمع الخليفة” خلال الأسابيع الماضية، وتكريس نفس الأحكام على الضالعين فيه دون بروز أي معطيات جديدة حول بعض الوجوه التي ظل الشك يحوم حولها، على غرار الأمين العام السابق للاتحاد العام للعمال الجزائريين عبدالمجيد سيدي سعيد، أعطى الانطباع لدى دوائر قضائية بأن المسألة تتعلق بطي الملفات إلى الأبد وإبعادها عن الأنظار.
وشكلت ملفات الفساد المتصلة بشركة سوناطراك النفطية المملوكة للقطاع العام، والطريق السيار، أحد أبرز أدوات الصراع السياسي في الجزائر خلال السنوات الماضية، لدخولها في لعبة لي الذراع آنذاك بين جناح الرئاسة وبين جناح الاستخبارات، قبل أن يحسم الصراع لصالح الأولى في 2015.
غير أن اندلاع احتجاجات الحراك الشعبي في 2019، ودفعها بقائد الجيش آنذاك الجنرال الراحل أحمد قايد صالح إلى الواجهة كرجل الأمر الواقع الذي فرضه الفراغ المؤسساتي، أعاد إلى الأنظار ملفات الفساد القديمة بعدما تعهد حينها بحرب مفتوحة، وتحدث عن مراجعة قضائية لملفات سوناطراك 1 و2 والطريق السيار ومجمع الخليفة.
وتبقى الجدوى من إعادة فتح الملف المذكور محل شكوك في ظل غياب كل المتهمين عن البلاد، وعلى رأسهم وزير الطاقة الأسبق شكيب خليل، إلى جانب كل من الرئيس المدير العام السابق لشركة سوناطراك محمد مزيان، وكذلك ابنيه مزيان محمد رضا ومزيان بشير فوزي، إضافة إلى إسماعيل محمد جعفر، بلقاسم بومدين، رجال محمد شوقي، زناسني بن عمر، مغاوي الهاشمي، مغاوي يزيد إلياس، حساني مصطفى، شيخ مصطفى، عبدالعزيز عبدالوهاب، آيت الحسين مولود، صنهاجي محمد وملياني نورية، حيث لا يوجد أي موقوف من هؤلاء المتهمين.
المحاكمة لا يعول عليها كثيرا في تسليط الضوء على كل نقاط الظل بسبب غياب المتّهمين وصعوبة تعقب الأموال المنهوبة
ويوجد أيضا في قائمة المتهمين شركة “سايبام كونتراكتينغ ألجيري”، ومجمع “كونتال فولكوارك” وشركتا “كونتال الجزائر” و” فونكوارك” الألمانية، وهو ما يجعل الملف عابرا للقارات والحدود، غير أن المحاكمة لا يعول عليها كثيرا في تسليط الضوء على كل نقاط الظل بسبب غياب المتهمين وصعوبة تعقب الأموال المنهوبة من الشركة.
وتتمحور تفاصيل القضية في إبرام صفقات مخالفة للقانون، ومنح امتيازات غير مستحقة في عهد المدير السابق المتابع ضمن مجموعة المتهمين بجناية قيادة جماعة أشرار، وإساءة استغلال الوظيفة وتعارض المصالح وغسيل الأموال وغيرها من التهم.
واللافت في المسألة هو عدم ظهور الوزير شكيب خليل في خانة المتهمين ولا في قائمة الشهود، رغم نفوذه في قطاع الطاقة الجزائري خلال حقبة الرئيس المتنحّي وإدارته في بعض السنوات لشؤون الوزارة والشركة في آن واحد.
وتلقى قطاع الطاقة الجزائري ضربة موجعة بسبب تلك الملفات، حيث لم تعد الوجهة الجزائرية جذابة للمستثمرين الأجانب بسبب شبهات الفساد والمناخ الإداري والاقتصادي، وهو ما تسبب في عزلة دولية للشركة استدعت السلطة الجديدة في البلاد إلى مراجعة المنظومة التشريعية المتصلة بالاستثمار وبالمحروقات بشكل عام.
وكان القضاء الجزائري قد أصدر العام 2016 أحكاما وصفت بـ”المخففة” وغير المتناسبة مع طبيعة الاختلاسات والرشاوى والعمولات المتداولة بين كبار المسؤولين والشركات الناشطة، فمن بين 19 متهما استفاد معظمهم من البراءة، وسلطت على آخرين عقوبات موقوفة النفاذ.
وتمت إدانة الرئيس المدير العام السابق محمد مزيان بخمس سنوات سجنا مع إيقاف التنفيذ ومليوني دينار جزائري غرامة نافذة. وبالنسبة إلى ابنه رضا فتمت إدانته بست سنوات سجنا نافذا وغرامة مالية نافذة بقيمة مليوني دينار جزائري، وابنه الآخر فوزي بشير بخمس سنوات سجنا نافذا ومليون دينار جزائري غرامة مالية نافذة. كما تم الحكم على إسماعيل محمد رضا مسير مجمع “كونتال” بست سنوات سجنا نافذا مع غرامة مالية بمليون دينار ومنعه من المشاركة والدخول في الصفقات العمومية الجزائرية ومصادرة أملاكه كعقوبة تكميلية.