من يوميات معلمة

تورية لغريب

ولجت باب المؤسسة ، وقعت حضوري المبكر كالعادة و انا استعد ليومي المزدحم بالعمل ، لم يحن الوقت لاستقبال تلاميذي فاستعددت كعادتي بارتداء وزرتي البيضاء و ابتسامتي المعهودة ، استقبلهم و لدي خلفية على بيئتهم و على مشاكل التعلم لديهم …لست معلمة عادية على ما يبدو ..فزميلاتي في العمل لا يأبهن إلا لإنهاء المقرر الدراسي المشحون في موعده ، يشتغلن برتابة و ميكانيكية تذكرني بالعقود السالفة…

أرتب تفاصيلي اليومية و التي تتنوع بين عملي الاساسي كمعلمة و بين كتاباتي الصحفية و الادبية و بين دراستي الجامعية و كذا اهتماماتي بالعمل التطوعي …الخ .

كلها اولويات بالنسبة لي ، لكن عملي الاساسي و الذي اتقاضى من اجله راتبا شهريا ، يظل مرتع انشغالي فانا اشتغل وفق قناعاتي الشخصية و اؤمن بدوري كمدرسة و تربوية و هنا وجه التقابل مع اصحاب المؤسسة و التي يبدو انها وقفت في مكانها و لم تدرك ما حملته السنون من تغييرات …

بدا التلاميذ في التوافد حاملين على ظهورهم أوزار منظومة تعليمية فاشلة ينؤون بثقل المحافظ و هم يصعدون السلالم ، لا يمكن ان امنع نفسي من التأسف على هذا المشهد الذي انا جزء منه بالرغم عني …أترك لهم دقائق لالتقاط انفاسهم قبل ان نبدأ حصة الدروس المخصصة و انا اقرا تقاسيمهم ، منهم من لم ينم جيدا و منهم من تعلو وجهه ابتسامة لسبب قد نراه بسيطا لكنه اثر و بجد في نفسية طفل يستعد للتحصيل ، تعود تلامذتي على التواصل اللامشروط معي و هكذا يلتقط سمعي كلمات تلميذ و هو يصرح بفخر ان اباه قد اوصله للمدرسة هذا الصباح و لم يأت مع اقرانه في حافلة النقل المدرسي ..كانت عيناه تلمع بزهو غير مسبوق و هو يخبرني بذلك و بادلته بابتسامة تؤيد فرحته المستحقة …

ابتدات الحصة و الجميع منصت إلي باهتمام ، التفاعل سيد الموقف و دليل الاستيعاب ..

قطع تواصلنا الجميل و الهادف صوت قرع على الباب ، لقد كانت المالكة للمؤسسة و هي امراة تعدت عقدها السادس بكثير ..ولجت بخفة إلى الداخل و راحت تتجول بين صفوف التلاميذ ، هممت بمتابعة الشرح لكن صوتها المتشنج بخر كل جهودي …كانت تصرخ في وجه كل واحد منهم و هي تسأل عن الوزرة المدرسية و ترمي بدفاترهم في كل اتجاه …كانوا في حالة رعب و استغراب و كنت في صدمة مما أرى ، فكرت ان اطردها من القسم لكنني استدركت انها المالكة للمؤسسة و انها جزء من منظومة التعليم المفككة و اكتفيت فقط بالتأمل لما يحدث في صمت مميت و انا ألعن أصحاب الشكارة المتطفلين على التعليم …

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: