احتجاجات اجتماعية تمهد لحراك سياسي في الجزائر

بليدي

توسّعت رقعة الاحتجاجات الاجتماعية في عدد من مدن وولايات (محافظات) الجزائر خلال الأيام الأخيرة، بشكل يؤشر على بوادر احتقان ويعيد سيناريو الأجواء التي سادت البلاد خلال الأسابيع التي سبقت اندلاع الحراك الشعبي في العام 2019.

وإذا حملت الاحتجاجات المسجلة في الفترة الأخيرة مطالب اجتماعية واقتصادية تتصل بالبطالة وتوسع دائرة الفقر والفساد الإداري والحجر الصحي المستمر، فإنها تماهت مع المطالب السياسية المرفوعة خلال السنتين الماضيتين الداعية إلى رحيل النظام السياسي.

ومثّل اقتحام أنصار فريق مولودية الجزائر لكرة القدم مبنى شركة سوناطراك في ضاحية حيدرة الراقية في العاصمة، والقيام بأعمال شغب وتخريب، مؤشرا قويا على تفاقم فرص الانزلاق الاجتماعي، خاصة وأن حسابات هؤلاء الأنصار مع الشركة الحكومية الراعية للفريق مرشحة للخروج عن طابعها الرياضي والسقوط في مستنقع الانفجار الاجتماعي.

ونظم سكان العديد من المدن والمحافظات احتجاجات ومسيرات شعبية للتنديد باستمرار إجراءات الحجر الصحي، وتفاقم البطالة وتوسع دائرة الفقر والبيروقراطية الإدارية، كما كان الشأن في كل من ولايات جيجل والأغواط وتيارت وبجاية وغيرها.

وتسود الشارع الجزائري حالة من الاحتقان خاصة في ظل فشل حكومة عبدالعزيز جراد ومن ورائها السلطة الجديدة بقيادة الرئيس عبدالمجيد تبون، الغائب عن البلاد منذ أكثر من 20 يوما بسبب رحلته العلاجية الثانية في ألمانيا، وعدم قدرتها على تجسيد التعهدات التي قطعها الرجل لأنصاره خلال حملته الرئاسية.

وأخذت موجة الغضب الاجتماعي تتوسع لتطال مختلف القطاعات وسط تهديدات بشن إضرابات شاملة في قادم الأيام. وبعد عمال قطاعي العمل والمالية، لوّح طلبة الحقوق باتخاذ مواقف تصعيدية قريبا وشلّ جميع كليات الحقوق في البلاد، بسبب ما أسموه بـ”تمادي الوصاية في غلق فرص الالتحاق بالمهنة بدعوى تشبع القطاع”.

ويرى مراقبون أن الشعارات السياسية التي رفعت في بعض تلك الاحتجاجات والمناهضة للسلطة القائمة وللمؤسسات الرسمية في البلاد، تمهّد لإمكانية عودة الاحتجاجات السياسية في البلاد بمناسبة الذكرى الثانية للحراك الشعبي الذي يتزامن مع الثاني والعشرين من فبراير.

العودة إلى الشارع من جديد

وتجري حملة تعبئة على شبكات التواصل الاجتماعي من أجل العودة إلى الشارع بمناسبة الذكرى الثانية، خاصة في ظل ما يصفه ناشطون معارضون بـ”الالتفاف على المطالب الحقيقية للحراك، وعودة النظام إلى الواجهة بعد استغلاله لجائحة كورونا في بسط هيمنته على الشارع”.

ووسط مخاوف من إمكانية تحول الاحتجاجات الاجتماعية المتفاقمة إلى احتجاجات سياسية متجددة، خصوصا في ظل الغموض الذي يكتنف مؤسسات الدولة، وعودة التكتم عن الوضع الصحي الحقيقي لرئيس الدولة وانعكاس غيابه على أداء الأجهزة الحكومية، يتم الدفع بمشروع الانتخابات التشريعية والمحلية المبكرة من أجل استقطاب القوى السياسية وأكبر قدر من الشارع في المسار الانتخابي بدل العودة إلى الاحتجاج.

ويبقى الرئيس تبون من أسوأ رؤساء الجزائر حظا لتزامن بداية عهدته الرئاسية مع أزمة اقتصادية خانقة ومع الجائحة العالمية، الأمر الذي أفقد السلطة إمكانية شراء السلم الاجتماعي التي كانت متاحة لسلفه عبدالعزيز بوتفليقة خلال العقدين الماضيين، فضلا عن الأوضاع السياسية المضطربة في البلاد خلال العامين الأخيرين.

وكان الناشط السياسي المعارض الطالب وليد قشيدة، قد فجر لغما سياسيا على رأس السلطة القائمة في البلاد، بعدما كشف عن تعرضه للتعذيب الجسدي والاغتصاب الجنسي خلال التحقيق معه من طرف مصالح أمنية، الأمر الذي يشكل إدانة لسلطة الرئيس تبون ويعزز تهم المعارضة والحراك لها بممارسات القمع.

وعرفت القضية مفارقة جسدت تهم الغلق والتوجيه الرسمي للإعلام المحلي بعد التضارب المسجل بين المحكمة التي خففت عقوبة الطالب الجامعي الموقوف منذ العام 2019، وبين ما تم تداوله في تقارير إعلامية محلية تحدثت عما وصفته بـ”مؤامرة خطيرة” قام بها قشيدة لاستهداف مؤسسات الدولة وتهديد الأمن القومي والتواطؤ مع جهات أجنبية.

ورغم تشديد الناشطين المعارضين على ضرورة الالتزام السلمي للاحتجاجات المنتظرة، تسجل مخاوف لدى قطاع عريض من الجزائريين من احتمالات الانزلاق إلى العنف والتخريب. ويبرّر هؤلاء مخاوفهم بـ”حالة الغضب المستشري”، وهو ما قد يحيد بالحراك عن رسالته السياسية، خاصة وأن ما يعرف بـ”ثورات الجوع” عادة ما تؤدي إلى الصدام كما وقع في أحداث أكتوبر 1988.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: