تحريم المصافحة بين الرجال والنساء يصنع تابوهات داخل المجتمعات الإسلامية

حمدي

لم ينته الجدل الدائر منذ عقود في المجتمعات الإسلامية حول تبادل الجنسين للتحية عبر المصافحة باليد. وترفض حلقات واسعة من رجال الدين فكرة المصافحة بين الرجل والمرأة، معتبرة أن لمس الرجل ليد المرأة لن يكون بريئا. وبرزت في هذا الشأن العديد من الفتاوى والتأويلات المتشددة التي تحاول التنصل من جزء مهم من الثقافة الإسلامية.

لم يجمع رجال الدين والفقهاء على تحريم سلوك مثلما أجمعوا على عدم إجازة مصافحة المرأة للرجل، في واحدة من أكثر الظواهر إشكالية في العصر المدني.

ويدرج رجال الدين حزمة طويلة من كلام الفقهاء والمشرعين والأحاديث التاريخية عن عدم إجازة أن تمسّ المرأة الرجل حتى وإن كانت مصافحة للترحيب والاحترام، لكنهم يعجزون عن تبرير كيف يمكن للمجتمع السوي القبول بذلك في العمل والتعاملات اليومية.

ويتساءل غالبية الرافضين لربط المصافحة بالحرام والحلال “كيف يمكن للطبيبات مثلا معالجة وفحص المرضى من الرجال من دون فحص ومسّ بالأيدي والأجهزة؟”.

ولا يحمل المتشددون غير فكرة التحريم في الإجابة على مثل هذه التساؤلات المشروعة، في محاولة للتأثير على نسق الحياة الطبيعي للتعامل بين النساء والرجال وعزل المجتمع في تابوات التحريم والتخويف.

وبمجرّد كتابة “تحريم مصافحة المرأة للرجل” في محركات البحث على الإنترنت ستظهر للمتابع قائمة طويلة من الفتاوى والتفسيرات الغريبة لتسويغ هذا التحريم من قبل الهيئات الإسلامية ورجال الدين، تحت ذريعة أن الشيطان سيكون ثالثَ أيِّ لقاء بين المرأة والرجل! وأنّ مثل هذه المصافحة لن تكون بريئة بتاتا.

وتعدّ المصافحات بين النساء المسلمات والرجال أمرا قديما قدم المجتمعات، وتتجاوز أهميتها مجرّد مدّ اليد للترحيب، إلى التعبير الصادق عن المودّة والطمأنينة والأمان وتعزيز العلاقات الاجتماعية وكسب الثقة بين الناس، لكن رجال الدين المتشددين فسروها على أنها تدلّ على الإغواء والتلذذ الجنسي في تفسير ديني ضيّق ضارّ بالتواصل الطبيعي بين أفراد المجتمع. ويستثمر الإسلام الاجتماعي هذا التحريم للتأكيد عليه وجعله تقليدا داخل المنازل وأثناء اللقاءات العامة.

وأذكى الإسلام الاجتماعي الجدل بشأن هذه النظرة الضيقة للمصافحة بين الرجل والمرأة، فتضاربت الروايات والفتاوى بشأن هذا الأمر، لتخترق المجتمعات وتحدث بلبلة في صفوف المسلمين الذين أصبحوا عاجزين عن التمييز بين المباح والمحظور والنافع والضارّ في عقيدتهم.

وعادة ما يعبّر المعلقون عن استغرابهم عند مناقشة تحريم مصافحة المرأة للرجل، لأنه عصيّ على الفهم، الى درجة عبّر فيها معلق أميركي في ندوة تلفزيونية وهو يعلق على فتوى أحد كبار مراجع الشيعة حول تحريم مصافحة المرأة للرجل لكنه يحلل مجامعتها من الدبر بالقول “إن هذا المرجع الديني أشبه بمستشار لمجلة بلاي بوي من القرن الخامس عشر”.

ويدخل عادة الكثير من رجال الدين في سوق المزايدات والمغالاة بشأن تقاليد حياتية يومية سائدة، وليست خلافات فقهية أو شرعية لاكتساب رضا قادة الإسلام السياسي. ومع انه من الاستحالة على النساء المسلمات الالتزام بعدم مصافحة الرجال سواء في اللقاءات الاجتماعية أو العمل، فإن الفتاوى لا تتراجع عن تحريم المصافحة.

وبحثت دراسات اجتماعية في دلالات المصافحات وتأثيرها على المقابلات بين الناس والصفقات والاستثمارات وعادات الشراء وغيرها. وبينما قد تدلّ المصافحة على التوافق والاحترام والترحاب، فإنها أصبحت الهمَّ الأكبر للنساء المسلمات اللواتي يحاولن التوفيق مع الواقع الذي يفرض عليهن مصافحة الرجال من الأهل وزملاء العمل من دون الإخلال بتعاليم الإيمان والعقيدة.

ويجمع خبراء الاجتماع على أن المصافحة تساعد في التعرف على الأشخاص. ولها دور إيجابي في تهدئة المتقدم للوظيفة، بينما قد تصيبه المصافحة غير اللائقة بالارتباك والقلق من المقابلة. ويقابل رجال الدين ذلك بالقول “لا يجوز للمرأة أن تصافح الرجل، ولو كانت مرتدية حائلا كالقفاز وغيره، إلّا ذا محرم!”.

ويغالي أحد مفتي الإسلام السياسي في التحريم بالقول “إن الإسلام منع النظر إلى المرأة، فمن باب أولى منعه ملامسة المرأة للرجل” مشيرا إلى الأثر من أن مَن وضع يده في يد امرأة فكأنما وضعها في لحم خنزير، مؤكدا على أن هناك كثيرا من الآيات والأحاديث التي تحرّم خلوة الرجل بالمرأة والنظر إليها، والدخول على النساء، وكلها تدل على عدم جواز مصافحة المرأة للرجل، وأنه لا فرق بين صغير وكبير في هذه الفتوى، لأن احترام تعاليم الدين فوق المجاملات والمصالح الضيقة.

ويدفع رجل دين أخر بالذرائع والتفسيرات من أجل إشاعة تحريم المصافحة بين الرجل والمرأة بالقول “إن بعض المسلمين يشعر بالحرج الشديد إذا مدت إليه امرأة يدها لمصافحته ويدّعي بعضهم بالإضافة إلى اختلاطه بالنساء الاضطرار إلى مصافحة المدرّسة أو الطالبة التي معه في المدرسة أو الجامعة، أو الموظفة معه في العمل أو في الاجتماعات واللقاءات التجارية وغيرها”. واعتبر ذلك عذرا غير مقبول، مبينا “أن الواجب على المسلم أن يتغلب على نفسه وشيطانه ويكون قويا في دينه والله لا يستحيي من الحق”.

الفتاوى المتضاربة تخترق المجتمعات لتحدث بلبلة بين المسلمين الذين أصبحوا عاجزين عن التمييز بين المباح والمحظور

ويشير باحث شرعي آخر إلى أن هناك جماعة من الفقهاء فرقوا بين مصافحة العجائز ومصافحة غيرهم، فمصافحة الرجل للمرأة العجوز التي لا تشتهي ولا تشتهى، وكذلك مصافحة المرأة للرجل العجوز الذي لا يشتهي ولا يشتهى، وقال “إن مصافحة الرجل العجوز للمرأة العجوز، جائز عند الحنفية والحنابلة ما دامت الشهوة مأمونة من كلا الطرفين، لأن الحرمة لخوف الفتنة، فإذا كان أحد المتصافحين ممّن لا يشتهي ولا يشتهى فخوف الفتنة معدوم أو نادر”.

وعلى غرار هذا الكلام يوجد كمّ كبير يروّج لتحريم المصافحة، الأمر الذي تسبب بأضرار نفسية واجتماعية على عدد كبير من النساء المضطرات إلى عدم المصافحة تحت ضغط أفراد من الأسرة.

ووصل الأمر ببعض الحكومات في دول إسلامية إلى معاقبة رياضيات وفنانات لمجرّد ظهورهن في مشاهد مصافحة الرجال خلال مسابقات ومهرجانات كما حدث في إيران أكثر من مرة. ويرى متخصصون في علم النفس والاجتماع تفسير القبول بعدم المصافحة، أمرا عصيّا على الفهم والتفسير بغير فكرة المغالاة والتشدد.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: