بالرغم من إنزال مسودة قانون الانتخابات الجديد في الجزائر عتبة المشاركة في الاستحقاق الانتخابي إلى حدود الأربعة في المئة، إلا أن هاجس الإقصاء لا يزال يؤرق الأحزاب الجديدة والصغيرة، ولذلك تجري التعبئة من أجل حذف العتبة تماما قصد السماح لهؤلاء بدخول المعترك الانتخابي.
وانضم حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم إلى معسكر المطالبين بمراجعة العتبة الانتخابية في قانون الانتخابات الجديد، بغية السماح لجميع القوى السياسية المعتمدة بالمشاركة في الانتخابات المحلية والبرلمانية المنتظرة خلال السداسي الأول من العام الجاري.
وذكر الأمين العام للحزب أبوالفضل بعجي، أن “الوجه الجديد للممارسة السياسية في البلاد يستوجب فتح صفحة جديدة تراعي مشاركة جميع القوى السياسية الناشئة”، في إشارة إلى الأحزاب السياسية التي اعتمدت خلال السنوات الماضية، ولم يُسمح لها بالمشاركة إلا بالمرور عبر العتبة المطلوبة أو جمع توقيعات الناخبين والمنتخبين.
ويتضمن القانون العضوي الساري نصوصا تستوجب حصول اللائحة المتقدمة لخوض أي استحقاق انتخابي على نسبة خمسة في المئة من الوعاء الانتخابي في الانتخابات التي سبقت، أو المرور على جمع توقيعات عدد معين من الناخبين أو المنتخبين، وهو الأمر الذي أعاق مشاركة العديد من الأحزاب خاصة تلك المعتمدة خلال العشرية الأخيرة.
وكان رئيس حزب التجديد والتنمية أسير طيبي قد أعرب في اتصال مع “العرب”، عن ترحيبه بمحتوى المسودة التي وزعتها السلطة المستقلة لتنظيم الانتخابات، لكنه أبدى في المقابل خوفه من استمرار العمل بنظام العتبة الذي يمهد لإقصاء عدد من الأحزاب السياسية الحديثة.
وبرّر المتحدث ذلك بـ”تطبيق القانون بأثر رجعي، أعاق مشاركة الأحزاب الجديدة، وأنه من غير المعقول مطالبة حزب باستيفاء الشرط المذكور وهو لم تسبق له المشاركة في أي من الاستحقاقات الانتخابية”.
طيف من الأحزاب السياسية يبقى خارج الحسابات تماما بسبب غلق وزارة الداخلية لباب الاعتماد الرسمي للعشرات من التشكيلات السياسية
وفتحت مسودة القانون الانتخابي الجديد المجال أمام القوى السياسية لتعبئة صفوفها من أجل التقدم بتعديل موحد لسلطة تنظيم الانتخابات من أجل السماح لها بالمشاركة، على أن يتم تطبيق العتبة في استحقاق قادم، غير أن تصريح رئيس السلطة المستقلة لتنظيم الانتخابات محمد شرفي، حول ضرورة تطبيق مبدأ العتبة أثار مخاوف هؤلاء من جدوى القانون أصلا إذا أبقى على الإقصاء.
وذهب رئيس حزب صوت الشعب لمين عصماني، قيد التأسيس، إلى أن “حزبه يدعم تحرك الأحزاب وتوحيد جهود المتضررين من القيود التي وضعتها لجنة أحمد لعرابة، على مقاس أحزاب الموالاة على وجه الخصوص ومنها شرط العتبة”.
ولفت إلى أن “الإبقاء على شرط العتبة جاء على مقاس الأحزاب المعتمدة قديما، ويمس بقواعد المساواة وتكافؤ الفرص وخطط تطهير الساحة السياسية، ومن الضروري إعادة النظر فيه، وعلينا ألا ننسى أن الرئيس عبدالمجيد تبون، اعتمد على توقيعات المواطنين فقط في ملف ترشحه للانتخابات الرئاسية، ولم يؤخذ بتوقيعات المنتخبين وهذه رسالة ذات معنى”.
ومنذ سنوات عديدة تهيمن مجموعة من القوى السياسية الموالية للسلطة على المجالس المنتخبة محليا ووطنيا، كما تحضر إلى جانبها أحزاب عريقة يعود تأسيسها إلى تسعينات القرن الماضي، غير أن العشرات من الأحزاب الموصوفة بـ”المجهرية”، لم تستطع مجاراتها في مختلف الاستحقاقات لفارق الإمكانيات التشريعية والمادية واللوجيستية، وعلى رأسها قانون العتبة.
وعبّرت الجبهة الوطنية للحريات عن رفضها لمسعى توحيد جهود ومطالب الأحزاب الحديثة بغية إزالة عائق العتبة، وقالت في بيان لها “إنها غير معنية إطلاقا بمثل هذه اللقاءات التي لا تسمن ولا تغني من جوع”.
وأضافت أن “معظم التشكيلات السياسية الشريكة في المبادرة كانت تطبّل وتصفق للسلطة في كل حين وتبرر كل مبادراتها ومشاريعها، واليوم هاهي تندب حظها العاثر، إذ لم تتعظ من مساندة الكادر، ولم تفقه دورها كأحزاب حقيقية وليس مجرد لجان مساندة”.
ومع ذلك يبقى طيف من الأحزاب السياسية خارج الحسابات تماما بسبب غلق وزارة الداخلية لباب الاعتماد الرسمي للعشرات من التشكيلات السياسية، تنتظر الترخيص المذكور منذ سنوات، وهو ما يعيد طرح جدية السلطة الجديدة في طي صفحة الماضي بفتح المجال أمام النشاط السياسي الحر، لاسيما وأن الدستور الجديد تضمن بنودا حول تسهيلات في تأطير المجتمع سياسيا ومدنيا.