تحوّلت الجلسة البرلمانية لمجلس الأمة الجزائري (الغرفة الثانية للبرلمان)، إلى محاكمة لبعض وزراء حكومة عبدالعزيز جراد، في خطوة تجسد حالة الاستقطاب الحاد بين الطرفين، وتدفع في اتجاه التعجيل بمراجعة ضرورية للطاقم الحكومي، من أجل الحفاظ على الانسجام والإجماع على تنفيذ برنامج الرئيس عبدالمجيد تبون.
واتهم النائب عبدالوهاب بن زعيم من حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، وزير الصناعة فرحات إبراهيم آيت علي، بـ”ممارسة الخطاب الشعبوي وتوزيع التهم الواهية على الناس، بدل التفرغ لملفات القطاع العالقة، وعلى رأسها استيراد السيارات والمركبات المثير للجدل”.
وصرح بن زعيم للصحافيين، على هامش الجلسة البرلمانية التي انتظمت الخميس، لتوجيه أسئلة شفهية لبعض وزراء الحكومة، بأن “وزير الصناعة يتعمد ممارسة التعتيم والتكتم على عمل دائرته الوزارية، ولا يتوانى في خرق النصوص التشريعية التي أقرها البرلمان”.
وجاء ذلك على خلفية الجدل القائم، حول تعمد وزارة الصناعة عدم الكشف عن هوية الموردين الأربعة، الذين تم اختيارهم كخطوة أولى لاستيراد السيارات والمركبات من الخارج، الأمر الذي أثار شكوكا حول ظروف وملابسات دراسة الملف المعطل منذ سنة.
وكانت وزارة الصناعة قد ذكرت في بيان لها، أنه “تم الترخيص لأربعة متعاملين وطنيين باستيراد المركبات والسيارات، بعدما استوفوا جميع معايير دفتر الشروط، بينما تم رفض ملفين آخرين لنفس الأسباب، وليس من حق العوام الاطلاع على هوية المعنيين في الظرف الراهن”.
وهذا البيان أثار حفيظة قطاع عريض من البرلمانيين في الغرفتين وأحزاب سياسية، حيث اعتبر النائب بن زعيم، أن “بيان الوزارة هو إهانة وازدراء للجزائريين، فرغم الأموال المرصودة لعملية الاستيراد هي أموالهم، إلا أن الوزير يتعمد أساليب التعتيم والطرق المشبوهة، مما يعطي الانطباع بأنه لا شيء تغير في ممارسات الحكومة مقارنة مع ما كان سائدا خلال حقبة الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة”.
وتابع بن زعيم “وزير الصناعة، لم يتوان في التصريح بأنه لا يعترف بنص تشريعي أعده البرلمان وصادق عليه، يسمح للمواطنين باستيراد مركبات بعمر لا يتعدى الثلاث سنوات، والآن لا يريد الكشف عن هوية الموردين الذين تم اختيارهم”.
وخلال جلسة المساءلة، صرح الوزير آيت علي بأن “الحكومة لم تلغ القانون البرلماني، بل تم إرجاؤه إلى غاية وضع نصوص تنظيمية للحد من التداعيات المنتظرة في أسعار الصرف في السوق الموازية للعملة الصعبة، وأن دوائر خارجية وزبائن محليين يدفعون باتجاه إثارة القلاقل في البلاد عبر بوابة ملف استيراد المركبات”.
وعلى شبكات التواصل الاجتماعي انطلقت حملات تدعو إلى إقالة الوزير المذكور، الأمر الذي يدفع في اتجاه التضحية القريبة بحكومة عبدالعزيز جراد، التي فشلت في تنفيذ برنامج الرئيس تبون وافتقدت للانسجام والقدرة على معالجة الملفات المستعجلة.
وقال مصدر مطلع ، إن “مصير وأجل الحكومة سيتحدد خلال عودة الرئيس تبون، من رحلته العلاجية الثانية بألمانيا، وإن تعديلا عميقا سيشكل الحكومة، بداية من رئيس الوزراء نفسه، ولا يبقى إلا عدد محدود من الوجوه الحالية”.
ويبدو أن الطلاق بين وزير الصناعة وحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، قد وقع بعد الدعوى القضائية التي رفعها الوزير ضد يوسف نباش، وهو رئيس جمعية مهنية ناشطة في مجال السيارات والمركبات ومناضل في الحزب، على خلفية تصريحات سابقة للرجل حول ما أسماه فيها بـ”التسيير العشوائي للقطاع”.
ولا يستبعد أن يكون مصير الحكومة على رأس أوليات الرئيس تبون، بعد عودته المرتقبة خلال الأيام القليلة القادمة للبلاد، بحسب رئاسة الجمهورية التي أعلنت عن “إجرائه لعملية جراحية على مستوى الرجل، وعن عودته القريبة إلى أرض الوطن”.
وكان جراد، قد تدخل في مجلس الحكومة المنعقد الأربعاء، من أجل حثّ الوزير على التحلي بالشفافية والكشف عن تفاصيل الملف للرأي العام، درءا للشبهات التي قد تطال العملية، خاصة في ظل الحديث الدائر عن وصول السلطة إلى مرحلة متقدمة من تجديد النظام السياسي. غير أن الوزير المحسوب على المعارضة، قبل أن ينقلب على الحراك الشعبي ويلتحق بحكومة جراد مطلع العام المنقضي، أصر على مواصلة التكتم على اللائحة، الأمر الذي يعمق الهوة بينه وبين البرلمان، لاسيما في ظل دخول العديد من النواب في حملة دعائية مبكرة بعد التأكد من حل قريب للبرلمان، استعدادا للترشح في الانتخابات التشريعية والمحلية المنتظرة خلال السداسي الجاري.