على إثر الفوضى التي يعرفها الشأن الديني ببلجيكا ، وحالة فقدان الدولة لقدرتها على مراقبته، خصوصا بعد الأزمة التي ضربت بالهيئة التنفيذية لمسلمي بلجيكا و التصريحات اللامسؤولة لوزير العدل البلجيكي بإتهام المسؤولين بالهيئة بالتخابر لصالح المغرب ،الاتهامات التي بنيت على فراغ من الاساس و خصوصا و ان تقرير الأمني يتحدث فقط عن شركة الأمن التي كانت تعمل في نفس الوقت مع القنصلية المغربية و ادارة المسجد الكبير ببروكسيل ، و التي أدت إلى استقالة نائب رئيس الهيئة السيد صالح الشلاوي ، مما جعل الجماعات الوهابية التي تنشط في كل من مدينة أنفيرس و كانك و التي تعمل لمصالح خارجية و ذلك لتتمدد في المجالات الحيوية ذات الأهمية، حيث ترتبط بتجارة الشهادات المزورة و الجامعات الوهمية الغير المعترفة بها التي تعمل في نطاق متوازي مع انشطة الوهابية السياسية ببلجيكا و التي تتغذى من جراء تصاعد الإرهاب العابر للحدود والتطرف العنيف، مما جعل منطقة الفلاندرن تشهد تزايدا لهذا النشاط الذي يعد جريمة منظمة والتي انعكست سلبا على أمنها الوطني، ونسعى في هذه الدراسة إلى تبيان انعكاس الفراغ الديني و القتال الدامي على تسيير المسجد الكبير على انتشار التطرف العنيف في المنطقة ، من خلال تقصي امتدادات الجماعات الإرهابية إلى داخل بلجيكا وانعكاسه على الأمن الوطني فيها،والبحث في الأسباب والدوافع المحفزة على تطرف الشباب في المنطقة،
و تنتهج الجماعات المتطرفة في بلجيكا عدة طرق لاستقطاب وتجنيد الشباب واستخدام عوامل الفقر والتهميش والأنعزال والبطالة لإقناع الشباب بالأفكار المتطرفة . واستطاعت في السابق من تجنيد عدد غير قليل من الشباب للسفر إلى مناطق الصراعات.
و يهدف تمويل المساجد في بلجيكا إلى محاولة استغلال الجاليات الإسلامية دينيا وسياسيا عبر أموال مشبوهة بإمكانها ان تستعمل في برامج تكفيرية و إرهابية عبر جمعيات غير مسؤولة و تخدم أجندات خارجية للسيطرة على الحقل الديني .
و يعد تطوّر وسائل الاتصال والتنقل عبر البلد، بالإضافة إلى نقص الموارد البشرية في الأجهزة الأمنية، سببا مهما فى نشر التطرف . وترىالباحثة في شؤون الإرهاب “يوليا إيبنر” التطرف على الإنترنت يتعلق مصطلح “الماكنات” بماكنات البحث على الإنترنت. فالأمر يتعلق فيجوهره بالكيفية التي يحاول بها المتطرفون استغلال التقنيات الجديدة وشبكات التواصل الاجتماعي لجمع مزيد من الأموال و لتجنيد أعضاءجدد والدفع بهم إلى التطرف. فالفضاء الافتراضي يساهم بشكل كبير في تسريع ديناميكية التطرف. وللأسف تنجح الجماعات المتطرفةأيضا في استخدام ماكنات البحث على الإنترنت لخلق فقاعات صدى أو غرف صدى تجري فيها عمليات التطرف بشكل تلقائي.
و يقول المؤرخ كريستيان أوست هولد أن “الناس كائنات مجتمعية تسعى للحصول على اعتراف المحيطين بها”. ويتابع المؤرخ قائلا: “عندمايشعر بعض الناس بأنهم ليسوا جزءا من المجتمع يبتعدون عنه ويصبحون هدفا لتأثير الدعاة السلفيين الذين يقولون لهم: “لستم أنتمالمسلمون المشكلة، المشكلة هي في المجتمع الكافر من حولكم”. .ويرى “أوليفر روي” في كتابه “الجهاد والموت”، أن الجهاديين المعاصرينالذين شنوا هجمات إرهابية في أوروبا تحديدا، لم يدفعهم الفكر المتطرف في حد ذاته للانضمام إلى الجماعات الإسلامية المتطرفة بقدر مادفعهم إلى الانضمام إليها إنكار القوانين والقيم في المجتمع، الذي تطور لديهم بعد سنوات من العزلة الاجتماعية والانفصال عن الواقعوالتمرد. .
كتب جون هورغان وماري بيث ألتير في دورية “العلوم السلوكية للإرهاب والعداء السياسي” عن مسار أو منحنى التطرف، وقالا إنه يتكونمن ثلاث مراحل، أولا الانضمام إلى الجماعة المتطرفة ثم الانخراط في أنشطتها ثم الانشقاق عنها. ويستحيل أن نفهم أسباب الانشقاق مندون أن ندرس العوامل التي أدت إلى الانضمام في المقام الأول.ذكرت صحيفة “ليكو” البلجيكية، أن “التشدد الديني في أوروبا يعبّر عنآيديولوجية تستغل الثغرات في الديمقراطية الغربية، كما أنها آيديولوجية لها حلفاء بالأهداف نفسها من اليمين المتطرف والراديكالية القتاليةالتي لا ترى في التطرف الديني سوى أنه نتيجة للتهميش الاجتماعي”.
و أعدَّ “برنامج الأمم المتحدة الإنمائي” دراسة لقراءة الأسباب الاجتماعية والسيكولوجية والتعليمية التي تدفع الشخص للانضمام إلى تنظيممتطرف. وتوصل الباحثون من خلال مقابلات مباشرة مع “متطرفين” سبق لهم الانخراط في تنظيمات إرهابية، إلى عدة نتائج؛ من أهمها أنالفقر والحياة على هامش المجتمع ، وعدم فهم النصوص الدينية فهمًا صحيحًا، وفقدان أحد الوالدين أو كليهما، كلها من أهم العوامل التيتلعب عليها التنظيمات الإرهابية لاستقطاب مجندين جُدُد.
هذا و قد تستغل الجماعات اليمينية والإسلاموية المتطرفة الثغرات في الديمقراطية الغربية لتوسيع نفوذها واستقطاب عدد كبير من الجاليات المسلمة لنشر أفكارهم .وتحاول الحكومات الأوروبية التصدي لظاهرة التطرف والإرهاب بمكافحة الإرهابيين وعزل المتطرفين ووضعهم تحت الرقابة. ولكن كل ذلك يبقى غير مجد لأنه مجرد تعامل مع أعراض المرض فقط ، فقد يدفع الجماعات المتطرفة إلى وجود رغبة لديهم في الإضراربالمجتمع.
وكان الأحرى بالحكومة البلجيكية أن تبدأ بمواجهة مصدر التطرف والذي هو مجمل الحركات الإسلاموية واليمينية المتطرفة وعلى رأسهامثلت بيرموندا الذي يضم انفيرس و كانك . وفى ظل تراخى السلطات البلجيكية فى اتخاذ إجراءات صارمة ضد الجماعات المتطرفة ، فباتمن المحتمل أن يؤدى ذلك إلى ارتفاع منسوب نشاطات التيارات المتطرفة التي تسعى لعزل الشباب ومنعهم من الاندماج في المجتمع . وتغذيةروح الكراهية والعنف عبر الخطاب المتشدد . .