المغاربيون لم يستفيدوا من التعدد اللغوي

قريشي

يناقش كتاب “سؤال العدل في السياسة اللُّغوية المغاربية” للباحث الجزائري العربي بلقاسم فرحاتي مسألة العدل اللُّغوي في الدول المغاربية ما بعد الكولونيالية، بوصفه من أكبر المشكلات الوطنية المتأزمة أيديولوجيا وتربويا، كما هو مطروح في السياسات اللُّغوية للدول المغاربية منذ الاستقلال.

وبحسب فرحاتي، فإنّ الاعتراف المتبادل بقيمة التعدُّد اللُّغوي اقتصاديّا وتربويّا، والاعتراف بحق اللُّغات الوطنية العربية والأمازيغية في الارتقاء بمتنها ومكانتها بعدالة، ما زالا في طور النضال القانوني المشوب بالأيديولوجيا، ولم ترقَ السياسات لمعالجتها معالجة علميّة، ممّا أبقى على هيمنة اللُّغة الفرنسية في التعليم والإدارة.

الكتاب يعيد صياغة المشكلة اللُّغوية لبلدان المغرب العربي في ضوء التعدُّد اللُّغوي، والحاجة الحضارية للشعوب المغاربية

كما أن سياسات التعريب، على أهميّتها، لم تكن بمنأى عن الصراع الأيديولوجي بين الجماعات اللُّغويّة، سواء في الصيغة العلميّة أو المعلمنة.

ولإنقاذ هذا الكنز الرمزي والثروة الاقتصادية التي تكتنزها لغات الهوية للدول المغاربية، يقترح المؤلف طرح المسألة اللُّغوية كما لو أنّها مشكلة استقلال الملف اللُّغوي، وتحريره من الهيمنات، ثم مسألة العدالة اللُّغوية المرتبطة بتحقيق تكافؤ الفرص لمكوّنات الخارطة السوسيولوجية للغات الهوية المجتمعيّة، في الإنفاق المالي، وفي حق الحضور الاجتماعي والإداري والاقتصادي.

كما يقترح الكتاب الذي ينقسم إلى أربعة فصول، انتشال القضية اللُّغويّة من سياسات الأدلجة وجماعات النفوذ، والمقاربات التجزيئية.

ويعالج المؤلف في الفصل الأول من كتابه، الصادر عن مؤسّسة الأصالة للنشر بالجزائر، المفاهيم الواردة في العنوان “العدل اللُّغوي” و”التنمية” و”التربية”، بوصفها متغيّرات، وبيان العلاقة في ما بينها لدى المجتمعات المتنوّعة، كالمغرب العربي، مع توضيح القيمة الاقتصادية للُّغات التي تمثل كنزا لا يجوز التفريط فيه.

بينما يتناول الكاتبُ في الفصل الثاني العدل في السياسة اللُّغوية المغاربية من منظور تنمويّ، مناقشا ظاهرة التعدُّد اللُّغوي، التي يمكن الاشتغال عليها إبداعيا وعلميا وتنمويا.

كما يتناول فرحاتي تجربة التعريب للنهوض باللُّغة العربيّة في الجزائر، ويناقش عوائقه الموضوعية كهيمنة الفرنسية، متطرّقا إلى خطورة الهيمنة اللُّغوية الأحادية والأدلجة.

وفي الفصل الرابع من الكتاب، يعاين الباحث اللُّغة في الوضع العولمي، ومسألة العدالة اللُّغوية، ويبين إمكانية إعادة صياغة المشكلة اللُّغوية المحليّة في الجزائر، في ضوء التعدُّد اللُّغوي، والحاجة الحضارية للشعوب المغاربية.

يُشار إلى أنّ العربي بلقاسم فرحاتي حاصلٌ على شهادة دكتوراه في علوم التربية، ويعمل أستاذا بجامعة باتنة، صدرت له العديد من المؤلّفات من بينها “تطوُّر الفكر التربوي في مجتمعات ما قبل الميلاد”، و”البحث الجامعي بين التحرير والتصميم والتقنيات”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: